أين أنتم يا أهل فلسطين؟

الثورات والاحتجاجات الشعبية التي تجتاح العالم العربي مرشّحة للتمدّد صوب دول تعتقد أنظمتها الحاكمة أنها الأكثر استقراراً، وأنها توفّر لشعوبها الرخاء، متجاهلة أن المسألة لا تقف الآن عند عتبة الفقر فقط، وأن فكرة البحث عن الحرية والكرامة باتت أساساً نضالياً.

لكنّ عنصراً آخر سيظلّ جامعاً لكل هذه التحركات، حتى لو بدا على هامش المشهد الساخن، وهو المتّصل بموقع العرب ودورهم في استعادة حقوقهم المسلوبة، من النفط الذي تديره الشركات الأجنبية، وعائداته المستثمرة عنوة عند الأجنبي أيضاً، وصولاً إلى قضية فلسطين، الأرض المغتصبة، والشعب المشتّت والبقية الخاضعة لإرهاب سلطات الفصل العنصري، وخصوصاً أن الشارع العربي عموماً تثيره الحماسة الغربية لتبني الثورات؛ لأنه يعرف أن هذا الغرب إنما يهدف إلى احتواء التحولات كي لا تصيب إسرائيل بسوء.

أولى ثمار ثورتي تونس ومصر، وانهماك العالم بتداعيات ما يحصل، كانت المصالحة الفلسطينية. لا أحد لديه شكوك في شكلية الخطوة، لكن الجميع يدرك أنه ما كان بالإمكان تجاوز هذه اللحظة بعد كل الذي حصل، تماماً كما هي الحال مع مسيرات العودة التي استفادت من الضغط على الحكم في سوريا لأخذ طريق، ولو ضيّقاً، نحو الالتصاق بالأرض، ولو على شكل شهداء.

حتى تفكّ عنكم؟ ماذا لديكم في سياق المعركة المستمرة لأجل استعادة كامل الهوية الوطنية العربية لفلسطين، وليس فقط الخصوصية الثقافية لفلسطينيي الـ48 كأقلية وسط مجتمع عنصري قائم على أساس ديني؟ أين درسكم، وأين بحثكم وأين برنامجكم للمرحلة المقبلة؟

يردد بعضكم أن ما شاهدتموه من قمع للمحتجين في دول عربية أكبر بكثير من القمع الذي تتعرضون له في إسرائيل، وأن آليات عمل القضاء والأجهزة الأمنية في دولة الاحتلال أرفع شأناً وأكثر احتراماً للإنسان من أنظمة عربية، وأن قواعد واسعة في المجتمع المدني الإسرائيلي (هكذا يردّد بعضكم) يتضامنون مع الناس بأكثر من قوى نافذة في الدول العربية، وأن عين الغرب الإعلامية ستكون يقظة أكثر على ما يحصل في إسرائيل.

ومع ذلك، لا نشهد لكم حراكاً، ولا تجمّعاً، ولا تظاهرة، ولا اعتصاماً، ولا مبادرات فردية تقول بأنكم جزء من هذا الحراك العربي الكبير. بل أكثر من ذلك: لم يخرج منكم إلا قلّة قليلة جداً، لتلاقي أبناء قراكم وبلداتكم الآتين من دول الطوق صوبكم. لم نشاهد شاباً أو صبيّة أو طفلاً أو كهلاً يحاول مسح الدماء التي سقطت على السياج الحدودي مع لبنان والجولان وبلعين الموصولة بأرضكم وحقولكم المسلوبة. لم نشهد تظاهرة صغيرة تلقي الحجارة على الجنود الصهاينة الذين أطلقوا النار على إخوانكم الذين يحاولون الوصول إليكم. لم نسمع صوتاً مدوّياً من على شرفات المنازل أو داخل الأزقّة ينصر أولادكم الذين يتوارثون مفاتيح البيوت جيلاً بعد جيل…

ممّن أنتم خائفون؟ هل هناك سجن أضيق من الذي تعيشون داخله؟ هل هناك تسلّط وقهر يومي أكثر من الذي يواجهكم من لحظة الاستيقاظ إلى لحظة النوم؟ هل هناك منكم مَن يحتاج إلى حافز إضافي لمواجهة المحتل وطرده؟ هل تخافون على فتات من العطاءات أرادها العدو زينة لشجرته الكريهة والعنصرية التي تعيش وتنمو على دمائكم؟

إذا كان ثوار آخر زمن يتجاهلون يومياً قضيتكم، وإذا كان ثوار الفضائيات والشاشات والفايسبوك لا يهتمّون لأمركم ويكتفون بالرقص مع كوفية أو علم لفلسطين، فإن ذلك لا يعفي أي واحد منكم، ومن أي موقع سياسي أو فكري أو اجتماعي من ضرورة المبادرة إلى خطوة ما صارت هي المفتاح لصندوقة العجائب التي تخشاها إسرائيل كل ساعة وكل لحظة. ولا عذر لأي منكم من القيام بأي شيء، لرسم علم فلسطين على كل حدود فلسطين.

المسألة لم تعد في أحرف من اسم فلسطين، ولا في شريط واحد من ألوانه، المسألة هي اليوم إعادة الاعتبار لكل فلسطين… فأين أنتم من ذلك؟

السابق
الانباء: نزال نيابي شرس بين الحكومة والمعارضة اللبنانية اليوم وميقاتي لـ14 آذار: نعرف من سعى لتسوية على حساب دم الشهداء
التالي
النهار: مبارزة مفتوحة في المجلس بين الأكثرية والمعارضة ميقاتي يرد بعنف ويؤكد التعاون مع المحكمة