واقعيّو الأقليّة: الحكومة لا تسقط بالابتسامات

منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد ليس واهماً بإمكان إسقاط الحكومة في المجلس. وقد تابع أمس وعدداً من زملائه جلسات مناقشة البيان الوزاري. نكّتوا حيناً وتحمّسوا حيناً آخر، وبقيت الكلمة الأخيرة للكعك العصروني الذي أعلن استراحة المحارب

جلس في مكتبه. اطّلع على ما عليه قراءته، دوّن ما عليه كتابته، واتّصل بمن ينبغي التحدّث إليهم. منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار، فارس سعيد، لم يغيّر عادته أمس، رغم حلول أحد الأيام المنتظرة بالنسبة إليه ولكثيرين في فريق المعارضة. فالمشروع المعارض مشى خطواته الأولى في مجلس النواب. بحضور عدد من «الرفاق»، شغّل سعيد التلفزيون الذي اعتاد الصمت غالباً، فتردّدت في غرفته أصوات النواب الذين بحث أغلبهم عن «الزقفة» في نهاية مداخلاتهم.

بين سيجارة وأخرى وفنجان قهوة وآخر، كان سعيد ومن حوله يتلذّذون بإطلاق تعليقاتهم المؤيّدة حيناً والمتهكّمة حيناً آخر على ممثليهم في المجلس. هذا النائب نال تعليق «طيّب، كويّس»، والثاني «منيحة منّك»، والثالث «بلا حكي عن الطرقات هلّق»، وآخر «لا يمكنك أن تهدّد والابتسامة على وجهك». أجواء الودّ التي عادةً ما تسود جلسات الحلفاء في 14 آذار، بقيت على حالها أمس، فنال معظم نواب المعارضة نصيبهم من «التنكيت»، أكان هادي حبيش أم عاطف مجدلاني أم خضر حبيب أم عمّار حوري. ويُنقل عن الأخير أنّه خلال الفترة المخصصة للتصوير الفوتوغرافي لاجتماعات الأمانة العامة، يُطلب من المجتمعين الابتسام، فيعلّق النائب المستقبلي: «يمكنكم الاكتفاء بالنظر إليّ، فتضحكون». وحده النائب مروان حمادة «زمط» من «التقريق»، وهو قد سجّل موقفاً جاداً ومباشراً وواضحاً بحسب الحاضرين.

وعند صعود نواب الأكثرية الجديدة للكلام، كان سعيد يخفض الصوت في أغلب الأحيان باعتبار أنه «معروف ماذا سيقولون». وحده النائب مروان فارس فاجأ الحاضرين، إذ ذهب «straight to the point» وعبّر عن رغبة الخصم في القضاء على المحكمة الدولية عبر سحب القضاة اللبنانيين وإلغاء مذكرة التعاون معها. وُجد من يعلّق على كلام فارس: «عم بيعلّوا السقف»، فيما اكتفى سعيد بهزّ الرأس.

ربما شعر الأخير ببعض الحنين إلى القاعة العامة للمجلس. وتماشياً مع ما يجري عرضه على التلفزيون، فتح أحد الملفات وبحث فيه عن خطاب قدّمه في الهيئة العامة عام 2003، وهو كلام يرى أنه لا يزال صائباً حتى اليوم، وإن كان موجّهاً إلى حكومة الرئيس الشهيد حينها.

يبدو فارس سعيد واقعياً عند حديثه عن سير مشروع المعارضة، فيؤكد أنّ هذا الفريق غير متوهّم بإسقاط الحكومة في مجلس النواب، والهدف الوحيد من المشاركة في الجلسات هو «تسجيل بعض النقاط، باعتبار أنّ الحكومة لن تسقط بالضربة القاضية كما في عام 2005»، والخطة تتطلّب تكامل العوامل والوقائع والنتائج، بحسب سعيد. وإلى حين ذلك، يفضّل متابعة العمل على تنسيق المواقف بين المعارضين، يتخلّلها وجبة خفيفة واستراحة قصيرة لتناول «الكعك العصروني والجبنة»، تقطعها الكلمة المدهشة للنائب علي عمّار.

إصرار فارس سعيد ومَن حوله على إسقاط الحكومة غير معمّم على مجالس الأقلية. فخارج مبنى الأمانة العامة، يؤكد واقعيون من قوى 14 آذار أنّ «السقف العالي» للاجتماع الأخير في البريستول لا يعني أن هذا الفريق سينتقل إلى العمل في الشارع خلال الأيام المقبلة. فيسأل أحد النواب البارزين في الفريق ذاته: «إذا كان القرار الظني لم يدفع جمهورنا للنزول إلى الشارع، فمن سيُنزِلهم»؟ خصوصاً في ظل غياب الرئيس سعد الحريري، والأخير «لن يعود قبل حلّ مشكلاته المالية».
الزخم الذي حاولت الأقلية بثّه في جسمها النيابي والمدني، الأحد الماضي، لا تزال ترفضه عروق الكثيرين ممّن نشطوا في المشروع المستمرّ منذ 2005. ويرى عدد من الناشطين أنّ خطابات نواب المعارضة «ستنتهي بملل الناس لا بتحفيزهم». هؤلاء الناشطون لا يقتنعون بأنّ فريقهم السياسي قادر على إسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، على الأقل وفقاً للوقائع الراهنة. فقبل ست سنوات، «أسقطنا حكومة الرئيس عمر كرامي، في ظل الدخان الذي لم يكن قد انزاح بعد من فوق مسرح جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ووقفت دول العالم إلى جانبنا، وكان حزب الله كمن تلقّى صفعة للتو».

أما اليوم، فـ«الحال مختلفة، والحزب سيدافع حتى النهاية عن الواقع الذي أنتجته سياسته». يُضاف إلى ذلك أن الجمهور الذي «لم يخذلنا سابقاً، خذلناه أكثر من مرة، وخاصة بعد ما بدر من استعداد الحريري لعقد تسوية على المحكمة».
كيف سيخوض الأقليّون معركتهم لإسقاط الحكومة؟ هم أنفسهم لا يعرفون الجواب. يكتفي بعضهم بالإشارة إلى أنّ في الولايات المتحدة نموذج أوباما وليس جورج بوش، وفي الدول العربية انشغال داخلي، وفي 14 آذار ارتباك في الإدارة السياسية والمالية والإعلامية.

السابق
الاخبار: يوم الثقة الأوّل: فشل هجوم المعارضة
التالي
صور: مصرفي وتاجر سيارات يختفيان