ملاكمة مدروسة

عندما تتحول قاعة مجلس النواب اليوم الى حلبة ملاكمة مفتوحة بين المشترعين اللبنانيين لمدة ثلاثة أيام أو أكثر، يكون القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قد صار قفازاً ناعماً لا يمكن أن يؤدي إلى سقوط أحد الملاكمين بالضربة القاضية.. لكنه يمكن ان يسبب كدمات وخدوشا في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

المعركة البرلمانية الجديدة، كما كل المعارك السابقة التي دارت تحت قبة ساحة النجمة، ستكون استعراضية، تفتقر الى الخطباء اللامعين الذين سبق أن أنجبهم البرلمان اللبناني، والذين يمكن أن يزلزلوا القاعة بأصواتهم المدوية ولغتهم البليغة وتعابير وجوههم المخيفة.. لكنها ستكون أكثر جدية وحساسية من أن تترك الخطب والكلمات والتدخلات للصدفة، التي يمكن، عند أدنى خطأ، أن تشعل الشارع ومن فيه.

الرأي العام اللبناني يتعامل مع جلسات البرلمان التي تفتتح اليوم مثلما يتعامل مع بطولات كرة القدم أو السلة التي تدور منذ سنوات على حافة الحرب الأهلية، وهو يميل إلى إلغائها أو منع الجمهور من حضورها، ويتمنى لو أن في الدستور نصاً يسمح بالتصويت على الثقة بالهاتف أو الإيميل، من دون الحاجة الى نقاشات لا تفيد سوى في كشف الهوة وتعميقها.. ولا تنتهي كما في كثير من برلمانات العالم إلى التضارب بالأيدي بين ممثلي الشعب.

ليست معركة على الثقة التي يعرف الجميع عدد أصوات المانحين والحاجبين والممتنعين. وهو ما يكسبها المزيد من الإثارة، لأن اللكمات المتبادلة ستكون مدروسة أكثر من أي وقت مضى، وكذا عدد النقاط التي سيخرج بها كل فريق، سواء الذين سيوجهون اللكمات القوية الى وجه الحكومة ورئيسها، من دون ان يتعمدوا إسقاطها أو إجبارها على التنحي، لأن ذلك يمكن أن يضعهم في مأزق حرج، أو الذين يحاولون صد اللكمات أو تفاديها، من دون أن يكونوا مستعدين للموت دفاعاً عن حكومة يمكن أن يكون الفراغ أفضل منها، لا سيما في المرحلة التالية لصدور القرار الاتهامي.

وهي ستكون واحدة من أغرب المعارك البرلمانية، بين فريق يعارض حكومة انقلاب عليه، لكنه يخشى أن تقع تلك الحكومة بين يديه فتعود إليه مهمة تشكيلها، ويفضل أن يظل في موقع المعارضة حتى موعد الانتخابات النيابية في ربيع العام 2013.. وبين فريق يوالي حكومة يخاف ان تصمد حتى ذلك الموعد، أو أن تسمح بتطور القرار الاتهامي وتدرجه وصولاً إلى فتح قاعة المحكمة الدولية في لاهاي في الخريف المقبل كما هو التقدير الشائع.

لكن جدية المعركة لن تقاس فقط بدرجة تجهم وجوه نواب الفريقين، وحدة خطاباتهما. لا يمكن الزعم أن اللجوء إلى البرلمان يعني الاستغناء عن الشارع، مثلما لا يؤكد أن الشارع سيكون بعيداً هذه المرة عن وقائع جلسات الثقة. هامش الخطأ موجود، بحيث يمكن لكلمة واحدة ان تكرر سيناريو حكومة الرئيس عمر كرامي، وتدخل البلد في نفق مظلم.. لا يمكن الخروج منه إلا بمعجزة.

السابق
اللواء: المستقبل يرفض القطيعة مع الشيعة: السنيورة في الضاحية الجنوبية وقطوع الثقة ينطلق اليوم··· وبري للتعاطي مع القرار الإتهامي وضد السلاح في الداخل
التالي
الجمهورية: جلسة الثقة اليوم: أوّل غيث المواجهة بين الأكثريّة و14 آذار ميقاتي يفتح النار على المعارضة ويتلقى نارها