حكومة ميقاتي تستعدّ للآتي الأعظم !

على وقع الصدور الوشيك للقرار الاتّهامي، كسرت سوريا محرّمات اتّفاق الدوحة، فأطاحته، وأسقطت حكومة الحريري في مطلع العام الجاري. وهي منذ ذلك الحين تدفع غاليا ثمن هذه المغامرة من علاقاتها مع القوى الشريكة في رعاية هذا الاتفاق: فرنسا وتركيا والسعودية وقطر. فهذه الدول الأربع، إضافة إلى الولايات المتحدة، لم تسكت عن عمليّة إسقاط الدوحة من جانب واحد، ومحور إقليمي واحد، هو المحور السوري – الإيراني.

لم تتجرّأ دمشق في ذروة مأزقها الداخلي على استكمال الانقلاب. وانتظرت أربعة أشهر ونصف الشهر، لكنها اضطرّت إلى المخاطرة من جديد للسبب عينه الذي أدّى إلى إسقاط حكومة الحريري: القرار الاتّهامي الذي تأخّر صدوره منذ ذلك الحين، وبقي في عهدة قاضي الإجراءات التمهيديّة.

فالمعلومات تؤكّد انّ القوى المعنيّة تبلّغت، من خلال الأقنية الدبلوماسية، أنّ مطلع تموز المقبل قد يكون موعدا مرجّحا لصدور هذا القرار، وأنّ مضمونه يتطابق مع ما رشح حتى اليوم من اتّهام لعناصر من "حزب الله" وآخرين بالضلوع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهذا من شأنه أن يحدث زلزالا يجدر بسوريا و"حزب الله" مواجهته من خلال حكومة يسيطران عليها، وليس من خلال حكومة سعد الحريري التي بقيت عمليّا تمسك بالسلطة، ولو من خلال تصريف الأعمال. ولذلك، تمّ اليوم الإمساك بالوزارات السياديّة: الخارجية والداخلية والعدل والدفاع، وهي كلّها معنيّة بمواكبة القرار الاتّهامي، ثم انطلاق المحكمة الدوليّة.

لا مجال للأعذار

المتابعون لحركة الساعات الأخيرة قبل إعلان التشكيلة الحكوميّة، رصدوا "أمر مهمّة" سوري إلى أركان الغالبيّة الجديدة لتأليف الحكومة، مهما كان الثمن. وقد تبلّغ هؤلاء أن لا مجال هذه المرّة لخلق الأعذار عند أيّ كان، لأنّه من الضروري سدّ الثغرة التي ستنشأ عن صدور القرار الاتّهامي في لبنان. فسوريا لا تستطيع التصدّي في آن واحد للمصاعب في الداخل السوري ولبنان. وينقل هؤلاء المتابعون أجواء مفادها أنّ عمليّة جسر الشغور ضربت حركة الاحتجاج على الحدود التركيّة، كما كانت عمليّة درعا ضربة لحركة الاحتجاج على الحدود الأردنيّة. لكن عمليّة درعا لم تؤدِّ إلى إنهاء الانتفاضة في سوريا. وكذلك ليس متوقّعا انتهاؤها بعد عمليّة جسر الشغور. وقد لا يتيح الظرف لدمشق ان تكون بعد اليوم في موقع قوّة أكبر، لفرض حكومتها في لبنان.

اللاعب الأساسي في إنجاز التسوية كان النائب وليد جنبلاط من خلال حركته وحركة موفديه المكوكيّة في بيروت ومع دمشق. وكذلك طه ميقاتي الذي زار العاصمة السوريّة قبل أيّام. ولم يكن طبيعيّا أن ينقل جنبلاط عن الرئيس بشّار الأسد تفاؤله بولادة الحكومة، من دون ان يستجيب الحلفاء لهذا التفاؤل.. حتى ولو تمّت التضحية بمقعد شيعي لمصلحة السنّة. ولو حصل الخلل في أيّ ظرف آخر، لكان كفيلا بـ7 أيّار جديدة.

عودة "ميقاتي الأوّل"

لكنّ المشكلة الأساسيّة في الاستجابة للأسد، ليست عند الرئيس نبيه برّي أو حزب الله أو العماد ميشال عون، بل هي خصوصا عند الرئيس نجيب ميقاتي. فهو بدا من خلال إعلان تشكيلته مخالفا للصورة التي يطلقها عنه حلفاء سوريا الأقربون، أي "رجل الأعمال المتشعّب الارتباطات الدوليّة"، والذي "لا تسمح له وضعيّته الماليّة والدوليّة والإقليميّة، وخصوصيّته السنّية، بركوب موجة المحور السوري – الإيراني". فميقاتي الذي نذر نفسه طوال أشهر لتأليف حكومة غير استفزازية، وذهب إلى دار الفتوى مُعلنا التمسّك بـ"الثوابت الإسلاميّة"، وعبّر دائما عن التمسّك بالقرارات الدوليّة، ظهر اليوم أقرب إلى "ميقاتي الأوّل" الذي أشعل "تيّار المستقبل" يوم الغضب في وجهه، على رغم احتفاظ "الوسطيّين" بالثلث المعطّل.. مبدئيّا!

ولكن، هل هذا يعني أنّ ميقاتي تراجع عن تعهّداته المقطوعة للقوى الدوليّة والإقليميّة حول القرارات الدوليّة، ولدار الفتوى حول "الثوابت"؟

إختبار التطمينات

المعلومات أشارت إلى أنّ ميقاتي مهّد لعمليّة التأليف وأرفقها بحملة اتصالات داخليّة وخارجيّة بهدف طمأنة المعنيين بالتزامه التعهّدات. وسارع في اللحظة الأولى للتأليف إلى إطلاق موقف عبر "وكالة الصحافة الفرنسيّة" يؤكّد هذا التوجه، وهو سيسعى إلى إثبات ذلك من خلال صياغة البيان الوزاري. وسيحاول ألّا ينزلق في موقف عدائي للمجتمع الدولي والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن.

ووفقا لمصادر مواكبة، فإنّ القوى العربيّة والدوليّة المعنيّة بالشأن اللبناني، التي لم تعترض على تسمية ميقاتي في كانون الثاني الفائت، لا تعترض اليوم على تشكيلة حكوميّة يحتفظ فيها ميقاتي ورئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط بالثلث المعطل. وهي تعتبر أنّ المحكّ في هذه الحكومة يكمن في قراراتها التي ستكون تحت المراقبة، وبقدرة "الوسطيّين" على تعطيل أيّ استهداف للقرارات الدوليّة.

وقد عبّرت واشنطن عن موقف يصبّ في هذا الاتّجاه فور تأليف الحكومة، فيما تفهّمت الأمم المتحدة "تطمينات" ميقاتي من خلال بيان "التهنئة" الذي أصدره ممثل الأمين العام في بيروت مايكل ويليامز.

الأزمة مستمرّة

الأسابيع المقبلة ستحسم الخيارات. والبيان الوزاري وجلسة الثقة سيسابقان القرار الاتّهامي. وكلّ ذلك سيتمّ على وقع تطوّرات متسارعة في سوريا. وستكون اللعبة مبنيّة على الوقت في الدرجة الأولى. فهو العامل الأكثر تأثيرا في هذه المرحلة.

ومعركة ميقاتي قد تكون انتقلت من التأليف إلى البيان الوزاري ثمّ إلى داخل مجلس الوزراء. والصراع الذي دام أربعة أشهر ونصف الشهر بين "الوسطيّين" و8 آذار على تركيبة الحكومة، والذي حسمته كلمة من الرئيس بشّار الأسد، سيتجدّد داخل هذه الحكومة حول ملفّات كثيرة داهمة ولا تتحمّل التمييع واللون الرمادي. فالأزمة ستطلّ من جديد، ولكن في شكل آخر، وقد تكون أشدّ قساوة.

ربّما هذا ما دفع الوزير المستقيل طلال إرسلان إلى القول: "الآتي أعظم".قيم المقال
654321التعليقات

السابق
الجمهورية: المستقبل تختار المعارضة السلميّة.. حكومة المواجهة والكَيد السياسي
التالي
“جيب المجوز يا عبّود”