أولى علائم هذه الحكومة تعالي الرئيس برّي!

لئن جاءت ولادة الحكومة الجديدة عسيرة نظرًا لظروف داخلية وخارجية متداخلة، فخير أن تأتي متأخرة من ألاّ تأتي أبدًا.
وإذا كان من تضحية لجراحتها القيصرية لتجاوز المطالب، فقد أظهر رئيس المجلس النيابي نبيه بري موقفًا وطنيًا تعالى فيه عن مصلحته كفريق من طائفة إلى ما هو شأن وطني يعني المصلحة العليا للبلاد.
ولقد كان التشكيل الحكومي متناغمًا في توزيع لم يُسقط من حساباته بدائل مستقلة للتعويض عن غياب فريق الرابع عشر من آذار الذي شاء ألا يشارك هذه المرة، إذ لا يمكن أن يبقى البلد بلا مظلة تقيه شر البلايا الخارجية التي تعصف بالمنطقة والتي تستغل هنا وهناك التحرّكات الشعبية البريئة بمطالبها للنفخ على نارها وفق مصالح وحسابات بعيدة كل البعد عن المطالب والشعارات.

فما يجري في سورية، ومحاولة المعارضة المعتدلة، داخل دمشق وحلب، فتح حوار مع الرئيس الدكتور بشار الأسد، هو غيره في الأطراف وبعض الأرياف حيث يسهل التلاعب واللعب على الأوتار الداخلية، وليست التظاهرة المليونية، التي انطلقت منذ أيام قليلة في العاصمة دمشق، إلاّ غيضًا من فيض التأييد الذي يكنّه معظم المواطنين لرئيسهم الذي أحبوه ومحضوه ثقتهم على الصعيد الوطني والقومي.
وإذا كان سفير سورية في لبنان علي عبد الكريم علي قد أظهر امتنانه لتأليف الحكومة، فلكي يقول: ما دام اللبنانيون يتجاوزون التدخّلات الخارجية وينجحون في تشكيل حكومتهم فحسنًا فعلوا، لأن في خيرهم خير لسورية ولمصلحة البلدين في مواجهة «إسرائيل».
ولئن أعرب الرئيس الدكتور بشار الأسد عن اغتباطه بهذا الإنجاز وتهنئة المسؤولين، فليؤكّد على قدرة البلدين في الوقوف في وجه موجات من الافتعال لفصل الرابط القوي الذي يشكّل وحدة الموقف في وجه القوى المتربّصة شرًّا بهذين البلدين.

ومهما راهن البعض على تصوير الأمر وكأنه انتصار لفئة على فئة في محاولة لذر الرماد في العيون، فإن في التشكيلة الجديدة نخبة اختصاصات تفي بالحاجة إلى تفعيل عجلة الدولة التي تعطّلت طويلاً في الطريق إلى تأليف الحكومة نظرًا للمطبّات الخارجية التي عاكست خروجها نتيجة التجاذبات المملة والمعطّلة التي تحكّمت بسير الحكومة السابقة.

فمهما كان شكل الحملات التي يمكن أن تواجهها الحكومة الجديدة، فإنها ستظلّ قاصرة أمام إرادة العمل والإنتاج الجاهزة في استعدادات الوزراء القادمين من خلفيات علمية مرموقة، وهم لا يبغون من هذا التوزير إلاّ توفير الخدمات لمواطنيهم وسط الأزمات المتراكمة أمامهم.
ولن تغرق هذه الحكومة في أي اشتباك سياسي مع أطراف المعارضة، لأنها ستجهد في دوائرها لتحريك الملفات المعيشية التي تأتي أولوية الأولويات في عملها وعلى هدي الخط الذي رسمه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لتفعيل أجهزة الدولة بكل طاقاتها، حيث ستسرع عجلة التعيينات الإدارية، وعلى رأسها التجديد لحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة.

لقد سئم الناس طاحونة السجالات والمماحكات التي غلبت على الفترة الماضية ويريدون «طحنًا» لا «جرشًا» وهم ينتظرون ما ستفعله هذه الحكومة ويحكمون عليها من وراء أعمالها.

أما التحديات الماثلة في مواضيع خارجية، فكانت ولا تزال مسلطة ومستخدمة على الصعيد الداخلي، فمصيرها إلى انحسار لأن رئيس الجمهورية لن يألو جهدًا لتحويل هيئة الحوار الوطني إلى «كابح» لأي تدخّل يُتفاهَم عليه من خلال طاولة الحوار لأنه الأحرص على إيجاد القواسم المشتركة التي تحمي الوطن من أي انقسام، واضعًا نصب عينيه مصلحة البلاد العليا فوق أي اعتبار آخر.ولعل الرهانات الخاطئة على فشل هذه الحكومة هي المحفّز الأكثر دفعا لأعضائها على تزخيم العمل وإظهار القدرة على تخطّي أي حساب فئوي لمصلحة حساب الوطن والمواطن، وما بقاء بعض الوزراء في وزاراتهم إلاّ الدليل على نجاحهم في هذه الوزارات باعتراف الخصوم قبل الحلفاء.
آن لنا أن نرقى بالمسؤولية الوطنية إلى مستوى المرحلة الخطرة التي نواجهها في خضم التحوّلات القائمة من حولنا.
إن الحكومة هي الوسيلة الفضلى للحكم على مدى تمتّعنا بروح المسؤولية والتعالي على ما عداها من مسؤوليات جانبية تضيع الفرص لإنقاذ وطننا من أي سقوط في الفراغ.
فأولى علائم هذه الحكومة تجلّى بتعالي الرئيس بري.

السابق
السفير: رصاص الفتنة على الحكومة … هل يرتد على أصحابه؟
التالي
البناء: ماذا يُعِدُّ فريق المستقبل للبنان؟ …ميقاتي: توقيت مُريب وما مِن أحد أقوى من الدولة