ريفي في عهد ميقاتي: حان وقت الوصاية

كسر اللواء أشرف ريفي الرقم القياسي في مدة حكمه للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. وبعد ست سنوات من اللعب منفرداً، صارت مرجعيته السياسية خارج الحكم، ليشعر ريفي للمرة الأولى بطعم سلطة الوصاية. فريق الأكثرية الجديدة منقسم بين راغب في استبدال ريفي، وساعٍ إلى «تطفيشه» من المديرية

سياسيّاً، لا يشبه أشرف ريفي سلطة ما بعد خروج الرئيس سعد الحريري من السرايا الحكومية، ولا السلطة الجديدة تشبهه. «نتاج حكم 14 آذار» (كما وصف ريفي نفسه) يعيش حالة غربة حقيقية. ينتابه ذلك الشعور رغم الصلة المتينة التي تربطه بكل من الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الداخلية مروان شربل. فريفي، الذي كسر حتى اليوم الرقم القياسي في البقاء مديراً عاماً للأمن الداخلي (6 سنوات وشهران)، كان معظم وقته يعيش كالإمبراطور في المديرية. ورغم المعارضة الشرسة التي واجهه بها خصومه في مجلس قيادة الأمن الداخلي، بقي ريفي صاحب اليد العليا. وفي الجزء الأكبر من ولايته، لم تكن السلطة السياسية وصيّة عليه. فالخيمة الزرقاء التي نشرها الرئيس سعد الحريري فوقه، منحته «توقيعاً على بياض» من وزيري الداخلية في حكومتي الرئيسين نجيب ميقاتي الأولى وفؤاد السنيورة الأولى أيضاً. فبين ريفي والوزيرين (الأصيل حسن السبع والوكيل أحمد فتفت) وحدة حال سياسية مَحَت الفارق بين السلطة وذراعها التنفيذية. وأبعَد من ذلك، يُعرَف في أوساط الرئيس سعد الحريري أنه يثق بـ«مُستشارَيه» اللواء أشرف ريفي والعقيد وسام الحسن إلى حدّ باتت كلمتهما لديه أرفع شأناً من كلام معظم مستشاريه الآخرين، وخاصة عندما يتعلق الأمر بسبل التعامل مع القضايا الأمنية والقضايا السياسية والإدارية ذات الطابع الأمني.
وفي عهد وزير الداخلية السابق زياد بارود، استمرت خيمة الحريري تظلل رأس ريفي، ما عطّل إلى حدّ كبير قدرة الوزير على التصرف في المديرية الخاضعة لسلطته.

منذ أسبوع، تبدلت أحواله. فخلال الأشهر الخمسة الماضية، لم يكن ريفي، كغيره من مسؤولي قوى 14 آذار وقادته، مقتنعاً بأن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ستبصر النور. فوجئ بالحكومة الوليدة. وللمرة الأولى منذ وصوله إلى قيادة مؤسسة الشرطة، لن يمنحه وزير الداخلية توقيعاً على بياض، ولا هو محكوم بسقف التوافق الذي شلّ قدرة بارود على العمل.

ومنذ تلك اللحظة، عاد الضجيج إلى أروقة المديرية. وبعض من نسوا خلال الأشهر الماضية رقم هاتف الرائد نبيل الخنكرلي (مرافق ميقاتي)، عادوا لينبشوه. فمعظم من تلتقيهم من الضبّاط والأفراد يعبّرون عن اقتناعهم بأن التغيير على مستوى رأس المديرية آت لا محالة. ولا يقتصر هذا الاقتناع على الضباط المؤيدين لقوى 8 آذار، بل يتعداهم إلى زملائهم الموالين لقوى 14 آذار. وبعض هؤلاء بدأ منذ اليوم يحسب خطواته جيداً، محاولاً تحديد الخلف المحتمل لريفي في المديرية، بحثاً عن سبل الوصول إليه للتعبير أمامه عن «الولاء الدائم للمؤسسة، لا للأشخاص».

ريفي لا يبدد هذا الاقتناع. منذ أن تراخت قبضة قوى 14 آذار الاحتكارية عن السلطة التنفيذية عام 2008، صار «اللواء الواقعي» يردّد مقولته الشهيرة: «أتيت من ضمن خط سياسي، وإذا خرج من السلطة، فسأؤدي التحية وأرحل». لكن ريفي ليس في وارد تأدية التحية اليوم، ولا هو يتصرف كمن سيبقى إلى حين إحالته على التقاعد في نيسان 2013. فالرجل يقف على مفترق طرق. لا تزال كلمات الرئيس نجيب ميقاتي طرية في ذاكرته. قال له ميقاتي بعد تكليفه تأليف الحكومة: أنا وقّعت مرسوم تعيينك عام 2005، وأنا أريد بقاءك في موقعك». ورغم ذلك، فإن المدير العام لا يرى أن فريق الأكثرية الجديدة سيتركه في حاله.

وفي هذا الفريق، ثمة وجهة نظر واسعة الانتشار تقول إن طبيعة الحكم في لبنان توجب التغيير على مستوى المواقع الإدارية ذات الهوية السياسية. يقول أصحاب وجهة النظر تلك إن أي حكم جديد في لبنان يأتي برجاله إلى الإدارة. وليس ثمة ما يبرر بقاء رجال الحريري في السلطة، وخاصة منهم أولئك الذين يجاهرون بمناصرتهم لقوى 14 آذار، ويتصرفون وفقاً لذلك. وبين أركان قوى الأكثرية الجديدة، ثمة رأي ليس ببعيد عن الأول، إلا أنه يرى موضوع التغيير في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وغيرها من المواقع التي يحتلها رجال الحريري، من زاوية مختلفة. يقول أصحاب هذا الرأي إن «التغيير حتمي، لكننا لسنا مستعجلين. أضف إلى ذلك أننا لن ندخل الحكومة بعد الثقة حاملين مقصلة لنبدأ بقطع الرؤوس». ويترجم بعض سياسيي الأكثرية الجديدة هذا الرأي بالآتي: بين المديرين العامين المحسوبين على قوى 14 آذار من يمكن التعايش معهم، وبينهم أيضاً من سيرحل من تلقاء ذاته، ومنهم من سيُدفَع دفعاً نحو الاستقالة.

إلى أي فئة ينتمي ريفي؟ يؤكد أحد سياسيي الأكثرية البارزين أن فريقه السياسي سيستبدل ريفي بآخر، «لكن ذلك لن يحصل بين ليلة وضحاها. فلا يتصورنّ أحد أن الجلسات الأولى للحكومة ستشهد إقالة مديرين عامين أو وضعهم في التصرف، وتعيين بدلاء لهم». وماذا لو تمسك الرئيس ميقاتي بريفي؟ ألن يجعل ذلك قوى الأكثرية الجديدة تتراجع، خشية أن تتحول مسألة ريفي إلى قضية مذهبية؟ يجيب مصدر رفيع في قوى 8 آذار مؤكداً أن فريق حركة أمل وحزب الله لن يقبل «بمذهبة» القضية من خلال فتح معركة ضد الرئيس ميقاتي تكون فيها الأكثرية المطلقة من طائفته واقفة وراءه. لكن أحد سياسيي هذا الفريق يستدرك بالقول إن ميقاتي «سبق أن وعد ريفي بإبقائه في موقعه. إلا أن ما جرى في أشهر مشاورات تأليف الحكومة، جعله غير متلهف لإبقائه مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، وخاصة بعدما انزعج من أدائه، سواء في حادثة مبنى الاتصالات في العدلية أو في ما تلاها في طرابلس، حيث يجري التعامل مع ريفي كواحد من الزعماء السياسيين في المدينة. كذلك فإن ميقاتي، بحسب سياسيين من فريق الأكثرية، منزعج من طريقة تعامل ريفي مع الويزر زياد بارود، ومع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي لا يزال يرى أنّ ريفي وجّه له «ضربة» شخصية عندما رفض الامتثال إلى طلبه بتنفيذ أوامر وزير الداخلية زياد بارود.

لكنّ المقرّبين من ميقاتي يؤكدون أن ريفي باق في مركزه، وليس هناك شيء «مطروح حالياً بالنسبة إليه. فاستبداله سيُعدّ عملاً ثأرياً، والرئيس ليس في هذا الوارد». إلا أن المصادر ذاتها تستدرك قائلة إن ثمة «أوراقاً في جعبة ميقاتي لن يكشفها إلا في الوقت المناسب».
وفيما يُحكى على نطاق ضيق داخل فريق 8 آذار أن ريفي مستعد لتسوية تحفظ رأسه مقابل تخليه عن رئاسة العقيد وسام الحسن لفرع المعلومات، ينفي ريفي هذا الطرح قطعاً: «أنا ووسام في المؤسسة أو خارجها. ولن أقبل بأن أعود مديراً عاماً لمؤسسة لا تهتم سوى بمخالفات البناء». فريفي يربط التطور الذي شهده عمل فرع المعلومات خلال السنوات الماضية بالرعاية المباشرة التي أمّنها الحسن لفريق صغير من الضباط والأفراد، تمكنوا من تقديم تجربة نوعية في ميدان عمل الأجهزة الأمنية الرسمية في لبنان. واللواء لا يبدو اليوم مستعداً للمساومة في هذا الشأن.

ومن هذا المنطلق، يراهن بعض فريق الثامن من آذار على «تطفيش» ريفي من خلال الإصرار على إبعاد العقيد وسام الحسن عن رئاسة فرع المعلومات. فقوى الأكثرية الجديدة لا تستطيع «تحمّل» بقاء الحسن في موقعه، لكونه «أكثر الضباط تسيّساً في لبنان». وثمة في الفريق ذاته من يراهن على أن ريفي سيستقيل بعد أن تُعيّن الحكومة أعضاء أصلاء في مجلس قيادة المديرية. وهؤلاء، بحسب سياسيين من الأكثرية، لن يكونوا مهادنين لريفي الذي لن يكون في مقدوره التصرف كـ«إمبراطور» في عهد الوزير مروان شربل. وإذا لم يكن ريفي مرتاحاً في موقعه، فإنه «سيفضّل الانسحاب باكراً، بعد نيل موافقة الرئيس سعد الحريري، والتركيز على كونه المرشح الرئيسي في لائحة تيار المستقبل للانتخابات النيابية عام 2013، في مدينته طرابلس، في مواجهة لائحة يرأسها نجيب ميقاتي».

ميرزا باقٍ إلى موعد تقاعده

يؤكد سياسيّو الأكثرية الجديدة أن أولى الجلسات الحكومية ستشهد قراراً بالتمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وبعد ذلك، ستنتقل الحكومة إلى تعيينات أمنية وقضائية. وفي هذا المجال، فإن الأولوية ستكون للمديرية العامة للأمن العام التي من شبه المحسوم أن يتولى إدارتها مساعد مدير استخبارات الجيش العميد عباس إبراهيم. كذلك، فإن الحكومة ستعيّن رئيساً جديداً لمجلس القضاء الأعلى، وهو المنصب الشاغر منذ إحالة القاضي أنطوان خير على التقاعد. وحالياً، يتولى تسيير شؤون المجلس نائب الرئيس، المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا. والأخير، بحسب سياسيين بارزين في فريق الأكثرية، سيبقى في موقعه إلى حين إحالته على التقاعد بعد عشرة أشهر. فبحسب السياسيين أنفسهم، لا يُعدّ استبدال ميرزا أمراً ملحاً، لأسباب شتى. أول هذه الأسباب أن ميرزا ليس مستفزّاً كغيره، أضف إلى أنه لا يزال يحتفظ بصلات جيدة بكل من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي. «كذلك فإنه قدم خدمات عديدة لبعض أطراف الأكثرية الجديدة، في عز الانقسام السياسي، وعندما كان فريق 14 آذار في أوج قوته». وثمة سبب إضافي سيسمح ببقاء ميرزا في موقعه، وهو «عدم السماح لقوى 14 آذار باتهامنا بممارسة الثأر السياسي، فيما نحن قادرون على تعيين بديل لميرزا عند إحالته على التقاعد»، على حدّ قول سياسي بارز في قوى الأكثرية.

ومن أولويات الحكومة على مستوى الإدارات الأمنية، تعيين أعضاء أصلاء في مجلس قيادة المديرية، علماً بأن قرار تعيين هؤلاء ليس بحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء، بل هو يدخل في باب القرارات العادية التي تصدر بمرسوم يوقّعه وزيرا الداخلية والمال، ورئيسا الجمهورية والحكومة. وسيسمح تعيين أعضاء أصلاء في المجلس باستعادة الصلاحيات التي يمارسها اللواء أشرف ريفي حالياً من باب «استمرارية المرفق العام». ويؤكد معنيون بشؤون المديرية أن الأكثرية اللازمة لاتخاذ قرارات داخل المجلس (ثمانية أصوات من أصل 11) لن تكون لمصلحة ريفي، وخاصة أنه لا يملك أي دور في تعيين أعضاء المجلس. ولفتت مصادر معنية إلى أن الضباط المعينين بالوكالة كقادة للوحدات لن يُعيّنوا بالضرورة أعضاء أصلاء في مجلس القيادة، «وخاصة أن بعض هؤلاء جرى تعيينهم بطريقة مفتعلة». وتعطي المصادر مثلاً على ما تقوله تعيين العميد إبراهيم بصبوص قائداً بالوكالة لمعهد قوى الأمن الداخلي خلال العام الماضي، رغم أنه كان مفصولاً إلى المديرية العامة لأمن الدولة طوال السنوات الثماني السابقة لإعادته إلى الأمن الداخلي. «وهو لم يعد إلا بهدف تعيينه قائداً للمعهد، وهي المهمة التي لم ينجح في تأديتها، ما دفع المديرية إلى تسليم فرع المعلومات مهمة تدريب المجندين الذين جرى تثبيتهم»، على حدّ قول ضابط رفيع في الأمن الداخلي.

وستكون من مهمات مجلس القيادة الجديد إجراء مناقلات للضباط في المديرية، بعد مضي أكثر من ست سنوات على آخر عملية من هذا النوع. وستحدد هذه المناقلات الضباط الذين سيخدمون في كافة القطعات، بما فيها «شعبة» المعلومات القائمة من خارج القانون. وحتى اليوم، لم تحسم الأكثرية قرارها بالتعامل مع الجهاز الأمني المثير للجدل، علماً بأن بعض «متطرفي» قوى 8 آذار يصرّون على تفكيك «الشعبة»، من دون النظر إلى ما أنجزته بعيداً عن الأدوار السياسية لقيادتها. لكن ثمة رأي آخر. فرغم تأكيد مسؤولين أمنيين أنه لا مبرر لبقاء «الشعبة» بهذه الضخامة، ويدعون بالتالي إلى «ضبضبة» هذا الجهاز، فإنهم يشيرون في الوقت عينه إلى أن جزءاً من فرع المعلومات «تمكّن من تحقيق نقلة نوعية على مستوى العمل الأمني في البلاد، وخاصة إذا ما قورن بالأساليب التقليدية التي يتّبعها غيره من الأجهزة الأمنية».

السابق
الاخبار: الحكومة تعمل على خطّين: نيل ثقة الخارج والداخل
التالي
اليونيفيل متخوفة من السلفيين.. وتخشى مارون راس 2