الدورات المهنية المسرّعة… بدل عن ضائع!

"ميكانيك سيارات، شك المجوهرات، تعلّم الإنكليزية، تصميم أزياء…" وغيرها من الخيارات التي قد يلجأ إليها الشباب عبر الدورات المهنية "المسرّعة". "بعد معاناة طويلة في الدراسة، ورسوبي في امتحانات الشهادة المتوسطة، وجدت أنّ من المستحيل الحصول على أي فرصة عمل من دون خبرة أو مصلحة في اليد. لذا، لم أتردّد في اللجوء إلى أحد المراكز التي تؤمّن دورات تدريبية مهنية، بعد اعتكافي طوال عامين في المنزل". بشيء لا يخلو من الحسرة، يتندم الشاب نديم على تسربه من المدرسة ومواجهته الكثير من المصاعب المعيشية: "كيف أحلم في تأسيس عائلة من دون توافر الامكانات المادية؟ العين بصيرة واليد قصيرة. بناء عليه، آثرت التنقل بين دورات مهنية متعدّدة، منها دورة ميكانيك وأخرى برمجة الحاسوب علّني أوسع من آفاق عملي".

واقع نديم يشبه حال الكثير من الشباب والشابات الذين تراجعت حظوظ حصولهم على وظيفة يعتاشون من خلالها، ولا سيما مع تدنّي مستواهم العلمي، فيتمسكون بالدورات السريعة خشبة خلاص لهم. حيال هذا الإقبال الكثيف، بدأت المراكز المهنية والمعاهد التقنية تنمو كالفطريات، مستقطبة آلاف المتدرّبين. إلا أن هذه الظاهرة تخفي في طيّاتها الكثير من القطب المخفية، والتي قد لا ينتبه إليها المتدرّب.

دياب

"في لبنان نوعان من التدريب المهني: أولا، التعليم المهني والتقني الذي يؤدّي إلى نيل شهادات رسمية على اختلافها، بعد خضوع الطالب لامتحانات رسمية تجريها المديرية العامة للامتحانات، وتمكّنه مستقبلا من التقدم من الوظائف في القطاعين الرسمي والخاص؛ ثانيا، التدريب المهني المسرّع". هذا ما أوضحه لـ"الجمهورية" مدير التعليم المهني والتقني في لبنان أحمد دياب، مضيفا: "يعتمد النوع الثاني على التدرّب على نحو أساسي، إذ يحضر الشق النظري إنما بخجل". وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنّ التدريب المسرّع لا يؤدي إلى نيل شهادات رسمية (توازي نظيرتها الأكاديمية)، كما لا يتيح للمتدرب التقدّم من الوظائف الرسمية، والهدف منها "إكساب المواطنين مهنة أو حِرفة خلال دورة تراوح بين 3 و6 أشهر تبعا للاختصاص المنشود"، على حد تعبير دياب.

آفاق… محدودة؟

على رغم أن الآفاق التي تفتحها الدورات المسرّعة تبقى محدودة، فإنّها تحمل في حناياها الفرج للمتدرب، إذ تسمح له بالمشاركة في دورة الحياة الاقتصادية، والمساهمة في عملية الانتاج. كما أنها في الوقت نفسه "وسيلة لمحاربة البطالة والأمّيّة على حد سواء".

ولدى سؤالنا عن الجهة المخوّلة إعداد الدورات المسرّعة هذه، يجيب دياب: "للمعاهد الرسمية الحق في تنفيذها، كذلك الخاصة، شرط ان تحصل على مرسوم ترخيص باختصاصات التدريب المحدّدة". وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ التدريب المسرّع في القطاعات الرسمية أوفر وأقل كلفة. ويوضح دياب: "لو أردنا، كجهة رسمية، إجراء دورات مسرّعة، نعطي المتدرب المال بقيمة 10 آلاف ليرة بدل تنقلاته، عوضا من أن نأخذ منه، فالدولة هي من يتحمّل التكاليف على نحو أساسي".

أما بالنسبة إلى الدورات المسرّعة التي تجريها المراكز الخاصة والمعاهد التقنية، فترتفع فيها الرسوم، وقد تتخطى 500 دولار، نظرا إلى تعدد المصاريف بين رواتب المدرّبين وتأمين حاجات المتدربين.

ويولي دياب الشروط التي يجب أن تستوفيها المراكز أهمية كبيرة: "بداية، على مدير المعهد التقدّم بطلب لنيل رخصة تدريب على اختصاصات محددة. أمّا من الناحية اللوجستية، فلا بد من توافر بناء مستقلّ (قد يكون مستأجرا) على عقار محدّد، تتوافر فيه الملاعب للطلاب، ولكل غرفة مساحة معينة، على نحو يمكّن المركز من استيعاب العدد المصرَّح عنه من المتدربين".

الإقفال للمخالفين

لا ينكر دياب وجود تحديات، بالتزامن مع تنامي طلب الاستحصال على الرخص، قائلا: "ينتشر على الأراضي اللبنانية نحو 300 مركز خاص للمتدربين، تستقبل سنويا نحو 45 ألف متدرب. إلّا أننا لا نملك جهازا بشريا كاملا، وقد نعجز أحيانا عن مراقبة عملية التدريب التي تقوم بها المراكز. لذا، نتخوّف من ان تعمد إلى تخريج طلاب دون مستوى الكفاية المطلوب، أو ربما لم تصلهم المعلومات الكافية والوافية على أكمل وجه". ويضيف: "للأسف، بعض المراكز لا تقف عند توقيعنا الرسمي والتصديق على شهاداتها، ولا شك في أنها بذلك تخالف القانون".

في هذا السياق، يؤكّد دياب تلقيه الكثير من الشكاوى من متدرّبين نالوا شهادات غير مصدّقة رسميا، "بعد كل اعتراض نعمد إلى التقصّي ومراجعة ملف المركز، وغالبا ما نكتشف أنه مخالف، فلا نتردّد في إقفاله"، مشيرا إلى إقفال نحو 3 مراكز لا تستوفي الشروط القانونية سنويا.

في محاولة لضبط هذه الظاهرة، يكشف دياب خطة مزدوجة، موضحا "اننا نسعى إلى تأمين التدريب المهني المسرّع في المدارس الرسمية لتخفيف أكبر قدر ممكن من الاعباء عن المتدربين". ويتابع: "كما اننا نصبو إلى رفع عدد المراقبين المهنيين بغية تأمين المراقبة الشاملة والفعّالة على مختلف المراكز ومعاهد الدورات المهنية المسرّعة".

نظرا إلى الحلحلة التي يمكن ان تحملها الدورات المهنية المسرّعة إلى شباب اليوم، ولا سيما المتسربين منهم، لا شك في ان الدورات المهنية المسرّعة سيف ذو حدين: فمن جهة، تساعد على تخفيف نسبة البطالة والأمّية، ولا سيما في صفوف المتسربين، إلا انها قد تتحول إلى تجارة بين المراكز التي قد لا تتردّد في استغلال توق المتدربين لتحقيق أرباحها. فهل من يراقب؟

السابق
صور تستعدّ لافتتاح طريق كوريا
التالي
مضمون تقرير تسريب “الاجتماع”