شتلة التبغ مصدرعيش الاف الجنوبيين

بدأ قطاف التبغ لهذ الموسم، وتسليم محصوله بات على الأبواب، وحينما يكون الحديث عن زراعة التبغ في لبنان، هذا المنتوج الوطني التراثي، يتطرق المتحدث حتما إلى الكفاح الشاق لأسرة بكامل أفرادها على مدار العام، فضلاً عمّا يحتاجه هذا النوع من المزروعات، من جهد ورعاية واهتمام وتكلفة مادية، نظراً للمتطلبات الكثيرة، من مبيدات حشرية، وأسمدة عضوية، وريّ، إلى حين القطاف، أملاً في جني ما يسدّ حاجة العيش بشرف وكرامة، فيما تأتي النتيجة مخيّبة للآمال، فيكون وقعها على المزارع تعباً تفوق مرارته ذلك المتأتي من بذل عرق الجبين الممزوج بالدماء، أقسى من الكفاح المضني، وأشد مرارةً من طعم شتلة التبغ عينها.

تمثّل «شتلة» التبغ في حياة اللبنانيين عموماً، والجنوبيين خصوصاً، إرثاً وطنياً، ومكمن تصد وصمود، ومصدر رزق بالغ الأهمية، وهي اليوم مهدّدة بالزوال نتيجة ما يعانيه هذا القطاع منذ عهود، من فقدان الدعم الرسمي الذي يضعه في دائرة اللامبالاة، ومن عدم الرعاية الحقيقية لمختلف الجوانب التي يحتاجها هذا القطاع. وعلى الرغم من الاجحاف اللاحق بهم، لا يزال المزارعون يتمسكون بزراعتهم التراثية، يصرّون على استمرارها، بينما الحكومات المتعاقبة كانت تتركهم يواجهون مصيرهم وخاصة في الأزمات والنكبات الناجمة عن العوامل المناخية واعتداءات آلة الحرب التدميرية الصهيونية المتكررة على أرض الجنوب، وجل ما كانت تقدمه تلك الحكومات، وعود بالتعويضات، ما زالت وعوداً حتى اليوم، وتنام في أدراج الهيئة العليا للإغاثة.
«البناء جالت في قرى الجنوب، والتقت مزارعي التبغ، للاطلاع على أحوال هذه الزراعة، ولا سيما أن تسليم المحصول إلى الدائرة الرسمية (الريجي)، بات قريبا جداً، كما توقفت عند آراء عدد من المزارعين الذين أجمعوا على معاناتهم، جرّاء عدم الاكتراث الرسمي لأوضاعهم.

وأمل المزارعون أن لا تحل بهم هذا الموسم خيبة أمل جديدة تضاف إلى سابقاتها، متطلعين إلى تشكيل الحكومة العتيدة في أقرب وقت ممكن، كي تعمل على رفع الظلم والغبن عنهم.
سلمان
أسرة جنوبية من بلدة الشهابية الصامدة، تُعدّ نموذجاً عن الأسر الكادحة، يتوجّه جميع أفرادها منذ فجر يومهم إلى الحقول، ولا يعودون إلّا عند الغروب، وما يجنونه من خلال تعبهم، يكاد لا لسد الحاجة لتأمين متطلبات عيشهم، في ظلّ أوضاعٍ اقتصاديةٍ تتفاقم يوماً بعد آخر. ربّ الأسرة محمود حسين سليمان يقول لـ«البناء»: «أسرتي مكوّنة من تسعة أفراد، أمتهن الزراعة منذ زمن، ورثت زراعة التبغ عن أهلي وأجدادي كما معظم المزارعين من أبناء المنطقة، الذين يعملون في هذا الحقل المر بتعبه، والأشد مرارة من ذلك، المعاناة التي تصيبنا، والغبن الذي نعاني منه لدى تسليم المحصول بأسعارٍ لا تكفي لتسديد قيمة التكاليف، نتيجة الغلاء المتصاعد اللاحق بأسعار متطلبات هذه الزراعة، من المبيدات والأسمدة، أو من ناحية كلفة الرشّ والريّ والمازوت. بينما الدولة لا يعنيها الأمر، كأن المطلوب انقراض هذه «الشتلة» الحيوية، التي تمثّل بالنسبة لنا، مورد الرزق الوحيد، ومكمن التصدي والصمود في وجه «إسرائيل»، التي تريد اقتلاعنا من جذورنا كبشر وحجر وشجر».
ويتابع سلمان قائلاً: «من جهة أخرى، كان القيمون على الحكومات السابقة، عن قصدٍ أو عن غير قصد، يساهمون في تحقيق الحلم الصهيوني، عبر إهمالهم لهذا القطاع، ما حدا بالمزارع الى التحول تدريجياً عن مهنته، ويقصد المدينة، ما يعني… الهجرة».
وردّأً على سؤال حول الأضرار التي لحقت به أجاب سلمان: «أنا واحد من آلاف المتضررين جرّاء الاعتداءات الصهيونية، خصوصاً بعد عدوان تموز 2006، إن من حيث تعرّض منزلي للأذية المباشرة، أو على صعيد إتلاف مواسمي الزراعية، وعدتنا الدولة عبر هيئة الإغاثة بالتعويض، لكن « عالوعد يا كمّون»، ولا يكفينا عدم دعم أسعار منتوجاتنا في ظل هذه الظروف العصيبة التى نمر بها معيشياً واقتصادياً، فنضطر أن نستدين الأموال كي نستمر».
وسأل سلمان: «أين وعد الدولة بشمول مزارعي التبغ تقديمات الضمان الاجتماعي والصحي، علّ هذا الموسم يكون موسم خير على جميع الصعد، فتبصر الحكومة العتيدة النور قريباً، لما نتوسمه من وجودها خيراً للوطن ولجميع أبنائه، وعلّها تقوم بدورها الوطني في إنماء القطاعات كافة، ورفع الظلم والإجحاف عن المتضررين في أرزاقهم وممتلكاتهم».

السابق
بلدية النميرية: رَدّ على الرد
التالي
البكتيريا الأوروبّية تستقرّ على 19 ضحيّة