فقاشات رحال تغزو لبنان!!

بين الفقاشة والجاروشة والكسارة الكبيرة الثابتة والكسارة الصغيرة المتنقلة، تتنوع التسميات والأذونات. المجلس الوطني للمقالع غائب حيناً ومغيَّب أحياناً، فيما وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال محمد رحال، ناشط جداً جداً، والنتيجة تذاكٍ على القوانين والمراسيم المنظمة لقطاع المقالع والكسارات والمرامل في لبنان

عشرات التراخيص لكسارات صغيرة واستصلاح أراضٍ ونقل ستوكات رمل وبحص وصخور وردميات، حصلت «الأخبار» على نسخ منها، وقّعها وزير البيئة محمد رحال منفرداً، من دون العودة إلى المجلس الوطني للمقالع والكسارات، رغم أن صلاحيات المجلس التي حددها المرسوم 8803 الصادر عام 2002 وتعديلاته، تتضمن اقتراح تشغيل الكسارات خارج المقالع وتوقيفها في حال المخالفة.

يضم المجلس الذي يرأسه وزير البيئة أعضاءً من مختلف الوزارات المعنية من موظفي الفئة الثانية، ولا يستطيع المجلس تفويض صلاحياته إلى رئيسه مطلقاً في أي حال من الأحوال. التدقيق في هذه الأذونات يبين أن غالبيتها وقّعها رحال بعد استقالة الحكومة ودخولها في مرحلة تصريف الأعمال.

ورغم الشكاوى العديدة التي نشرت في وسائل الإعلام، تجاهل وزير البيئة إصدار جردة بعدد التراخيص التي منحها المجلس في عهده وأنواعها، وتلك التي وقعها منفرداً، واكتفى بالإعلان أن هذه الأذونات والتراخيص تدخل ضمن صلاحياته، وتهدف إلى تنظيم أعمال مجابل الأسفلت والباطون ومناشر الصخور، وإلى الاستفادة من المواد الناتجة من أعمال شق الطرقات وحفر أساسات البناء واستصلاح الأراضي.

بالعودة إلى المصطلحات، ماذا تعني كلمة فقاشة؟ وما صلتها بقطاع المقالع والكسارات؟ المصطلح مستخدم صناعياً لآلات استخراج لب المكسرات من لوز وجوز وصنوبر وغيرها، أما الجاروشة فمعروف تراثياً أنها تستخدم في الحصاد لفصل القمح عن السنبل. أما كيف أُدخلت هذه المصطلحات إلى قطاع الكسارات والمقالع، فسؤال يطرح على وزيري الداخلية والبيئة والمحافظين.

في ٩/ ٥/ ٢٠١١ سمح الوزير رحال لمؤسسة رشيد الخازن للتعهدات بتشغيل كسارة صغيرة مؤقتة ضمن حرم مشروع شق طريق عين الريحانة ـــــ سهيلة ـــــ درعون ـــــ غوسطا، لمدة ثمانية أشهر تبدأ من تاريخ إعطاء أمر المباشرة في العمل.
إذن مماثل أُعطي للسيد غالب رمضان باستعمال كسارة صغيرة لشق طريق في العقار ٢٥ في منطقة برغز العقارية في قضاء حاصبيا لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من 29/ 12/ 2010. كذلك، أُعطيت الشركة العربية للأعمال المدنية إذن تشغيل كسارة صغيرة لزوم مشروع تأهيل طريق السعديات ـــــ عين الحور، تبدأ من 22/ 12/ 2010 لمدة سنة واحدة.

تحال نسخ عن هذه التراخيص على المديرية العامة لوزارة للمال لاستيفاء رسم مقطوع يبلغ ٢,٥ مليون ليرة، لكن اللافت أن بعضها أُحيل على أمانة سر دائرة حماية الموارد الطبيعية في الوزارة، وبعضها الآخر على أمانة سر الوزير، علماً بأن الأصول الإدارية تقتضي تبليغ نسخ عنها إلى مصلحة الديوان والمحفوظات وإلى أمانة سر المجلس الوطني للمقالع والكسارات.

في الوثائق التي حصلت عليها «الأخبار» كتاب بعبارات مختلفة. «استثمار كسارة بحص منفردة (دون مقلع) لزوم تنفيذ مشروع شق طريق بجدرفل ـــــ داعل في قضاء البترون عائدة لمؤسسة نسيم أبو حبيب للتعهدات». في الوثيقة الموقعة بتاريخ 6/ 4/ 2011 إعادة الوزير رحال كامل الملف إلى محافظ لبنان الشمالي ولم يأذن باستخدام الكسارة، والسبب أن طلب استثمار الكسارة المذكورة حصل على موافقة المجلس الوطني للمقالع والكسارات في ٢٧/٨/٢٠٠٩، أي في عهد الوزير طوني كرم، بشرط أن يضم إلى الملف إفادة من المجلس البلدي واستعمال الناتج لأعمال الطريق حصراً والطلب من المحافظ ختم المقلع المجاور لمكان تركيز الكسارة بالشمع الأحمر. رحال تمنى في كتابه إلى المحافظ «التشدد في مراقبة التزام المستثمر بالشروط وضرورة ختم الجهات المختصة المقلع المجاور لمكان تركيز الكسارة بالشمع الأحمر».

يستدل من هذا الكتاب أن المجلس الوطني دون سواه ينظر في الأذونات ويجيز الاستثمارات ويمنح التراخيص ويدقق في الشروط المتعلقة باستثمار كسارة بحص منفردة من دون مقلع، وأن تفلت الوزير رحال في إعطاء أذونات شخصية تحت مسمى «كسارة صغيرة» لمشاريع شق طرقات في عدة مناطق لبنانية، هو مخالفة إدارية تستدعي التحقيق من أجهزة الرقابة المعنية.

اللافت أن قرارات الوزير رحال تتضمن جميعها إيعازاً إلى قوى الأمن الداخلي والبلديات المعنية بمراقبة أعمال الكسارات الصغيرة في مجابل الأسفلت والباطون ومناشر صخور الزينة والأحجار للتأكد من أنها تجري وفقاً للغاية المطلوبة، وعدم تكديس مخزون إضافي في حرم المشروع، أو تحويله إلى مقلع أو محفار أو خلافه، على أن يقتصر نشاط الكسارة الصغيرة على توفير احتياجات المشروع من دون استعمال هذا الترخيص لبيع المواد المكسرة إلى خارج المؤسسة.
في قائمة رخص الكسارات الصغيرة تتضمن شركة يعقوب وزياد شاهين في المجدل، شركة حاج كونتراكشرز في بقعتوت وعشقوت، أكرم البسط في الشويفات، شركة جمال أيوب في تكريت، مؤسسة نقولا سروجي في حوش الأمراء، علي ناصر في كفررمان، عماد يزدة في القرعون، مؤسسة حمود للتجارة في مندرة، غسان ضاهر في إبل السقي، مصطفى صعب في بلاط، ومؤسسة يامن في الكفور.

الحصة الأكبر في منطقة عين دارة المنكوبة. ترخيص باستئناف أعمال كسارة صغيرة القائمة على العقارات ٤٣٥١/٤٣٢٥/٤٣٥٥ تاريخ ٤/١/٢٠١١ لشركة أراكو للأسفلت. ترخيص آخر باستعمال كسارة صغيرة على العقار ٤٤٥٤ بتاريخ ١٧/١/٢٠١١ لأكرم البسط، ولمحمد البسط على العقار ٤٣٨٣ بتاريخ ١٧/١/٢٠١١ .

أسئلة مشروعة تحتاج إلى إجابات. هل فعلاً تتأكد القوى الأمنية والبلديات أن هذه الكسارات الصغيرة المتنقلة لا تعمل مثل بقية الكسارات الكبيرة الثابتة؟ ومن يضمن حسن سير عملها؟ وهل اكتفى الوزير رحال بالزيارة «الكبسة» التي قام بها مطلع عهده إلى عين دارة، «مكتشفاً» أن عشرات المرامل والكسارات تعمل هناك من دون حسيب أو رقيب؟ علماً بأن فضيحة تمرد كسارات منطقة عين دارة ومقالعها وإصرار أصحابها على العمل بالقوة، لم تنته فصولاً بعد.

ومن عين دارة إلى منطقة أبو ميزان، علمنا أن مديرية التنظيم المدني أوقفت معاملة للمتعهد ج. ق الذي ينوي الحصول على ترخيص مجبل باطون داخل كسارة أبو ميزان المختومة بالشمع الأحمر بقرارات من مجلس الوزراء منذ عام 1996، لاعتبارها أحد مسببات تلويث نبعي القشقوش وجعيتا اللذين يغذيان محطة ضبيه التي توفّر مياه الشرب لبيروت وأجزاء من جبل لبنان. مع الإشارة إلى أن كسارات أبو ميزان منحت سابقاً رخصة لنقل «الستوكاج»، ورخصة كسارة صغيرة لمعمل باطون، قبل أن تعاود الاقفال.

السابق
جنبلاط: ساركوزي فَكّ عزلة الأسد وأطالب بإلغاء المجلس السوري – اللبناني
التالي
إقليم التفاح في 99 صورة بعدسة كامل جابر