لماذا وافق فرانسين على الاتهام السرّي؟

وافق قاضي الإجراءات التمهيديّة على طلب المدّعي العام إصدار مذكرات توقيف بحقّ الأشخاص المدرجة أسماؤهم في قرار الاتهام، وطلب إلى السلطات اللبنانية تنفيذ تلك المذكرات. وعملاً بقرار قاضي الإجراءات التمهيدية، يبقى مضمون قرار التصديق وقرار الاتهام سرياً ولا يُعلَن عنه إلا بقرار منه» كما ورد أمس في بيان صحافي للمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبالتالي لم تحدّد المحكمة الدولية رسمياً أسماء الأشخاص المتهمين، بل نُقل أن تلك الأسماء سُرّبت الى سياسيين لبنانيين ودوليين ومسؤولين في أجهزة أمنية واستخبارية وإلى بعض وسائل الإعلام.

قبل عرض الأسباب لقرار القاضي دانيال فرانسين الاستجابة لطلب بلمار بإصدار القرار على نحو سرّي، لا بدّ من تشريح مضمون المادة 74 من قواعد الإجراءات والإثبات الخاصة بالمحكمة الدولية، حيث جاء فيها: «في ظروف استثنائية، وبناءً على طلب المدعي العام أو الدفاع، يجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية، وفقاً لما تقتضيه مصلحة العدالة، أن يأمر بعدم إعلان قرار الاتهام للعموم أو أي مستندات أو معلومات مرتبطة به الى أن يصدر أمر آخر بذلك».

المقصود بـ«ظروف استثنائية» هو أولاً أن القاعدة 74 لا يجوز أن تطبّق على جميع القرارات الاتهامية الصادرة عن المدعي العام والمحالة الى قاضي الإجراءات التمهيدية. ثانياً حتى تُعتبر الظروف استثنائية يفترض أن تتعلّق بعقبات تعترض حسن سير الإجراءات، وأبرزها عقبات أمنية و/أو سياسية. فقد يؤدي الإعلان عن قرار الاتهام أو عن أجزاء منه، بنظر القضاة الذين وضعوا نصوص قواعد الإجراءات والإثبات ووافقوا على تبنّيها، الى عدم القبض على المتهمين بسبب هروبهم أو بسبب إشعال فتنة أو أزمة تمنع استمرار عمل الآليات القضائية بالشكل المناسب.

أما المقصود من «بناءً على طلب المدعي العام أو الدفاع» فهو الإشارة الى أنه، إضافة الى المدعي العام، يطّلع مكتب الدفاع التابع للمحكمة على قرار الاتهام قبل اتخاذ القرار بإعلانه أو عدمه. وبالتالي لا حاجة الى إجراء خاص يقتضي إعلان القرار أو أجزاء منه الى الدفاع بعد صدوره بموجب المادة 74.

«أن يأمر بعدم إعلان قرار الاتهام للعموم» يعني أن قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية البلجيكي دانيال فرانسين يفترض أن يتمتّع بصلاحية توجيه الأوامر للمدعي العام لدى محكمة التمييز اللبنانية القاضي سعيد ميرزا.
والمقصود بـ«مستندات ومعلومات مرتبطة به» هو مذكرات التوقيف ودعوات الحضور. وبالتالي يفترض أن تبقى تلك المذكرات سرية، بينما نشرت وسائل الإعلام ما قالت إنه تسريب لأسماء المتهمين الأربعة الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف.

وتختم الفقرة الأولى من المادة 74 بـ«الى أن يصدر أمر آخر» من دون تحديد طبيعة الظروف التي قد تدفع القاضي الى إصدار أمر آخر ومن دون تحديد مهلة زمنية.
وتتابع المادة 74: «يجوز للمدعي العام الإعلان عن قرار الاتهام أو عن جزء منه لسلطات دولة معينة إذا رأى في ذلك ضرورة لغرض التحقيق أو الملاحقة».

«يجوز للمدعي العام»، يعني أنه غير ملزم بطلب الإذن من القاضي لإعلام سلطات دولة معينة بالقرار، وهو ليس ملزماً كذلك بتبرير تلك الخطوة. ولا شيء في قواعد الإجراءات والإثبات يمنع أن تكون إسرائيل أو أي دولة معادية للبنان هي تلك «الدولة المعينة». أما «غرض التحقيق أو الملاحقة» فقد يشمل جمع معلومات استخبارية عن المتهمين. وهنا لا بدّ من الإشارة الى أنه إذا ثبتت صحّة توجيه الاتهام وإصدار مذكرات توقيف بحقّ عناصر من حزب الله، يُرجّح أن يُعلم بلمار السلطات الإسرائيلية بمذكرات التوقيف بهدف طلب المعلومات المتوافرة لدى الاستخبارات الإسرائيلية عن المتهمين.
إن «الظروف الاستثنائية» التي دفعت المدعي العام الى طلب الاستعانة بالمادة 74 قد ارتكزت على ثلاثة عناصر محتملة:

1- إن التسريبات السابقة للتحقيقات عبر وسائل الإعلام (ومنها دير شبيغل) قد تكون مطابقة لمضمون الاتهام ويفقد ذلك صدقية الاتهام، إذ إن مرتكبي الجريمة كانوا على علم بمجريات التحقيق وبالاتهام قبل صدوره.
2- استدرك المدعي العام أنه في ظلّ غياب ثقافة العدالة في لبنان، يعدّ الاتهام السري اتهاماً بسبب عدم وجود نصّ رسمي معلن يعبّر عنه، بينما علنيته تصبح إدانة وخصوصاً بفضل وصف «الوقائع» التي يتضمّنها القرار بموجب قواعد الإجراءات والإثبات.

3- إن سرية الاتهام تأتي بسبب استجابة المدعي العام لضغوط سياسية دولية. فبلمار يجتمع دورياً بمسؤولين سياسيين أميركيين كما تبين وثائق ويكيليكس. وقد يكون الهدف من الاتهام السري فتح باب التجاذبات السياسية وتوتير الأجواء الداخلية للضغط على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عبر السعي الى تكريس التعميم الأميركي بأن حزب الله تنظيم إرهابي وأن بعض المرتبطين به هم مجرمون فارّّون من العدالة، وذلك ليس عن لسان المحكمة بل بواسطة مناصريها اللبنانيين وأجهزتهم الإعلامية والاجتماعية والسياسية.

هكذا تُنفّذ استراتيجية ضرب المقاومة التي يبدو أن القيّمين عليها وضعوها منذ شباط 2005 أو قبل ذلك.

السابق
نقولا: لن نسمح باستباحة السيادة لإرضاء 14 آذار والمجتمع الدولي
التالي
المعارضة تشحن القرار الإتهامي للهجوم على الحكومة