من أجل السلطة.. اقتحموا المحرمات وأُفشلوا..!!

 يتوقف المراقب في الساحة العربية اليوم عند «الصحوة الشعبية» طلبا للاصلاح ويدقق باساليب الدعوة اليه، واكثر ما يفاجئ سلوك البعض الذي لا يرى غضاضة في الفتك بالوحدة الوطنية وتعريض الامن والاقتصاد الوطني لافدح المخاطر، ثم الارتهان كليا للخارج واستدعائه لاحتلال بلده وصولا الى جعل العدو قيما على امره. يرتكب ذلك بحجة تغيير السلطة لاقامة البديل الذي يحقق الاصلاح المنشود، متناسيناً ان شرف الوسيلة من شرف الغاية، وانه لا يمكن بناء سلطة وطنية بيد اجنبية، او باقتحام المحظورات الوطنية والمحرمات القومية، فلقيام السلطة اصول ولاستمراها قواعد.
السلطة كما هو معروف في الفقه الدستوري والعقد الاجتماعي هي العنصر الثالث الذي لا بد منه لتشكل الدولة بالمفهوم القانوني بعد الشعب (العنصر الاساس في الدولة)، وغايتها مصلحة هذا الشعب القائم على ارض اختارها او وجد عليها. تبني السلطة مشروعيتها على الارادة أو القبول الشعبي، وتثبت مشروعيتها بالعمل لمصلحة الشعب في وجوده حماية وأمناً في عيشه تحقيقا للمتطلبات، بعد ان تطورت فكرة الدولة من «الدولة الشرطي» التي تكتفي بتحقيق الامن وحفظ الحياة الى «الدولة الرحمن» التي تعمل لتسهيل الحياة عبر توفير ما امكن من احتياجات.
لكن السلطة في بلداننا التي قسّمها المستعمر وفقاً لاهدافه، للاسف، اريد لها ان تكون عكس ذلك، حيث فرضت على الشعب لتكون اداة لتحقيق مصالح الاجنبي، اما القليل من الدول التي تمردت وقامت فيها سلطة تستجيب للنبض الشعبي، خاصة في طموحه الاساس إلى حفظ الكرامة والقرار المستقل والامن الثابت والتمسك بالحقوق، فقد واجهت وتواجه من الغرب المستعمر اعتى المؤامرات والحصار لاعادتها الى دائرة التبعية والارتهان للغرب.
اليوم، مع ما يسمى «الربيع العربي»، تشهد الساحة العربية حراكا متناقض الطبيعة والاهداف والادوات في مسار البحث عن انتاج السلطة، الى الحد الذي يمكن معه القول بوجود التناقض الكلي بين مكونات هذا الحراك، تناقضا بين طالب اصلاح وسلطة لخير الشعب، وطالب سلطة تخضع الشعب من اجل الخارج. فاذا كان طلب الاصلاح أمراً مشروعاً ومطالبة السلطة القائمة بالاصغاء الى الشعب أمراً بديهياً حتى تستمرمتمسكة بمشروعيتها، فان الذي يصعق المراقب هو مشهد يرى فيه بعض من يدعي «العمل لخدمة الشعب «، يسلك الطريق الى السلطة مقتحما المحرمات التي اجمع الشعب على عدم مقاربتها، ومتجاوزا المحظورات التي حددها ومنع المس بها تحت اي عنوان او اعتبار.
هنا نجد بعض «دعاة الثورة»، في اكثر من بلد عربي لا يتورعون عن طرق باب الخارج حتى العدو الاكيد، من اجل الوصول الى السلطة، و«يهب الاجنبي « المتدخل» او «المستعان به» الى «النجدة» عبر قرارات التدخل الدولي وانشاء المحاكم او ارسال اسلحة القتل وارتكاب المجازر في صفوف المدنيين، وهو مشهد مروع نراه الان في لبيبا، حيث «ترشد ثورتها مفرزة صهيونية» وتدير نارها غرفة عمليات اطلسية قتلت حتى الان المئات من الابرياء المدنيين بالنار الاطلسية، وتدفع الى حرب اهلية لا تنتهي الا بالتجزئة والوهن الوطني. او كما يراد لسورية حيث لم يتورع «دعاة الثورة» عن طلب تدخل عسكري اجنبي في بلادهم لا لتحرير الجولان الذي تحتله «اسرائيل»، بل لقتل الشعب الذي يحتضن الحركة الاصلاحية التي يقودها رئيس الدولة، كما يطالبون بالعقوبات الاشد على دولتهم من اجل تجويع الناس وافقارهم، ولا يترددون بطلب هذا التدخل من على الشاشات «الاسرائيلية» او عبر تنظيم المؤتمرات برعاية صهيونية كاملة، تحريضا على وطنهم،

الذي اكتشف فسادهم وانتهاكهم للوحدة الوطنية، فلفظهم، وها هم اليوم ينتقمون منه بالارتهان للحركة الصهيونية العالمية التي هجّرت شعب فلسطين، وزعزعت استقرار المنطقة واهدرت طاقاتها. ارتهان افتضح اخيرا بذاك المؤتمر الذي جمع بالامس في فرنسا، صهاينة وسوريين مارقين، يتوسلون السلطة من الصهيونية والغرب مهما كان الثمن.
لا يختلف المشهد كثيرا في لبنان، حيث لم يجد طلاب السلطة من جماعة ما يسمى «ثورة الارز « حرجا في التنازل عن السيادة اللبنانية وتوقيع معاهدات وبروتوكولات امنية وقضائية خاصة، ليس اقلها ما سمّي بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ولا يتردد من بقي منهم اليوم في هذا التجمع المتهاوي، في الطلب من الخارج كل الخارج بما فيه «اسرائيل» واميركا، بمقاطعة الحكومة اللبنانية ومحاصرة الشعب اللبناني والتضييق عليه في نقده ولقمة عيشه من اجل العودة الى السلطة التي اخرجوا منها بقرار الاكثرية الشعبية والنيابية.لكن هؤلاء يبدو انهم يتجاهلون او يتناسون الحقائق التالية :
ان المحكمة التي يعولون عليها هي محكمة ولدت خلافا للشرعية الوطنية والدولية، وانها عاجزة عن فعل اي شيء في الداخل اللبناني، مهما علا صراخهم وعويلهم، وان النظرة الوطنية الى المحكمة باتت تماما كالنظرة ذاتها الى تشكيل عسكري «اسرائيلي» باعتبارها « الكتيبة القضائية « في جيش العدو، وان من يؤيدها يصنف نفسه قبل ان يصنفه الاخرون، ثم ان عجزها حيال المقاومة سيلاقي عجز الجيش «الاسرائيلي» نفسه.
لن يكون بمقدور ما يسمى «المجتمع الدولي» فعل اي شيء ضد لبنان وهو يعرف ان في يد لبنان اوراقاً كثيرة يرد بها على اي قرار ظالم بحقه، بدءاً من الموقف من القرار 1701 الذي تستفيد منه اصلاً «اسرائيل».
ان لبنان ليس جزيرة معزولة في المسرح الاستراتيجي المشرقي الذي تعول عليه اميركا في مصالحها الكونية، وان للبنان في مقاومته وتحالفاته من القوة ما يستطيع ان يرد به بما يحفظ حقوقه في اعلى مستوياتها.
ان زمن تنصيب الحاكم في لبنان بيد «اسرائيلية» او اميركية ولى ولن يعود، خاصة مع وجود هذا التفاهم الوطني المتماسك والمتنوع طائفيا ومناطقيا وعقائديا، تفاهم يملك الاكثرية الشعبية ويؤكد صحة ما قاله العماد ميشال عون بانه قادر على لي الذراع الأجنبية في لبنان حتى لو كانت اميركية.
ان سلاح المقاومة بات خارج اي بحث، وبات يمتلك قوتين وشرعيتين: قوة الحق وقوة السلاح ثم الشرعية الطبيعية (و هي اصلا كافية) باعتبارها ترجمة لحق الدفاع المشروع عن النفس المستمد من القانون الطبيعي، والشرعية القانونية الدستورية الرسمية بموافقة مجلس النواب اللبناني المتكررة على كل البيانات الوزارية التي تؤكد على حق المقاومة وسلاحها.
مع هذه الحقائق قد يجد العاقل ان الطريق السليم والآمن في لبنان لمن خرج من السلطة، هو الاقرار بان الخارج لا ينصّب حكاما بعد اليوم، وان الخارج لن يقدر على المقاومة وسلاحها، وان تلفيقة « العدالة الدولية» لن تمس المقاومة ولا جمهورها، والان بعد الثقة التي نالتها الحكومة التي سمّاها من تبقى من «14 اذار « حكومة المقاومة وجبهة الممانعة واعتقد ـ انها ستحمي المقاومة وتمانع من يستهدفها ـ فان الطريق الوحيدة المجدية والمفتوحة امام هؤلاء، هي التوقف عن الرهان على الخارج، والحوار مع شركاء الوطن حماية للوطن، والا فان الخسارة ستصيبهم هم اولا قبل اي احد، وعندها سيدركون ان اميركا والصهيونية العالمية لن تكونا السلطة في لبنان، كما لن تكونا في سورية صاحبتي القرار، ولكن يكون الاوان قد فات. 

السابق
لبنان في أمس الحاجة إلى المحكمة الدولية
التالي
وقف البحث عن عقيدة أوباما