أيام كنا في معسكرات الفدائيين في الأردن

ذات يوم من أواخر شهر تموز 1970، ولم أكن قد تجاوزت 16 عاماً بعد، حزمت أمري، واتخذت قراري، بترك دراستي (وكنت أتممت المرحلة الإعدادية للتو) وعائلتي (والديّ وأخوتي) ومدينتي (حلب) للالتحاق بالعمل الفدائي (عبر حركة فتح)، التي كانت ناشطة (آنذاك) في سوريا ولبنان والأردن.
هكذا قرار في ذاك الزمن لم يكن شيئاً مستغرباً. ففي حينه، وطوال حقبة العمل الفدائي (منذ أواخر الستينات إلى مطلع الثمانينات) غادر الألوف منازلهم، وتركوا دراستهم (الثانوية أو الجامعية) أو أعمالهم، للالتحاق بمعسكرات التدريب أو بقواعد الفدائيين، التي كانت في الأردن أو سوريا أو لبنان؛ بمجرد أن يقرروا ذلك، أي بدون كثير من التفكير أو التدبير، وحتى من دون أي مقدمات تذكر.
لماذا؟ في حينه كان الانخراط في العمل الفدائي يعني العمل المباشر من أجل تحرير فلسطين، هكذا ببساطة. لكن ذلك كان يعني بالملموس، بالنسبة للشباب الفلسطينيين اللاجئين، أشياء أخرى، أكثر تعقيداً، ضمنها السعي لاستعادة الكرامة المهدورة، والإفصاح عن توقهم لصوغ هوية جمعية جديدة ومغايرة، غير هوية اللاجئ، التي تعني الذل والهوان والضياع. كما كان ذلك يعني الانخراط في تاريخ جمعي جديد، مضمونه الانتماء إلى شعب، وإلى قضية. وأيضاً هو حماس الشباب لإثبات ذاته أو لإثبات شيء ما لذاته ولغيره.
لِمَّ الأردن؟ لقد اخترت الأردن مضطراً لأن تجربتي (الأولى) في الالتحاق بمعسكرات التدريب التابعة لحركة "فتح" في سوريا لم تكن موفّّقة، حيث لم تستمر سوى أسبوعين، إذ استطاع أهلي العثور علي، وإعادتي إلى المنزل. هكذا فكّرت بأن ذهابي إلى الأردن لن يجعلني في متناول أيديهم؛ وهو ما حصل.
أما بالنسبة لاختياري "فتح"، فيعود إلى أن هذه الحركة كانت هي الأقرب إلى عواطفي ومشاعري، ولكونها كانت ذات حضور سياسي وإعلامي كبيرين، عندي وعند غيري، لا سيما بالنظر لحرصي على متابعة المنشورات والمجلات التي تصدرها (مجلة الثورة الفلسطينية)، والاستماع بشغف لإذاعتها (صوت العاصفة ـ صوت فتح ـ صوت الثورة الفلسطينية)، التي كانت تبث من القاهرة آنذاك، والتي كانت تثير فيّ وفي غيري من الشباب مشاعر التمرد والنضال، كما مشاعر الوطنية والمقاومة، وأحلام العودة.
كذلك فقد كان مشهد تشييع الشهداء، إلى مثواهم الأخير، في شوارع مدينة حلب، أو في مخيميها (النيرب وحندرات)، والذي كان يتحول على الدوام إلى مظاهرة شعبية عارمة، ترفع فيها أعلام فلسطين، وتصدح فيها مكبرات الصوت بأهازيج الثورة الفلسطينية، ويطلق في مسيرها الرصاص، من مسدسات أو من بنادق الكلاشينكوف من قبل بضعة فدائيين، يلبسون البدلة المرقطة و"الحطة" الفلسطينية المشهورة، وقد جاءوا للمشاركة في تشييع رفيقهم الشهيد. كان هذا المشهد يثير في من هم بعمري مشاعر تبعث على الثقة بالنفس وتحثّ على الثورة، لتغيير واقع الحال.
المهم إنني حزمت أمري للذهاب إلى الأردن، من دون أن أعرف كيف؟ هكذا فقط. وقد رافقني في هذه الرحلة احد أصدقائي (من الجيران)، حيث ذهبنا إلى دمشق، وهناك بتنا ليلتنا الأولى في ساحة العباسيين، على العشب، إذ ما كان بمقدورنا الذهاب إلى فندق للمبيت، حيث لم يكن في جيوبنا سوى بضع ليرات سورية فقط، لا غير، يا دوب توفر لنا بضع سندويتشات فلافل. أيضاً ما كان ينبغي أن اذهب للمبيت عند أحد من أقاربي (خشية انكشاف خطتي).
في اليوم الثاني، وبعد أن تمشينا قليلاً في دمشق، ذهبنا إلى محطة الحجاز، حيث ركبنا القطار مجاناً إلى درعا، إذ تفتقت حينها "عبقرية" أو شيطنة الولدنة عندنا عن طريقة للركوب بالتهريب، تخفينا عن عيني ناظر القطار، وتجنّبنا دفع ثمن بطاقة الركوب. هكذا وصلنا إلى درعا قبيل الغروب، وكان أن فكرنا أنه من الأسلم لنا أن ننتظر هبوط الليل لعبور الحدود، مشياً في المسافة بين درعا والرمثا، على اعتبار أننا لا نحمل الأوراق الثبوتية اللازمة لتمكيننا من تخطّي الحدود بين البلدين.
لم تكن المسافة بين درعا والرمثا جد بعيدة بالنسبة لنا في عمرنا وقتها، لا سيما أننا تعودنا على قطع مسافات طويلة في مدينة حلب، بين المدرسة والبيت، أو بين منطقة وأخرى لقضاء الوقت، أو للعب أو للدراسة.
مع ذلك فقد انتابنا، ونحن نقطع الحدود، الإحساس بالرهبة لما نقدم عليه، من دون أن نحسب للأمر جيداً، ومن دون حتى أن نفكر بالتراجع عما اعتزمنا عليه. وبالتأكيد فإننا لم نكن نعرف الطريق قط، فهذه هي المرة الأولى أصلاً التي آتي بها (وزميلي أيضاً) إلى درعا. لذا اعتمدنا خطة قوامها سلوك الطريق الترابي الموازي للطريق المعبّد، طريق السفر.
كان ينبغي لهذه الرحلة أن تبعث الخوف فينا، فنحن نعبر الحدود بين بلدين، وكانت الأردن قبيل أسابيع قليلة شهدت اشتباكات بين الجيش والفدائيين (شهر حزيران 1970)، والأوضاع ما زالت متوترة بين الطرفين. عدا هذا وذاك فالليل يبعث على التخيّل والاضطراب، والطريق موحش، وعواء الكلاب يصم الآذان، لكننا مع كل ذلك ما كنا لندع ذلك يحصل فنحن مشروع فدائيين.
وبعد مسيرة عدة ساعات منهكة بهذه الطريقة شاهدنا سيارة قادمة، الأمر الذي جعلنا نتوارى عن أضوائها لتبين أمرها. وعندما اطمأننا إلى أنها سيارة فدائيين وقفنا أمامها، كي نجبرها على التوقف، وهو ما حصل وأبلغنا راكبيها بغرضنا؛ وهكذا أمّنا ركوبة أمينة إلى الرمثا.
قبيل مدينة الرمثا، وكنا عبرنا الحدود الفاصلة، طلب منا ركاب السيارة النزول لأن ثمة حاجز للجيش، ولا ينبغي أن نكون معهم طالما لا نحمل أوراقاً ثبوتية ومنعاً للشبهات. وهكذا، كان فقد نزلنا من السيارة عند أول بنايات في الرمثا. وكي لا نجلب انتباه حاجز الجيش تظاهرنا بأننا من سكان الحي، وبأننا نتسابق في الجري، ما مكننا من تجاوز الحاجز، بهذه الطريقة "الولادية" العفوية.
بعد ذلك، أي بعد أن دخلنا الرمثا تنفّسنا الصعداء، وبقي أن نبحث عن أقرب مكتب للفدائيين كي ننهي ما أتينا بشأنه، وهو ما حصل فعلاً، فبعد بضعة أيام من مكوثنا في أحد مكاتب فتح تم نقلنا إلى عمان مباشرة، ومن هناك انتقلنا إلى مكتب آخر لفتح في مدينة الزرقاء حيث جاءت سيارة وأقلتنا إلى معسكر عين السخنة.
في زيارتي السريعة هذه لعمان (1970) لم استطع أن أكوّن عنها صورة كاملة، لكنها ظلت في مخيلتي أقرب إلى قرية كبيرة منها إلى مدينة، بالقياس لمدن سورية، كحلب وحمص ودمشق. وربما إنها كانت في حينه أقرب إلى مدينة حماه (آنذاك)، أي أن حلب وحمص ناهيك عن دمشق، كانتا أكثر تقدماً منها، في الشوارع والساحات والعمارات والمرافق، لذا فقد كانت مفاجأتي كبيرة حين ذهبت إلى عمان قبل عامين، ووجدتها على ما أصبحت عليه الآن، حتى بالقياس لمدينة دمشق (باستثناء ما يتعلق بالمدينة القديمة).
أخيراً وصلنا إلى معسكر عين السخنة (التابع لحركة فتح)، وهو في منطقة جبلية وتحتوي في وديانها على ينابيع، ولذلك فهي مليئة بالأشجار وبعض المزروعات. وفعلاً فإن هذا المعسكر كان مكاناً مثالياً، إذ إن مكان النوم كان عبارة عن مغارة متعرجة في منتصف الجبل، يتم الصعود إليها عبر طريق ضيق، وثمة عدة مغاور أخرى، للمدربين وللتسليح وللتموين. أما مكان التدريب فكان يجري بعيداً عن المعسكر، أو عن مكان الإقامة (المغاور)، وحتى اننا كثيراً ما كنا نبيت خارج المغاور، بحيث نحمل بطانياتنا وحاجاتنا ونخرج في مسيرة طويلة، على سبيل التدريب والتأهل من الناحية البدنية، وننام حيث نصل، على سبيل الاحتياط من مهاجمة المعسكر، إذ كان هذا الموقع تعرض إلى غارة جوية إسرائيلية قبل أسابيع من قدومي إليه.
في معسكر التدريب تعرفت على قائد المعسكر ممدوح (كان عمل بعدها في جهاز الأمن الموحد مع أبو إياد وقيل إنه اغتيل في حادث لا أدري كنهه)، كما تعرفت على عديد من المدربين، وكان ثمة نحو 150 من المتدربين، من مختلف الأعمار.
منذ البداية كان يمكن ملاحظة أن ثمة تفاوتاً بين المدربين، فمنهم من كان يعرف ما الذي يعمله، في تدريب فدائيين، من النواحي الفنية والمعنوية، ومنهم من كان "على البركة"، لذا كان ثمة من يمكن مصادقته والتواصل معه وثمة منهم من يبعث على النفور. ولم يكن في هذا المعسكر مكتبة للمطالعة، ولا كتب أو صحف أو مجلات، كما لم يكن ثمة جهة مختصة بالتوجيه السياسي، كما لم يكن ثمة أي صلة بالعالم الخارجي.
في تلك الفترة كان التركيز على التدريب البدني، وعلى بعض الأسلحة، والرماية، وقد كانت العملية التدريبية جد مرهقة، وضمنها أننا كنا نمشي لساعات طويلة في سواقٍ مائية، ونحن نحمل "عهدتنا" على كتفنا، وعند النوم بعد هذه المسيرة الطويلة كان من غير المسموح لنا أن نخلع أحذيتنا وأن نجففها، بدعوى إننا يجب أن نبقى في حالة تأهّب، ما يجعل أقدامنا عرضة للتورم.
الواقع إنني، في تلك المرحلة الصعبة والمرهقة، لم أكن ذات الشخص في كل اللحظات. ففي لحظات معينة كنت أشعر بنوع من الضعف الإنساني، فقد تركت والدي وإخوتي بدون كلمة وداع، وبدون أي تفسير، وكنت أشعر بتأنيب الضمير على هذه الفعلة. وفي لحظة ثانية كنت أفكر بما فعلته لجهة تركي دراستي، ولجهة أثر ذلك على مستقبلي. وفي لحظة أخرى كنت أجدني، بسبب الإرهاق، أحس بأن ثمة شيئاً خاطئاً في طريقة التعامل مع المتدربين من قبل بعض المدربين، وأن الصورة التي رسمتها في مخيلتي عن العمل الفدائي ليست هي الصورة ذاتها التي بتّ أراها في الواقع.
المهم أنني قضيت بضعة أسابيع في تدريب شاق ومرهق، وفجأة وفي منتصف أيلول (1970) توقف كل شيء وتم جمعنا معاً لوضعنا بصورة الاشتباكات بين الجيش الأردني والفدائيين.
كنت ذكرت بأن معسكرنا كان قريباً من مدينة الزرقاء، وهي مدينة توجد فيها قواعد كبيرة للجيش الأردني، فضلاً عن إنها المدينة الوحيدة التي ظلت تحت سلطته الكاملة طوال أحداث أيلول. وكان أن وجهت الأوامر من قيادة الحركة بإخلاء المعسكر، ولذلك فقد تم تقسيمنا إلى قسمين: كبار العمر الذين تقرر ذهابهم إلى عمان للالتحاق بالفدائيين المقاتلين هناك، وصغار العمر، وضمنهم أنا، حيث تقرّر أن نذهب سيراً إلى مدينة جرش، التي باتت تحت سيطرة الفدائيين.
وفعلاً، فقد كانت مسيرة شاقة ومحفوفة بالمخاطر، لا سيما أنه لم يكن في حوزتنا ونحن نحو خمسين، سوى بندقية كلاشينكوف ومسدس، وكان يحمل كل منهما مدربان هما فقط اللذان قادانا في المسير إلى جرش، وكان بالإمكان تهديد حياتنا من أي مجموعة من الجيش.
وتشاء الصدف أن تتواصل علاقات الصداقة (والعرفان) بيني وبين هذين المدربين (ظافر وعمر) فقد كانا من أفضل المدربين، في الأخلاق والتدريب، كما لعبا دوراً ايجابياً في حمايتنا، إلى درجة أنهما عرضا نفسيهما لصدّ قرار القيادة المتعلق بإعدادنا للمشاركة بالهجوم على مدينة الزرقاء. وفعلاً فقد كان هذا القرار أحمقاً بكل المقاييس بالنظر إلى أن هذا الهجوم غير مجدٍ البتة من الناحية العسكرية، وبالنظر إلى حداثة عمرنا، وعدم تأهلنا بعد لعمليات قتالية؛ وقد تصدى هذان المدربان بشجاعة لأحد أعضاء اللجنة المركزية من القيادة العامة لقوات العاصفة، الأمر الذي جعلهم يحجمون عن هذا القرار.
لم نبق في جرش سوى أيام معدودة، إذ صدر قرار بنقلنا إلى مدينة المفرق للالتحاق هناك بدورة عسكرية تم تنظيمها من قبل مغاوير شرحبيل التابعة للجيش العراقي، الذي كان يحتفظ بمعسكرات كبيرة له في المفرق، وربما أن هذه الدورة كانت بمثابة خطوة تعويضية عما اعتبر تقصيراً من الجيش العراقي في دعم الفدائيين في أحداث أيلول.
ورغم أن هذه الدورة كانت شاقة جداً، إذ إنها كانت دورة مغاوير، وتتخللها تدريبات صعبة وخطرة، من مثل القفز من السيارة وعبور حواجز كثيرة ومعقدة، والتطعيم بالرصاص الحي، والقفز من طائرة هليوكوبتر، والتعرض للتحقيق والضرب، والوقوف عراة تقريباً في البرد بدون أي حركة أو حتى رجفة، لفترات طويلة، وغير ذلك كثير، إلا أن هذه كانت دورة مختلفة إذ إن المدربين العراقيين كانوا يحتفون بنا، ما يرفع من معنوياتنا، ويجعلنا نصبر على مشاق التدريب.
أخيراً انتهت الفترة التدريبية، وكان العيد (عيد الفطر) على الأبواب، وحينها فقط لاحت لنا فرصة لزيارة الأهل، بعد غياب، أو بعد اختفاء، دام أكثر من ثلاثة أشهر بدون انقطاع. هكذا حملنا أغراضنا القليلة، وأخذنا أوراقنا الثبوتية الجديدة (هوية القيادة الموحدة لمنظمة التحرير) وغادرنا في الطريق إلى الحدود، إلى الرمثا ومنها إلى درعا ثم دمشق في طريق العودة إلى حلب.
للوهلة الأولى لم يصدق أهلي أعينهم، لم يصدقوا أنني عدت، لقد ظنوا أنني ذهبت، أو أنني قضيت، بعد كل هذا الغياب، ومن دون أي تواصل. لقد كان لقاء مؤثراً، وصعباً، لا سيما على والديّ، كما عليّ.
بعد عودتي إلى حلب لم تستقر الأمور في الأردن، بعد أحداث أيلول، فقد كانت الاشتباكات تندلع بين الجيش والفدائيين، بين فترة وأخرى، ولم يعد بالمستطاع العودة إلى هناك، كما مورست ضغوط علي للعودة إلى متابعة الدراسة. وهكذا كان، حيث قدمت ما يبرر انقطاعي طوال تلك الفترة عن الدراسة، التي كانت بدأت قبل عدة أسابيع.
ما أذكره هو أنني عندما دخلت إلى مدرستي (ثانوية المتنبي) لم أكن ذات الشخص الذي كنته، من قبل. في السابق كان ثمة شعور ينتابني هو مزيج من الوحدانية والخصوصية والهوان، ينمو بسبب نظرة الآخرين لي كلاجئ، كغريب، كآخر، في حين بات ينتابني الآن شعور آخر، فأنا لم أكن مجرد طالب في الثانوية، إذ كنت في نظر الآخرين، الفلسطيني ـ الفدائي.
وحقاً فإنني أفكر أحياناً ما الذي أثر أكثر في رسم مسار حياتي: القرار الأول الذي مفاده الذهاب إلى العمل الفدائي، أم القرار الثاني المتمثل بمتابعة الدراسة؟ وماذا كان سيكون عليه الأمر، لو استمررت على خياري الأول؟
* كنت نشرت في ملحق نوافذ المستقبل (10/5/2009) مادة عنوانها: "فصول من أيام النكبة والمخيم والعمل الفدائي"… شملت بعضاً من سيرتي الذاتية من مرحلة الطفولة إلى مرحلة انطلاق العمل الفدائي، وهذه صفحات تالية من هذه السيرة لمرحلة أخرى، بعد أن لقيت تشجيعاً من الصديق حسن داوود، مع أصدقاء آخرين، على مواصلة الكتابة في هذا المجال.
أيضاً، ما شجعني على هذه الكتابة ما قام به هؤلاء الشباب الذين تحركوا على الحدود الإسرائيلية ـ السورية واللبنانية يومي النكبة (15 أيار) و(5 حزيران)، لقد كانت حركة مشفوعة بالشجاعة والاستعداد للتضحية حقاً، ولكنها (لا سيما في المرة الثانية) كانت تفتقر للخبرة والدراية، حيث تم تغليب العواطف على العقل، والحماسة على الحكمة، لا سيما أن هؤلاء الشباب لم يعيشوا مرحلة العمل الفدائي، وباتوا في وضع ليس فيه مرجعيات سياسية ولا مؤسسات وطنية جامعة، ترشد انفعالاتهم، وتوجه طاقاتهم، فحصل ما حصل من بذل التضحيات لمجرد مظاهرة في يوم واحد. هذه المادة للتذكير بأننا في عمرنا فعلنا مثلما فعلوا وأنه ينبغي لهم أن يستفيدوا من تجارب من سبقهم وأن يعملوا العقل في ما يريدون فعله حتى لا تذهب تضحياتهم سدى.

السابق
أرض الاستبداد المحروقة بالكذب والخداع
التالي
منظّمات المجتمع المدني المصرية والمال الأميركي