تغطية الفشل الحكومي والمطالبة بتعديل الطائف!

لا نريد الخوض في ملابسات تعثّر التأليف الحكومي، لأن المسألة أصبحت أشبه بحكاية <إبريق الزيت>··، حيث تظهر فجأة بالونات التفاؤل بقرب الولادة الحكومية، ثم تختفي بسرعة من بورصة التداول، وكأن المطابخ التي تُطلقها سُرعان ما تعمد إلى سحبها·· لغايات معروفة في حسابات يعقوب!!
وهذه اللعبة السياسية السمجة لا تخلو من السذاجة، بقدر ما هي تُجسِّد الإفلاس السياسي، التي يدور في دوامتها البلد منذ بضعة أشهر، تحت شعار <السعي لتشكيل حكومة جديدة>!

والمفارقة المحزنة فعلاً، أن أطراف الفريق الواحد يتقاذفون في ما بينهم تهم التعطيل حيناً، والتعقيد أحياناً، في أجواء من الحذر والتشكيك في ما بينهم، وكأن المطلوب هو استيلاد العُقد والصعوبات التي من شأنها أن تحول دون تمكين الرئيس المكلَّف من تشكيل الحكومة التي تحظى <بثقة اللبنانيين> على حدّ ما أورد في أحد بياناته المقتضبة·

وأصبح واضحاً للجميع أن إصرار أهل الحلّ والربط في الأكثرية الجديدة على فرض التشكيلة التي يرونها مناسبة لهم على الرئيس المكلَّف، ورفض الأخير، بل ومقاومته الصلبة، لشتى أنواع الضغوط التي تُمارس عليه، للمشي بحكومة غير مُقتنع بتركيبتها، ولا يرضى عن الخلل الحاصل في توازناتها، نقول أن هذا الواقع قد أدّى وما يزال يؤدي إلى تعطيل تأليف الحكومة العتيدة حتى إشعار آخر·

ولأن الرئيس المكلَّف يتمسّك بصلاحياته الدستورية، انطلاقاً من بنود دستور الطائف الذي أناط مسؤولية تشكيل الحكومة برئيس الحكومة بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، فقد أصبح <الطائف> ميثاقاً ودستوراً، هدف حملات التضليل والإفتراء، في محاولات مكشوفة لتغطية عُقد المحاصصة، والخلافات على الحقائب الدسمة، عبر التطاول على صلاحيات رئيس الحكومة وصولاً إلى المطالبة بتعديل اتفاق الطائف·· كذا!! وإذا وضعنا كلام البطريرك الراعي حول تعديل الطائف في سياقه الحقيقي، وبعيداً عن السجالات السياسية اليومية، فإن مطالبة بعض أطراف 8 آذار بفتح ملف تعديل الطائف تبقى من نوع كلمة حق يُراد بها باطل، لأن الهدف الحقيقي من طرح هذا الموضوع السجالي، والمثير للنقاشات والخلافات بين اللبنانيين، ليس <تحسين> بعض بنود الطائف ميثاقاً أو دستوراً، بقدر ما تبقى الغاية الفعلية هي إشغال اللبنانيين عن الأزمة الحكومية المتمادية، والتغطية على الفشل الذي تعاني منه الأكثرية الجديدة في إخراج التشكيلة الحكومية من بازار المحاصصة وتقاسم الغنائم·

ولا يمكن فصل الحملات المتكررة ضد اتفاق الطائف، عن مسلسل الاستهدافات الموجهة إلى فريق 14 آذار عامة، وتيار المستقبل وجمهوره خاصة، ومحاولات إلصاق شتى التُهم بهذا الفريق السياسي الذي قاد ثورة الأرز، وحاز على الأغلبية النيابية في دورتين متتاليتين، بهدف إبعاد كأس المسؤولية والمحاسبة الشعبية عن فريق 8 آذار، بسبب ما آلت اليه الأوضاع في البلد من تدهور إقتصادي، وتفاقم الملفات المعيشية والاجتماعية، وتراجع الأحوال السياسية والأمنية منذ الإطاحة بحكومة <الوحدة الوطنية>، وما أعقبها من تفرّد مُتعمّد من هذا الفريق، بتشكيل الحكومة الجديدة، والاستفراد بالسلطة!

ولم يعد خافياً على أحد ان الفريق المطالب بتعديل الطائف، يحاول القفز على الانجازات التاريخية التي حققها هذا الاتفاق الوطني الشامل، وفي مقدمتها إنهاء الحرب اللبنانية وطي صفحة الحروب العبثية، والتي كان آخرها حرب العماد عون ضد <القوات اللبنانية>، والتي أسماها <حرب الإلغاء!>، وأعاد الحياة الى شرايين الدولة اللبنانية عبر تأمين رئيسين للجمهورية في فترة قياسية، بعدما تعذّر إجراء الانتخابات الرئاسية على امتداد سنة ونيف، بعد اعتصام عون في قصر بعبدا، فضلا عن تشريع مبادئ السماح والعفو عن جرائم الحرب، الى جانب وضع قواعد دستورية حاسمة وواضحة، لإعادة التوازن الى مواقع السلطة الشرعية، وتحقيق المشاركة الوطنية في القرار السياسي، عبر التعديلات الدستورية الجذرية التي انبثقت عن ميثاق الطائف·

والطريف ان المروّجين للحملات ضد الطائف، كان بعضهم حتى الأمس القريب ضد هذا الاتفاق، بل وحاول العماد عون مقاومة تنفيذ بنود الطائف بقوة السلاح، رغم ان هذا الاتفاق حظي بموافقة بكركي والقيادات المسيحية الأخرى، لانه حافظ على الدور المسيحي في السلطة، وكرّس مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، بغضّ النظر عن تباين التعداد السكاني الذي يميل لمصلحة المسلمين·

فهل المطلوب التخلّي عن الاتفاق التاريخي الذي جسّد إرادة العيش الواحد بين اللبنانيين، واعاد اللُحمة بين أبناء الوطن الواحد، وصان وحدة البلد، وحقق الأمن والاستقرار والازدهار للوطن الجريح؟

هل المطلوب إسقاط الطائف حتى تسهل العودة الى مرحلة ما قبل الطائف، وما حفلت به من تفجيرات واغتيالات وجرائم حرب موصوفة، حتى الفوضى المسلّحة ويعود لبنان مسرحاً لشريعة الغاب من جديد·

هل أخطأ الفريق اللبناني الذي بقي خارج لعبة الحرب، ورفض الإحتكام الى منطق السلاح، ودفع الأثمان الغالية في تدمير مدنه، والتعدي على ممتلكاته، وضرب مصالحه التجارية والاقتصادية،·· ومع ذلك لم يفقد ايمانه بلبنان الوطن الواحد والنهائي لجميع ابنائه؟

وهل أخطأت قيادات هذا الفريق اللبناني لانها أبدت من التسامح والحرص على إنقاذ البلد، وكأنها هي <أم الصبي>، ما ساعد على طي صفحة الكراهية والحقد والثأر، والعودة الى خيمة العيش الواحد؟

بنود الطائف ليست كلاماً منزّلاً!

ولكن الكلام عن التعديل يتطلّب مراعاة أصول ومبادئ العيش الواحد، والإجماع الوطني، الى جانب اختيار التوقيت المناسب·

فهل الانقسامات العمودية الحالية تُشجّع على فتح هذا الملف الدقيق والشائك على مصراعيه، أم أن الحكمة تقضي تحديد الساعة المناسبة للخوض في بحر الوفاق المائج؟

أليس العمل على تطبيق البنود الرئيسية التي يكاد يطويها تجاهل المطالبين بالتعديل، أجدى وأكثر أحقية من الترويج لخلافات جديدة بين اللبنانيين؟

لعلّ ما جرى أمس في تركيا من إنتخابات ديمقراطية كرّست مبدأ التعددية السياسية، يكون مصدر إلهام جديد لإنعاش ذاكرة المعرقلين لتشكيل الحكومة العتيدة، والذين يحاولون القفز فوق الديمقراطية التعددية، والاستئثار بالسلطة·· وكأنها غنيمة حرب من عدو بائس!

السابق
الديار: آذار تؤكد: ميقاتي لن يؤلف
التالي
الانوار: ازمة التشكيل مستمرة والحجة الجديدة عقدة الوزير السني السادس