حسومات الصيف قبل موعدها… بسبب الثورات!

بدأ موسم التنزيلات باكراً هذا الصيف. أرقام الحسومات على الواجهات الزجاجية لا يمكن إلا أن تغري المارّين، فيما يبقى البعض عاجزاً عن الشراء حتى في فترة كهذه. ربما هي ثورات العالم العربي التي زادت تدفق السلع إلى لبنان، ودفعت بالتجار إلى بدء الحسومات لتصفيتها. أو هي الحاجة إلى بيع القديم قبل عيد الفطر، حين يضطر الناس إلى الشراء حتى من دون حسم سولد، راسبروداجا، رِيا، سالج، سيزونزكو… عبارات رُصّت على ملصق أحمر كبير، وعلّقت على الواجهة الزجاجية لأحد محال الألبسة في شارع الحمرا. أراد هذا المحلّ أن يعلن بدء موسم الحسومات لفصل الصيف بجميع اللغات. محل آخر رسم على واجهته وجهاً سعيداً. هذا ببساطة مفعول التسوّق، وإن اجتاحك الندم في بعض الأحيان لدى رؤيتك الفاتورة. بدا مالك غاضباً وهو يراقب الفتيات يدخلن إلى أحد المحال في فردان ويخرجن منه محمّلات بالأكياس، فيما هو يقوم يركن سياراتهن! يقول بحنق: «سيذهبن إلى جهنم».حتى في موسم التنزيلات يعجز مالك عن التسوّق. يكتفي بالنظر إلى الواجهات المغرية، حيث أرقام الحسومات تغريك للدخول. يراقب الناس، الداخلين والخارجين منهم، والأكياس تلوح يميناً وشمالاً بين أيديهم. لكن إذا كان مالك عاجزاً عن مواكبة هذه الفترة، فهذا لا ينطبق على غيره بالضرورة. هذه فرصة. وليس مستغرباً أن يلهث الناس للاستفادة من الحسومات قبل أن يفوت الأوان، حين يكون «الأذكى» منهم قد سبقوهم إلى التسوق وشراء الملابس الأجمل. ففي نهاية التنزيلات، يجمع الناس على أن ما يبقى هو «زبالة الثياب».
اللافت أن موسم التنزيلات بدأ باكراً هذا الصيف. بعض المحال يعزو السبب إلى عدم اقبال الناس على الشراء في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. في المقابل، يشرح نادر، وهو بائع في أحد محال الألبسة، أن حلول شهر رمضان في آب المقبل كانت له الكلمة الأخيرة في تحديد موعد بدء الحسومات، موضحاً أن السياسة التسويقية تقوم على عدم بدء التنزيلات في الفترات التي يقبل فيها الناس على الشراء، أي الأعياد. لذا، ارتأت غالبية المحال تصفية بضاعتها في هذا الوقت، الذي يعدّ ميتاً، لتستفيد من اضطرار الناس إلى الشراء قبل العيد.
عبد الله سلامة، تاجر جملة يجلب بضاعته من الصين وتركيا، له رأي آخر. يقول إنه ذهب إلى الصين في آذار الماضي، وقد اعتاد رفض التجار الصينيين لطلبه شراء كمية محدودة من منتج معين. لكن مشواره الأخير كان مختلفاً. يوضح أنهم «كانوا في حاجة إلى تصريف بضاعتهم بعدما توقف الطلب في دول العالم العربي الغارقة في ثوراتها وأزماتها، من تونس ومصر إلى ليبيا وسوريا». سبب كاف برأيه للجوء المحال الكبيرة إلى بدء حسوماتها باكراً بهدف تصريف بضاعتها، علماً بأن بعض المحال اعتاد بدء تنزيلاته في شهر حزيران.
هل تحمّس التنزيلات الناس على التسوّق؟ الجواب يبدو بديهياً، لا يحتاج إلا إلى مشاهدة أعداد الناس الخارجين من محال الألبسة والأحذية وغيرها، محملين بالأكياس. هي فرصتهم لشراء ما يريدون بسعر أقل. بعض الناس يفضلون عدم شراء حاجياتهم إلا خلال موسم الحسومات. اعتاد رامي انتظار التنزيلات، لكنه هذه المرة اضطر إلى التسوق باكراً. بعد نحو أسبوعين، علقت لافتة على المحل الذي ابتاع منه ثيابه: حسم 50 في المئة. احتوى غضبه ضاحكاً. «أَكَلَ الضرب». ما واساه أنه لم يبق خلال التنزيلات إلا المقاسات الكبيرة فقط.
لين أيضاً لا تشتري إلا خلال التنزيلات، وخصوصاً لأطفالها. اعتادت أن تبتاع حاجياتهم قبل عام. هكذا، تشتري كمية أكبر ونوعية جيدة بسعر مقبول. لا تبدو شديدة الاكتراث باللحاق بالموضة. فالأساس لديها هو «توفير المال» وشراء النوعيات الجيدة. التنزيلات تريح الناس بعض الشيء إذاً، رغم أن الكثيرين يفضلون عدم الانتظار كي لا تختفي «البضاعة الجيدة». كما أنهم يرغبون في ارتدائها في أول الصيف لا في آخره.
لا شكّ في أن الحسابات تختلف بين الناس انطلاقاً من أوضاعهم الاقتصادية، علماً بأن البعض من ذوي المداخيل المقبولة، يرفضون منح التاجر فرصة الضحك عليهم. يدركون أن التجار الكبار يربحون في السلعة بنسبة خمسمئة في المئة. آخرون يلجأون إلى محال الـ«آوتلت» (outlet stores)، التي تتيح للزبون شراء «الماركات» بأسعار أقل. العائق الوحيد لدى الكثيرين أن «البضاعة ستوك».
هي الشوفينية اللبنانية اذاً. هكذا يصفها عبد الله. شقيقه، وهو تاجر ثياب بالجملة أيضاً، اشترى لخطيبته معطفاً من محل ذي علامة تجارية عالمية. بدا مرتاحاً لأن سعره الأصلي كان خمسمئة ألف ليرة لبنانية، فيما اشتراه بمئة وثمانين ألفاً. لكن عبد الله صرخ في وجهه قائلاً إن «تكلفته لا تزيد على ثلاثين ألفاً»!
للعلامة التجارية العامل الأبرز في قياس جاذبية الزبون، علماً بأن بعض الثياب التي يجلبها عبد الله من الصين تضاهي بنوعيتها تلك «الماركات» العالمية. هذه المحال لا تشكو من ضعف إقبال الناس على الشراء. في المقابل، تبدو الوطنية منها أكثر تضرّراً، وخصوصاً مع انخفاض عدد السيّاح السوريين بنسبة 60 في المئة، بحسب عبد الله، ما يعني أن الناس من ذوي الدخل المحدود لم يستفيدوا من التنزيلات.
للموظفين في محال الألبسة والأحذية قصة أخرى. خلال التنزيلات، يتحوّلون إلى ما يشبه الآلة، بين تلبية طلبات زبائنهم وترتيب الملابس في بعض الشركات، الموظف ليس حرّاً في اختيار توقيت الاستفادة من إجازته السنوية، إذ تفرض عليه الشركة أن يأخذ إجازته في أيام التنزيلات. السبب أن الموظف يحصل على نسبة شهرية من الأرباح عدا راتبه الأساسي، تزداد كثيراً في فترة التنزيلات. وهذا بالطبع ليس من مصلحة أصحاب الشركات.
أحد المحال ربح في يوم واحد نحو مئة وخمسين مليون ليرة لبنانية، علماً بأن ربحه في الأيام العادية أو «الميتة»، ما عدا الأعياد، لا يتجاوز الأربعين مليوناً!

السابق
سورية تنتفض.. ضدّ المؤامرة
التالي
جامعات لكلّ الفصول