ابتزاز شاكيرا

ليس من النادر أن تجتمع في امرأة واحدة مؤخرة جميلة وحنجرة آخاذة ورأس صغير. لكن شاكيرا كانت استثناء. لا لأنها كانت تبرع في استخدام وركيها «اللذين لا يكذبان أبداً»، وتغرد بصوتها الجذاب أجمل الاغنيات.. بل لانها كانت توحي دائماً بأنها تحمل فوق كتفيها رأساً أكبر من رؤوس زميلاتها من المغنيات اللواتي يغوين العالم كله طرباً ورقصاً.

لم يكن حلول شاكيرا في اسرائيل ضيفة على رئيسها شمعون بيريز، سقوطاً لبنانياً او عربياً جديداً عند اقدام المغتصب. فالمغنية الكولومبية، اللبنانية الجذور، لم تزعم يوماً أنها تحمل هذه الهوية. قالت في المغرب قبل اسابيع انها نشأت على سماع اغنيات فيروز وام كلثوم، التي يعشقها والدها، لكنها لا تتقن العربية ولا تعرف منها سوى كلمات قليلة، بينها «اعطني بوسة»، حسبما ردّدت على مسامع الصحافيين المغاربة الذين تسمّروا يومها في مقاعدهم ولم يتقدم أحد منهم لاختبار عروبة شاكيرا.

لم تخرق شاكيرا شروط التطبيع او قوانين المقاطعة العربية لإسرائيل، لكنها فقط مزقت صورة باهرة رسمتها لنفسها، عن فنانة مبدعة في إغواءات الصوت الساحر وإغراءات الجسد المثير، التي استمدّتها من تراث عربي لا لبس فيه، رفع الرقص الشرقي وحركاته وإيقاعاته الى مراتب عالمية لم يسبق لأي راقصة عربية أن بلغتها.. وكانت اشبه بسفيرة متطوعة لنشر تلك القيمة الفنية التي يحتاج العرب جميعاً الى حفظها وحمايتها من تحديات الظلام والفراغ والفوضى.

حتى الأمس القريب، كان الانطباع والنبأ عن شاكيرا انها ما إن تغادر المسرح الذي تمتلكه بصوتها وجسدها، وترفع جمهورها الى السماء، حتى تعود الى نفسها لتجد فنانة مثقفة، ملتزمة، تخالط الأدباء والشعراء، لا سيما اليساريين منهم في اميركا اللاتينية، واولهم الكاتب البارز غابرييل غارسيا ماركيز الذي قال فيها ما لم يقله أديب مثله في مغنية وامرأة من قبل.. والذي شارك في انشاء مؤسستها الخيرية الشهيرة «الأقدام الحافية»، التي استحقت من اجلها لقب سفيرة النوايا الحسنة من قبل الامم المتحدة، وجابت بقاع الارض لتوزع المساعدات على الاطفال الفقراء من مختلف الامم والشعوب، حتى وصلت العام الماضي الى جنوب افريقيا، فرقصت معها الملايين على اغنية كأس العالم في كرة القدم، «واكا واكا».

في زيارتها وحفلتها الأخيرة في بيروت الشهر الماضي، تصرفت شاكيرا كغريبة عن مسقط رأس والدها، الذي سبق ان زارته قبل سنوات وأثارت لغطاً حول ميراثها المعنوي والمادي، وخلفت إحباطاً لدى جمهور مدمن على انتزاع وثيقة انتماء وهمية من كبار العالم، او البحث في الانساب والسلالات المتحدرة من البلد الصغير. لكنها رحلت يومها على عجل من دون ان تحكي شيئاً، ومن دون حتى أن تقف امام الصحافة اللبنانية كما وقفت امام الزملاء المغاربة.

في القدس المحتلة خانت شاكيرا فنها. لبت الدعوة الرئاسية كضيفة على مؤتمر سياسي، لم تكن مدعوّة لكي تغني بصوت لبناني وترقص بحركات شرقية وتغرد بكلمات اسبانية. ألمحت إلى أنها جاءت لتنفي عن نفسها الاتهام بأن لها موقفاً سلبياً من الاسرائيليين واليهود. لكن النفي كان بمثابة خضوع للابتزاز من اسرائيل التي حققت مرادها في احتواء تلك الموهبة، وفصل الحنجرة عن المؤخرة عن الرأس.. عن التاريخ.

السابق
مجدليون: لقاء حول تفشي المخدرات
التالي
سـجنٌ محتشـم.. منعـاً للعنـف!