مغالطات نصرالله

نسي السيد حسن نصرالله، وهو يتحدث في الخطاب نفسه عن المقاومة واسرائيل وعن الثورات الشعبية خصوصا في سوريا، ان الشعوب العربية منحت انظمتها ومنها السوري اكثر من ستة عقود صمتا وصبرا وانتظارا. ولعله نسي او خشي، بل
يؤلمه كما يؤلم كثيرين يتفقون معه او يختلفون، ان الاولوية الراهنة للحرية والكرامة تكاد تحجب اولويته المطلقة للمقاومة.

الامر لا يتعلق الآن بإسرائيل، وليس بالمعنى الذي روجه بنيامين نتنياهو، فاسرائيل تتخوف من هذه الثورات ونتائجها على المجتمعات العربية، لا لأنها ترى فيها عودة الى خيار الحرب، وانما لأنها تفرض على اسرائيل وضعا غير مسبوق. ومع هذا الوضع يفترض ان تنتهي كذبة دولة الاحتلال كـ"ديموقراطية وحيدة" في الشرق، وكذلك كذبة ان الدول المقاومة لهذا الاحتلال مضطرة لأن تكون ديكتاتوريات. ومن الواضح ان الامر لا يتعلق ابدا بدول "ممانعة" او "معتدلة"، وفقا للاطروحة الخامنئية، فالثورات طاولتها جميعا وخلطت اوراقها فارضة عليها مفاهيم منصفة في تحمل المسؤوليات تجاه شعوبها.

من الواجب القول ان من يخالفون نصرالله الرأي في ثورة السوريين وفي ادارة علاقة "حزب الله" بالشأن اللبناني، لا بد انهم يشاركونه كل معاني ذكرى تحرير الجنوب، ويشاطرونه بلا شك ردوده على خطابي اوباما ونتنياهو. لكن تكفي الاشارة الى ردود الفعل الشعبية السورية على خطابه للتأكد من خيبة الامل التي أشاعها باصطفافه وراء النظام.

وطالما ان نصرالله جهر اخيرا بموقفه المتوقع من النظام والثورة فهذه مغالطات لم يكن مضطرا للوقوع فيها:
قوله ان "المعطيات والمعلومات" تؤكد ان "غالبية" السوريين لا تزال تؤيد النظام، وهو بذلك يتجاهل، كما يفعل في لبنان، قراءة الغالبية الصامتة، والاهم انه بدا كمن ينكر على السوريين الحقوق التي أيدها للشعب المصري، رغم ان معاناة الشعب السوري اشد واعمق.

تبنيه "نظرية المؤامرة" واستنتاجه ان اسقاط النظام السوري بات "مصلحة اميركية – اسرائيلية"، لكن "المعطيات والمعلومات" بل حتى المواقف المعلنة تقول العكس، وهذا قديم ومعروف وموثق.
دعا نصرالله اللبنانيين الى عدم التدخل في الشأن السوري، وهذا جيد، لكنه اتاح لنفسه، بما ومن يمثل، ان يتدخل بوقوفه الى جانب النظام ودعوته الى وقف التظاهر كي يتمكن النظام من مباشرة الاصلاحات "بهدوء"…

لم يخطئ نصرالله بقوله ان "متطلبات" اميركية واوروبية تعطل ولادة الحكومة الجديدة لكن هذه ليست السبب الوحيد، ثم انه تجاوز الاعتراف بان العرابين السوري والايراني اخطآ حين ظنا انهما صادرا الشأن اللبناني بكامله فأعطيا الضوء الاخضر للانقلاب واطاحة الاكثرية السابقة.

واخيرا لعل الخطأ الفادح ان نصرالله، كـ"قائد للمقاومة" تجاهل ان موقع المقاومة هو الى جانب الثورات، فهذا ما يتوقع منه بداهة، لكنه اختار موقعا آخر.

السابق
تحذيرات من لعبة الحدود الأحد المقبل… بداية
التالي
الشرق الاوسط: المعالجة ستغلب منطق القانون وحفظ المؤسسات الدستورية والأمنية