اليوغا..تجارب للتوجه نحو دروب روحيّة بديلة

الجميع يبحث عن جانبه الروحي. الدروب متعددة ومختلفة. شريحة واسعة من الشباب اللبناني، اتّجهت نحو ممارسة اليوغا والتأمل (meditation)، تلك الدروب المنبثقة من المدارس الروحيّة في الشرق.
تختلف التجارب بين شخص وآخر على عدة أصعدة. ولكنها تتقارب في نواح مختلفة، خصوصاً بما تضيفه هذه الممارسات إلى حياة ممارسيها.

تعرّف هؤلاء على هذه الدروب عبر طرق مختلفة. وقد تكون حاسة "البحث عن المعرفة" هي التي قادت أغلبهم إليها، ومنهم ميسان (30 سنة)، الحاصلة على الماجستير في الدراسات البيئية من الجامعة الأميركية في بيروت. تعرّفت أثناء مراهقتها على اليوغا، "كان لديّ فضول دائم لمعرفة المزيد عنها"، تقول ميسان. ولاحقاً، تعرّفت أكثر على الفكرة من خلال أحد أصدقاء العائلة، ولكنّها لم تمارسها حتى أصبحت طالبة جامعيّة.

أما منير، (اسم مستعار، 25 سنة)، الذي يعمل في مجال الإعلام والكتابة، فهو عَلِم بالتأمل "عن طريق اهتمامي بالمدارس الروحية القديمة التي أعطت للإنسان أدوات عمليّة ليستند عليها في حياته، ولم تقتصر على الوعظ أو الإرشاد"، يقول. بينما كارين حسينوفيتش (23 سنة)، التي تعمل في معالجة النطق لدى الأطفال، تعرّفت على اليوغا من خلال إحدى صديقاتها في صالة الألعاب البدنية.

مارست ميسان اليوغا بين عامي 2002 و2003، ولكنّها توقفت عن ممارستها لعدة سنوات، لتعود في تشرين الثاني 2008 إلى ممارستها بانتظام، بمعدّل 3 إلى 4 مرّات أسبوعياً. وقد اختبرت عدّة مدرّبين، وتوصلت إلى خلاصة أنّه "من الضروري أن تجد مدرباً تتفاهم معه"، توضح.

أما منير، فقد بدأ ممارسة التأمل منذ ثلاث سنوات بشكل متقطّع، وقد اختبر عدّة مقاربات ومدارس مختلفة، وهو منذ حوالى سنة يُمارس التأمل بشكل يومي، وفي فترات مختلفة من العام يستمرّ تأمّله عدّة أيام. منير لم يقف عند هذا الحد، فقد بدأ بإعطاء دروس خاصة في التأمل لمن يريد ذلك في دوائره القريبة. بينما كارين التي تُمارس اليوغا منذ سنتين تقريباً، فهي تعلّمتها على يد مدرّب متخصص، ولا تُمارسها بوتيرة عالية، إذ تقتصر ممارستها على ساعتين في الأسبوع.

تناغم الجسد والروح

وعن اختيار هذه الوسائل، تتقارب وجهات نظرهم. تتكرّر مفردات محددة لديهم، تقود جميعها إلى جوهر واحد، وهو: التناسق بين الجسد والفكر والروح.
بالنسبة لميسان، اليوغا هي "طريقة رائعة للاسترخاء، زيادة القوة والليونة، وتحسين وضعيات الجسم، وتهدئة الفكر". ومن خلالها "أرى أن ما كان يسبب لي الإزعاج هو شيء سخيف". وتوضح أنّ اليوغا "ليست مجموعة تمارين، إنها نمط حياة. وعلى الأقل يمكن أن أقول إنها وقت أمنحه لنفسي وأمنح الفكر فرصة الهدوء".

وفي الوقت ذاته، لا تعتبر أن هذا الدرب اكسبها "قيماً جديدة"، وإن كانت تعترف بأنّها أضافت الكثير على حياتها فهي "زادت فضولي للمعرفة وجعلتني أكثر روحانيّة، وساعدتني على اكتشاف ذاتي الحقيقية، وأن أرى العالم بشكل مختلف".
تشترك معها في هذا الرأي كارين التي تعتبر أنّ اليوغا غيّرت الكثير من حياتها، وساعدتها أكثر على الشعور بالسلام الداخلي. "فقد أصبحت أكثر هدوءاً، سكوناً وصفاء من قبل"، تختصر كارين.

من جهّة أخرى، يعتبر منير أن "أسلوب الحياة السريع والمتوتّر الذي نعيشه يجعلنا نفقد الصلة مع أنفسنا ومع الحقيقة الأسمى التي تصلنا بالآخرين وبالعالم حولنا". ويؤمن بأن "التأمّل ممارسة تتيح لنا أن نعود نحن أسياد أنفسنا فنتغلّب على القلق والهواجس فلا تحكمنا وتفسد أيّامنا، ويمكننا مع الوقت أن نتخلّص من كل هذه السلاسل التي تأسر عقولنا وتؤرقها، وأن نعيش وندرك حقيقتنا الأسمى الجميلة المتواجدة هنا والآن في كلّ لحظة".
يُقارن منير بين الأديان السماوية التقليدية وبين المعتقدات القديمة، "إذ تعظ الأولى حول ضرورة معاملة الآخرين معاملة جيّدة، لكنّها لا تقدّم أداة عمليّة لتحقيق ذلك؛ في المقابل تمنحنا الثانية التأمّل الذي يمكّننا من العمل بهدوء مع أنفسنا لتغيير الصفات أو العادات أو ردّات الفعل التي لا نريدها".
أما ما أضافه التأمل إلى حياته فهو "الشعور بالانسياب في الحياة "Go with the flow" وتقبّل الأمور كما هي. "بالنسبة لي اليوم الحياة هي الحياة، الألم جزء منها كما هو الفرح، والتأمّل يعلّمنا أن نوفّر على أنفسنا العناء الذهني والنفسي ونتعامل مع كلّ شيء فيها كجزء أساسي وطبيعي من وجودنا هنا".

الممارسات البديلة والأديان

إذا كانت تجارب هؤلاء الشباب تلتقي في جانبها الروحي، فهي ليست بالضرورة أن تتّفق في الجوانب الأخرى. ميسان الآتية من بيئة غير متديّنة، تعتبر ذاتها "غير تابعة لأية ديانة، وغير متديّنة بل روحانيّة". ولكنّها تضيف "لو كنت أمارس تقاليد دينية ما فلا أعتقد أن تعارضاً كان سيطرأ. ولربما اعتمد الأمر على مقاربتك للموضوع ومدى انغماسك فيه. المهم أن نتذكر أن اليوغا هي فلسفة ونمط حياة وليست ديانة".
تختلف المقاربة بالنسبة لمنير الذي لم يعد يؤمن بالدين الذي ولد عليه منذ فترة طويلة، وذهب بعيداً في دراسته للمدارس الروحيّة، إذ يعتبر نفسه اليوم أقرب إلى "إلى البوذية والأديان الوثنية القديمة. اعتقد أنّي مشرك بكل معنى الكلمة"، يقولها ضاحكاً.

بالنسبة إليه "التأمّل يتعارض بشكل مباشر مع الأديان السماوية بشكل خاص، لأنه يرتكز في العمق على أن الإنسان فيه بذرة ألوهية وعلى أن المقدّس والحقيقة المطلقة تعيش داخلنا أيضاً وليست مجرّد إله بعيد منفصل عن العالم حيث لا يمكن الاتصال به (وفقاً لهذه الأديان) إلا بالصلاة"، مشيراً إلى أنّ "الهدف الأخير للتأمّل ليس الخلاص واكتساب رأفة الإله كما في الأديان السماوية، بل هو الانتقال إلى حالة أسمى من الوعي، وهي تعني بمراحلها الأعلى التحوّل إلى "إله حيّ" بمعنى أو بآخر، وهذه "هرطقة" بالنسبة للأديان السماوية مهما حاولنا اللعب على الكلمات". ويوضح بأنّ "بعض الممارسات الشائعة اليوم للتأمّل التي تركّز على الاسترخاء وتنظيم التنفّس فقط، لا تتعارض مع هذه الأديان، لكنها تقنيّات استرخاء أكثر مما هي تأمّل بالمعنى الروحي للكلمة".

بين السخرية والاحترام

يسخر بعض الناس من ممارسي اليوغا والتأمل. هذا ما جرى مع ميسان وكارين اللتين تعرّضتا للسخرية من بعض الأصدقاء. ولكنّهما تشيران إلى أنّ عائلتيهما وأصدقاء آخرين أكثر تقبّلاً ودعماً لهما. وقد عملت ميسان على مساعدة أصدقائها حيث أصبح "معظم أصدقائي يمارسون اليوغا بشكل منتظم، أو على الأقل فقد جربوها مرة أو يريدون تجريب ممارستها". وتعلّق بأنّ الناس مع الوقت توقفت عن النظر لممارسي هذه الدروب على أنّهم "غريبو الأطوار".

أما منير فلم يواجه ردّات فعل سلبيّة من أي كان حتى الآن، وذلك "لأني احتفظ بآرائي في المسائل الروحية لنفسي لأن مجتمعنا لم يتعلّم بعد أن يحترم معتقدات الجميع".
هكذا، يرسم هؤلاء، على طريقتهم، دروبهم الروحيّة البديلة والمختلفة، وعلى إيقاع التناغم والسلام الداخليين، يتصالحون مع ذاتهم، ومحيطهم.

اليوغا: علاج مساعد

يشرح الدكتور هشام نصر ( طبيب صحة عامة)، ومُمارس لليوغا منذ 15 سنة، والمدرّب عليها منذ سنتين، الاختلاف ما بين جوهر اليوغا وكيفيّة تسويقها في الغرب، فهي في الأساس "فكر فلسفي ومنهج حياتي يوصل الإنسان إلى مرحلة أسمى"، ولكن في الغرب "للأسف، يغلب على المدارس التي تعلّم اليوغا الطابع التجاري. تحوّلت اليوغا إلى تجارة وموضة ومن هناك وصلتنا على غير ما هي في الحقيقة".

وكونه طبيباً، فهو يستخدم تقنيّات اليوغا كعلاجات بديلة وتكامليّة في معالجة العديد من الأمراض التي لا يمكن علاجها كيميائيّاً. "مرضى الربو، على سبيل المثال، يُناسبهم ممارسة اليوغا لعلاج مرضهم، خصوصاً أنّ اليوغا تركّز على التنفس. 6 أشهر من ممارسة اليوغا كافية ليشعر مريض الربو بتحسن كبير"، يقول.

بدأ هشام، منذ الصيف الماضي، بإعطاء حصص مجانيّة لتعليم اليوغا، يقيمها في الحدائق العامة في بيروت، "لمن لا تساعده أوضاعه الماديّة على الذهاب إلى المراكز التعليمية، كما أنّ هذا يشجع الناس على الإقدام على اختبارها أكثر".
ويُشير إلى أنّ اليوغا ليس هدفها عزل الناس في كهوف، "كما يحلو للبعض تصوّرها، بل هي رياضة روحية وجسدية تهدف لجعل الإنسان أكثر حيويّة تجاه كل ما يحيط به"، مشجعاً الذين لا يمارسونها على ممارستها.

السابق
ملكة جمال لبنان رهف العبد الله تغش
التالي
النقابة تحذّر الأطباء من الظهور الدعائي