البناء: المطارنة الموارنة يستغربون توقيت صدور القرار الاتهامي: أجّج الجدال وزاد الشَرخ بري يُدير كاسحة ألغامه على شطحات الجلسة

كشفت وقائع اليوم الثاني من جلسة الثقة خطة وثيقة المعارضة الجديدة في توتير وتفجير الجلسة وافتعال إشكال كبير تحت قبة البرلمان لنقله الى الشارع، كما عبّر الرئيس نبيه بري صراحة خلال تدخلاته الحاسمة لإزالة فتائل التفجير التي توالت في الجلسة المسائية، ولا سيما خلال مداخلة النائب نهاد المشنوق الذي عمد الى صوغ كلمة عن سابق تصور وتصميم لاستفزاز الأكثرية وتحديدا حزب الله وحركة أمل بغية جرها الى مثل هذا المشكل.

وفي الحقيقة، ان ما ساد من هدوء في اليوم الاول قد جعل المعارضة تلجأ الى ترتيب استراتيجية وتكتيك بدآ منذ صباح امس بغية تحويل الهدوء الى توتر وتصعيد. فماذا حصل في يوم الجلسة الطويل أمس؟
المعلوم ان 23 نائبا تكلموا يوم اول من امس من الأكثرية والمعارضة، وقدموا مداخلات كان بعضها قاسيا مثل مداخلة النائب مروان حمادة، لكن الأجواء بقيت تحت سقف الهدوء بسبب التزام الاكثرية بالتوصية الحاسمة من قبل القيادات بعدم الرد او الانجرار الى أي استفزاز،
مع العلم ان مداخلات المعارضة لم تكن مستفزة في اليوم الاول بالشكل وإن كانت احيانا مستفزة في بعض مضامينها.

وبدا مساء أول من امس ان الاكثرية قد نجحت في احتواء خطة المعارضة وما جعل بعضها يفقد اعصابه، هو انه ما إن انتهت الجلسة المسائية حتى تدفق الناس والمصطافون الى ساحة وسط المدينة التي عجت بالساهرين.

ويبدو ان هذا المشهد الطبيعي لم يرق الى اوساط المعارضة التي خططت في الليل لأسلوب من اجل تفجير اليوم الثاني من الجلسة. وما ان حضر مايسترو المعارضة الرئيس فؤاد السنيورة في الجلسة النهارية متأخرا بعض الشيء، حتى بدأ يزداد طالبي عدد الكلام من المعارضة، فقفز الرقم 20 نائبا اضافيا بينهم عدد من نواب الاكثرية وزاد الرقم من 47 الى 58 نائبا وهنا لجأ الرئيس نبيه بري الى تقديم الجلسة المسائية ساعة للإفادة من الوقت وبالتالي إنهاء الجلسة اليوم.

وبالفعل، لوحظ في الجلسة النهارية ان حرارة المواقف بدأت ترتفع تدريجا وان عبارات استفزازية استخدمت، لكن الرئيس بري لعب ضابطا لإيقاع الجلسة بغية ابقائها في إطارها الطبيعي والعادي.

غير ان الأمر بقي متجها تصاعديا ما يؤكد ان المعارضة كانت صممت ومن خلال مداخلات بعض الصقور ان ترفع وتيرة الاستفزاز علّ الجلسة تتحول الى ساحة اشتباك، وبالفعل بدأت الجلسة المسائية في أجواء شابها الحذر والترقب ما بعث على الاعتقاد بأن الرئيس بري سيضاعف جهده بلجم الموقف وإبقاء الامور في نصابها.

وكما كان متوقعا فقد بدأت سلسلة المشادات الكلامية خصوصا عندما انبرى النائب خالد الضاهر يهاجم سورية وحزب الله ويستخدم عبارات مذهبية تحريضية، ما جعل النائب عاصم قانصوه يبادر الى الرد عليه لكن الرئيس بري اوقف قانصوه عن الكلام لكي لا يترك مجالا للاشتباك الكلامي وتفاقم الموقف.

وما إن انهى الضاهر كلمته وتوجه الى مقعده حتى انبرى مرة اخرى باتجاه قانصوه وشتمه بحجة انه سمع من زميل له (سامر سعادة) ان قانصوه شتمه.
وهنا ردّ قانصوه على الضاهر وحصلت مشادة كلامية كادت تتحول الى اشتباك بالأيدي. فتدخل الرئيس بري ونواب وعملوا على لملمة الموقف واستكمال الجلسة.

غير أن الانفجار الكبير حصل خلال مداخلة المشنوق الذي أعد كلمة مفخخة واستفزازية وتحريضية وفتنوية طاولت سورية وحزب الله وتضمنت عبارات صريحة للتحريض على الفتنة، ما اضطر الوزير علي حسن خليل الى التصدي له لانه يطاول سورية الشقيقة، ثم تصدى له لاحقا النائبان نواف الموسوي وحسين الموسوي لتطاوله على الحزب وتسميته بالاسم، وهنا تدخل الرئيس بري وأسكت الخليل ونواب الحزب، لكنه تمنى في الوقت نفسه على المشنوق ألا يمارس توتير الاجواء، لكن المشنوق بقي على التوتيرة نفسها، ما يؤكد انه كان مصمما بكل الوسائل على تفجير الموقف.

وتحول الى الحكومة ناعتا اياها بأنها شُكّلت بارادة المرشد الاعلى ما اضطر خليل الى التدخل بقوة رافضا هذا القول ومؤكدا ان الحكومة تكونت من ثقة الشعب وتأخذ ثقة المجلس وان هذا الكلام غير مقبول على الاطلاق.
لكن الرئيس بري تدخل مرة اخرى وطلب من خليل ان يتوقف عن الكلام ويجلس في صفوف الوزراء، ثم حصلت مشادات اخرى بين المشنوق ونواب حزب الله وانتصر الى المنشوق نواب من كتلة المستقبل. عندها توجه نواف الموسوي للمشنوق قائلا: انت عميل مخابرات «وسعرك معروف» وزاد حسين الموسوي بأن كلام المنشوق كلام فتنوي.

اما الرئيس بري وخلال تدخلاته فقال: اعتقد ان هناك تصميما لتخريب الجو في المجلس وتوجه الى المشنوق قائلا: لا مصلحة في توتير الأجواء، واضاف: ان ما تسمعونه الآن يؤكد ان البلد بحاجة الى مصالحة حقيقية، وأنتم المجلس النيابي مسؤولون عن هذه المصالحة وهناك مراهنات في أن يحصل مشكل في المجلس النيابي لينتقل الى الشارع.
رغم ذلك فقد حصلت مشادات كلامية أقل عنفاً بين نواب من المعارضة وآخرين من الاكثرية طوال جلسة المساء، لكن الجلسة انتهت بأجواء أقل حدة في ضوء تدخل رئيس المجلس تارة بالحزم وتارة أخرى بالاحتواء قبل أن يرفع الجلسة مذكراً بأن هناك ثمانية نواباً بقوا على جدول طالبي الكلام حيث يتوقع أن يدلوا بدلوهم قبل أن يعدّ رئيس الحكومة رداً على كل المداخلات ثم يجري الاقتراع على الثقة المضمونة للحكومة.

أوساط ميقاتي
ولاحظت أوساط قريبة من رئيس الحكومة ان نواب المعارضة لم يتطرقوا الى مضمون البيان الوزاري باستثناء بند المحكمة، فكان تركيزهم على انتقاد الحكومة، وقالت الأوساط يبدو ان هناك «برمجة» مسبقة بين نواب المعارضة تبقي الأولولية لموضوع المحكمة والقرار الاتهامي مع التصويب على الحكومة.

أضافت الأوساط، ان نواب المعارضة يظهرون في مداخلاتهم انهم ينطلقون من فكرة وحيدة، وهي الحكم المسبق على النواب بأن رئيس الحكومة لا يريد احقاق العدالة. وإن كانت الاوساط قد اعتبرت ان من حق النواب أن يقولوا ما يرونه وما يعتقدونه.
مجلس المطارنة
وفي موازاة جلسة مجلس النواب أمس توقف المراقبون عند مضمون ما جاء في بيان المطارنة الموارنة وخاصة في مسألتين:

الاولى، تأكيد المطارنة بعد اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك بشارة الراعي، ان إصدار المحكمة قرارها الظني في الوقت الذي كانت الحكومة تستعد لمناقشة بيانها قد أجج الجدال وزاد الشرخ في لبنان. مناشدين الحفاظ على النقاش الديمقراطي والعمل لتحقيق العدالة.

الثاني: اعرب المطارنة عن أملهم بأن تنطلق الحكومة الجديدة معززة بثقة المجلس الى معالجة شؤون الوطن والمواطنين، وان تتحمل مسؤولياتها الجسام في هذه المرحلة الخطيرة، وتعمل على تقريب وجهات النظر بين اللبنانيين.
مصير طلبات المحكمة بتوقيف «المتهمين»
وفي هذا الوقت، يطرح سؤال حول كيفية تصرف الاجهزة المعنية حيال طلب المحكمة الدولية توقيف اربعة اشخاص من ضمن ما كان تسمله مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا من وفد المحكمة عندما جرى تسليمه القرار الاتهامي.

وفي معلومات لمصادر سياسية مطلعة ان جهازاً معنياً، يرجح أن يكون جهاز الشرطة القضائية، يعد ردا على طلب توقيف هؤلاء الاشخاص، سيتقدم به بعد ان يكون قد قام بالخطوات المناسبة، ومفاد الرد أن هؤلاء غير موجودين في عناوين محددة وتاليا فهم متوارون عن الانظار، ولا يمكن للأجهزة الأمنية ان توقفهم ما دامت المعلومات عن أماكنهم غير متوافرة.
ورجحت المصادر، ان تلجأ المحكمة الدولية بعد انقضاء الثلاثين يوماً التي حددتها لتوقيف الاشخاص الى اكثر من خطوة بينها إبلاغ مجلس الأمن بما حصل وكذلك القيام بوضع «اعلانات» في الإعلام تطلب فيها إبلاغها من جانب من يعرف عنهم شيئا بمكان وجودهم.
لكن المصادر تساءلت عن الموقف الذي ستذهب اليه قوى «14 آذار» عندما تنقضي مهلة الشهر. ولا يجري توقيف الاشخاص الذين وجهت المحكمة التهم اليهم.

جنبلاط
وفي هذا السياق، ثمّن رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط المواقف المسؤولة التي أعلنها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في ما يختص بالمحكمة الدولية، وضرورة تعاطي اللبنانيين معها بعقلانية وهدوء، معتبرا ان موقف الفيصل «يتقاطع» مع موقفه السابق الذي أكد فيه «أهمية العدالة والاستقرار في لبنان».

وأيد جنبلاط، في بيان له، موقف الوزير الفيصل الذي تحدث فيه «عن تطورات الأوضاع في سورية وضرورة تغليب المقاربة السياسية على حساب المقاربة الأمنية للدخول في عملية الحوار الجاد والإصلاح السياسي والاقتصادي للتأسيس لمرحلة جديدة وسورية جديدة، كما رأى أن «الكلام السعودي في ما يخص مملكة البحرين مهم ايضا».

الوضع في سورية
وعلى صعيد الوضع في سورية، فقد شهدت الساعات القليلة الماضية مزيدا من الخطوات الإصلاحية في وقت تستمر الاستعدادات للقاء الحوار التشاوري الموسع الذي دعت اليه السلطات السورية. وإن كان بعض أطياف المعارضة السورية ومن بينها «هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي» رفض حضور اللقاء.

وأمس، اصدر الرئيس السوري بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 78 للعام 2011 القاضي بإحداث الهيئة العامة لإدارة وتنمية وحماية البادية يكون مقرها الرئيسي تدمر وتهدف الى تطوير البادية وحمايتها وتنمية مجتمعها المحلي ومواردها الطبيعية والبشرية والبنى التحتية وإدارة وتنشيط الفاعليات المختلفة فيها.

مسيرات الدعم
في الإطار ذاته، استمرت مسيرات الدعم والتأييد لبرنامج الإصلاح الذي أعلنت عنه القيادة السورية، وقام آلاف المواطنين برفع الأعلام واللافتات المؤيدة للإصلاح في صحنايا بريف دمشق. كما سارت تظاهرات حاشدة في مدينة أزرع في محافظة أدلب.

الوضع الميداني
أما على الصعيد الأمني، فقد ذكرت صحيفة «الوطن» السورية ان وحدات الجيش السوري تستمر في تنفيذ عمليات «نوعية» في منطقتي جبل الزاوية ومعرة النعمان، وحسب شهود عيان، دخلت وحدات الجيش مدينة كفرنبل وقريتي كفروما وحاس من دون إطلاق نار أو حظر للتجوال.

وأوضح مصدر مسؤول لـ»الوطن» بأن الجيش يلاحق فقط العناصر التي قامت بأعمال تخريبية وقتل، ولا يلاحق الذين قاموا بالاحتجاجات السلمية. وحسب مصادر محلية فقد اتجهت وحدات الجيش إلى مشارف قرية كنصفرة، وأكدت المصادر وجود مسلحين في بعض القرى الجنوبية لناحية كفرنبل ولكن بشكل أقل علنية ما أطلق عليها «محلياً» اسم «الخلايا النائمة».

أما في مدينة معرة النعمان حيث تتمركز وحدات الجيش على مشارفها منذ عدة أسابيع لتأمين الطريق الدولية حلب ـ دمشق، فقد اكد مصدر مسؤول لـ«الوطن» بأن الجيش لم يدخل المدينة بعد، في وقت قال شهود عيان إن مجموعات من المحتجين الذين يحملون العصي والهراوات يقومون بالتجوال في شوارع وأسواق المدينة، وقد حاولوا إجبار المواطنين على إغلاق محالهم من أجل تنفيذ إضراب عام في المدينة ولكن دوريات من الشرطة وحفظ النظام لاحقت هذه المجموعات في ظل هروب سريع للمسلحين نحو الجبال.

وكعادتها في عمليات التحريض وتشويه الحقائق، نقلت قناة العربية عمن وصفتهم نشطاء حقوقيين، ان 22 قتيلا سقطوا في مدينة حماه، بينما نقلت وكالة «أكي» الإيطالية عما تسمى «المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان» ان عشرات القتلى والجرحى سقطوا في المدينة التي شهدت موجة نزوح كبيرة.

وفي هذا السياق، دعت منظمة العفو الدولية الى إجراء تحقيق بإشراف الأمم المتحدة في احداث العنف في سورية. ودعت مجلس الأمن الى إحالة الأوضاع في سورية الى المحكمة الجنائية في لاهاي.
وفي الإطار ذاته، لوحظ ان صحيفة «هآرتس» نقلت معلومات وتحليلات عن الوضع في سورية ونسبتها الى مصادر في المعارضة السورية ما يؤشر بالفعل الى الدور الأميركي وحتى «الإسرائيلي» في تحريك بعض المعارضة السورية ودفعها نحو التطرف.

السابق
الجمهورية: المنازلة النيابيّة تنتهي اليوم والحكومة تنطلق بـ 69 صوتاً المعارضة تستعدّ للمستقبل ولا عودة قريبة للحريري
التالي
النهار: مفاوضات بين قوى الأمن والمتظاهرين في حماه لرفع المتاريس من الشوارع مقابل إطلاق المعتقلين