لبنان ومرجعيون ودّعا المايسترو غلمية

«برحيلك خسر الوطن ريشته، سيبقى اسمك خالداً في سماء لبنان والعالم».
«وداعاً ايها المرجعيوني الكبير، عزاؤنا في إرثك يا فقيد كل لبنان».

«رحل المايسترو وليد غلمية، وبقيت ألحانه تهمس للكون ألحان الوجود»، لافتاتٌ رُفعت في مسقط رأس الموسيقار الكبير وليد غلمية، حملت عبارات معبّرة عن حب أبناء البلدة لفقيدهم المبدع الراحل الكبير.

فقد شيّعت جديدة مرجعيون وبلدات الجنوب، عصر أول من أمس، ابنها البار، رئيس المعهد الوطني العالي للموسيقى، الموسيقار الراحل وليد غلمية، في مأتم رسمي وشعبي مهيب وحاشد، حيث أعدت له بلدية مرجعيون حفل وداعٍ مؤثر يليق بالرجل الكبير، ورفعت اللافتات التي تشيد بمزايا وعبقرية الموسيقار الراحل الكبير، على طول الشارع الرئيسي وفي الساحة العامة.

ومن بيروت إلى جديدة مرجعيون، انطلق موكب التشييع الطويل، تتقدمه دراجة نارية وسيارات قوى الأمن الداخلي، حيث كانت مرجعيون وحاصبيا والعرقوب وجبل عامل، وأهالي قرى وبلدات الجنوب، في استقبال الجثمان على بولفار كميل شمعون عند مدخل البلدة. وتقدم الجموع التي انتظرت وصول الجثمان على بولفار البلدة، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، والنواب علي فياض، وعلي عسيران وقاسم هاشم، والنائب السابق سمير عازار، كمال أبو غيدا ممثلاً النائب أنور الخليل على رأس وفد من مشايخ الدروز، المحامي أسعد يزبك ممثلاً النائب علي حسن خليل، قائمقام مرجعيون وسام الحايك، رئيس بلدية مرجعيون المهندس آمال الحوراني ونائبه سري غلمية وأعضاء المجلس البلدي، الشاعر هنري زغيب، عائلة الراحل وأقرباؤه وأنسباؤه، وشخصيات رسمية وفاعليات منطقة مرجعيون وحاصبيا.

وحُمل النعش مجللاً بالعلم اللبناني على الأكف، يتقدمهم الكشافة وتلامذة المدارس وحملة الأكاليل، إلى كنيسة القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس في وسط البلدة، حيث رفعت اللافتات المعبّرة عن المحبة والتقدير للموسيقار غلمية، في الشارع الرئيسي والساحة العامة، وتلك التي تشيد بمزايا وعبقرية الراحل الكبير. ولدى وصول موكب الجنازة إلى الساحة العامة للبلدة، صدحت مكبرات الصوت بموسيقى سيمفونية «مرجعيون» التي ألفها الوليد، وأهداها إلى بلدته الأثيرة التي أحبها كثيراً حتى العشق جديدة مرجعيون، في مشوار وداعه الأخير.

وترأس صلاة النياحة لراحة نفسه في كنيسة القديس جاورجيوس، الأرشمندريت ميشال أبي حيدر، يعاونه الأب فيليب حبيب العقلة كاهن الرعية، وخدمته جوقة الرعية.
كلمات تأبينية

وألقى أبي حيدر عظة تناول فيها صفات ومزايا الراحل الكبير. ثم كلمة تأبين ألقاها موريس دبغي باسم بلدة مرجعيون، عدّد فيها خصال الراحل، وكلمة رثاء من الأب فيليب العقلة، قال فيها «إن الوليد لم يمت، لكنه باق بيننا في نغمات كمانه وصدى ألحانه، لينقلنا بها من عالم الفناء إلى عالم الروح والمثل العُليا، حيث هو في عليائه يستمر في سفر جديد في عالم هيولي عابق بالألحان والموسيقى الخالدة». وبعد أن تقبلت العائلة العزاء من الشخصيات والحضور، ووري الموسيقار الراحل في الثرى في مدافن العائلة.

بلدية مرجعيون
نائب رئيس بلدية مرجعيون سري غلمية، أحد أقارب الراحل، قال فيه، «لقد خسره الفن الراقي والموسيقى الشرقية ولبنان، علماً من أعلام الفن والموسيقى، لما كان يُشكل من قيمة معنوية كبيرة لبلدته والمنطقة ولبنان والعالم».
شهادات من ذاكرة الطفولة

ويروي عنه رفيق الصبا رفيق الخوري، قصة تروى لأول مرة عن ولعه بالموسيقى، «أنهم كانوا مجموعة من الصبية ومعهم وليد وكان في سن الحادية عشرة من عمره، في نزهة صيف العام 1949 للهو في حرش الصنوبر، الذي يحوط بجديدة مرجعيون من الغرب، وفيما كان أترابه منهمكين بألعابهم الصبيانية، انزوى وليد جانباً غير آبه بألعابهم، فأتاه الإلهام وأخذ يدندن لحناً بينما كان رفاقه يلهون، ولم يجد ورقة ليكتب عليها النوتة، فنزع القميص الذي كان يلبسه، وكتب عليه النوتة الموسيقية للحن كي لا ينساه، وفي طريق العودة إلى المنزل، كان رفاقه في حيرة من أمرهم، ماذا سيخبرون والدته كي يخففوا عنه العقاب الذي ينتظره، لكن حساباتهم خابت، فبدل أن تعنفه الوالدة كما كان متوقعاً، ربتت على كتفه مشجعةً وعانقته بحنان، واحتفظت بقيمصه منذ ذلك الوقت. و وأضاف الخوري: «وليد غلمية، هذا العربيُّ الغسّاني، الذي ظل طوال سني حياته يفاخر بثلاثة أمور، وطنيته وعروبته، وعشقه لمسقط رأسه جُدَيْدة مرجعيون، ولكنته المرجعيونية التي ميزت حضوره وكلامه".
أبو سمرا

كما يروي عنه صديق العمر والدراسة، المهندس طارق أبو سمرا، الذي يقول عنه: «كنا نجتمع مع باقي الرفاق التلامذة في سهرات مدرسية في كلية مرجعيون الوطنية للاستماع إلى عزفه على آلة الكمان، والتي توقف عن العزف عليها بسبب حادث وقع له في أصابعه. لقد كان شغوفاً بدراسة الموسيقى، وبدأ حيث انتهى كموسيقي عالمي، لكن الأهم أن هذا الرجل كان من عباقرة الموسيقى، تفتخر به بلدته مرجعيون ووطنه والعالم العربي، إننا نفتقده كثيراً، رحمه الله ونأمل الصبر لعائلته».
أضاف: «لقد كان همه حبه للموسيقى، لقد كان يعزف الموسيقى وهو يدرس الرياضيات، فالموسيقى في دمه، وكان رجلاً عطوفاً ودمث الأخلاق ومحباً لرفاقه نجتمع سوياً لسماع ما يعزفه من أغان كانت مشهورة في ذلك الزمان".
الأشرفية

وكان لبنان الرسمي والشعبي، قد ودّع الموسيقار الراحل وليد غلمية في مأتم مهيب في كنيسة مار نقولا – الأشرفية، على وقع معزوفات الموسيقى التي كتب وأحب، الحركة الثانية من سمفونية «الشهيد التي عزفتها الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية بقيادة فوتشيك تشابيك، كتحية تقدير ووفاءً لمن قرّب الموسيقى الكلاسيكية من أذواق اللبنانيين والذي قلّده رئيس الجمهورية وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور.
عودة

وترأس الصلاة عن راحة نفسه، متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس الياس عودة، وعاونه مطران مرجعيون للروم الأرثوذكس الياس كفوري، ومطران بيروت للروم الكاثوليك يوسف كلاس.

وألقى المطران عودة كلمة قال فيها : «نودع اليوم علماً من أعلام الموسيقى، وكبيراً من هذا الوطن امتهن الفن والرقي، وحلّق مع النغمات فيما غيره كثر، وللأسف يمتهنون الابتذال ويغرقون في متاهات المصالح الضيقة وصغائر الحياة. وليد غلميه كان الكون عالمه، لأن الموسيقى لا تحدها حدود. منذ الطفولة أحب الموسيقى، وحتى نسمته الأخيرة كانت عالمه الأحب، تعمّق في دراستها وفي تعليمها ونشرها، وقد حقق أحد أحلامه العزيزة بتأسيس الأوركسترا السمفونية الوطنية والأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق – عربية. وقد أغنى وليد غلميه المكتبة الموسيقية بمؤلفات عديدة أبرزها سمفونياته الست التي كان يفاخر بها، إلى جانب مؤلفاته الأخرى من موسيقى مهرجانات وأفلام ومسرحيات".

وقلد الوزير وردة باسم الرئيس سليمان الموسيقار الراحل وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور.
قهوجي
وألقى الفنان غازي قهوجي باسم مجلس إدارة المعهد الوطني للموسيقى كلمة قال فيها: «يكبر الكلام في هذا المكان المقدس، يأخذ الكلام بعداً آخر، لكأن هذا الغياب أوقع فصلاً كاملاً من السنة وتركنا في مهب تقويم مغاير".
وأضاف: «لقد حملت منذ العام 1991 مهمة بناء المعهد الموسيقي، وأشرفت على وضع البرامج مستنداً إلى إدارة متخصصة وحكيمة، وعددت الفروع على الأراضي اللبنانية ووصلت الى تحقيق الأوركسترا الفيلارمونية ونشاطاً حضارياً من الإبداع، سنفتقدك قامة كبيرة ومؤلفاً مبدعاً ومنجزاً وصديقا وفياً".

دومنغو
وألقى سليم أبو سمرة كلمة «التينور»العالمي بلاسيدو دومنغو، الذي عبّرعن حزنه لفقدان غلميه الذي حقق انجازات كبيرة. وقال: «إن عملي خلال زيارتي إلى لبنان مع قائد الأوركسترا المتميز، بيّن عن مهنية عالية في قيادة الأوركسترا السمفونية اللبنانية
وألقى ابن شقيق الفقيد العقيد سمير غلمية كلمة العائلة.

ولدى خروج الجثمان من الكنيسة، أدت موسيقى قوى الأمن الداخلي لحن التعظيم ونشيد الموت، والنشيد الوطني كما وزعه الراحل. ثم عزفت الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بقيادة فوتشيك تشابيك الحركة الثامنة من سمفونية «الشهيد» لوليد غلمية.

السابق
البناء: الأسبوع الحالي سيشهد ولادة الحكومة . .إلا إذا
التالي
بنادق داخل أنابيب ريّ