سورية واليونيفيل… وصناعة الخوف اللبناني

1200 قتيل وما يزيد سقطوا في سوريا خلال شهرين ونصف الشهر تقريبا، ولم يبادر النظام هناك إلى ما يظهر انه اقتنع اخيرا بأنه يستمر في السير بعكس التاريخ، لا خارجه فحسب. ولعل اشد ما يتعرض له النظام السوري ليس الاحتجاجات الداخلية او الضغوط الخارجية، بل محاولة صناعة الخوف من سقوط “النظام” ، وهي وسيلة باتت وحيدة يظنّ أصحابها انها كفيلة بلجم المعترضين وجذب الانصار اليهم.
هكذا انشغل بعض اللبنانيين ببث المخاوف فيما لو سقط النظام في سوريا، بفعل الاحتجاجات الداخلية. وراح العديد من القوى المسيحية يطرق ابواب السفارات الغربية محذرا اياها من ان تنجر دولها نحو اي عملية تودي بهذا النظام، لانها بذلك تكون قد ساهمت في القضاء على ما تبقى من مسيحيين في سوريا ولبنان، وربما الشرق كلّه.

وصناعة الخوف المسيحي هي الوجه الآخر من صناعة الخوف الشيعي، والعقل ذاته الذي نظّر له بعض المسيحيين والشيعة من ان حلف الاقليات، وبقبعة علوية، هو الكفيل بحماية الدور المسيحي والشيعي في لبنان والمنطقة. ويكفي لتأكيد ذلك النظر الى ادبيات التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله على هذا الصعيد، والتي كانت وسيلة في تبرير تجاوز دور الدولة كحام وراع لمواطنيها الى دولة الراعية او الوصاية التي نفذت من بوابة حلف الاقليات.
منذ حرب العام 2006 ترسخت هذه الفكرة، بعدما نجحت المقاومة بجهود قيادتها واعدائها، لتتحول من مقاومة للاحتلال الاسرائيلي في الوعي العام، الى قوة شيعية في اللاوعي الشيعي والوطني والقومي. وجاء موقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الداعم للنظام السوري والمستهين بحركة الاحتجاجات ضده في ذكرى التحرير، ليرسخ هذه الحقيقة.

ففي زمن الثورات العربية التي نعيشها اليوم، يصبح من غير المفهوم، ومن غير الجائز ايضا، ان تقف المقاومة، باعتبارها حركة تحرر وحرية، الى جانب نظام تصفه بالممانع، وهي تدرك انه لم يوجّه طلقة واحدة الى الاحتلال الاسرائيلي في الجولان منذ نحو اربعين عاما، فيما يسهل عليه حصد المئات وربما الالاف من ابناء شعبه. موقف نصرالله مناقض تماما لفكرة المقاومة لأنه يساهم في إضعاف مقاومته على صعيد المواطنين في العالم العربي كلّه، أولئك الذين يتضامنون مع الشعب السوري بما لا يقاس إلى التضامن مع النظام السوري.

يفترض في مشروع المقاومة ان يكون لديه استقلالية، لا ان يتبرع ليظهر العلاقة العضوية والتبعية للنظام السوري او سواه، ففي حين يكرر السيد نصرالله ان مشروع اسرائيل ووجودها قائم على عناصر زائلة وواهية، لماذا إذا يؤسس مشروعه في هذا السياق على قواعد واهية؟ ولماذا يصبح بقاء المقاومة ووجودها رهن بقاء نظام او سقوطه؟ على ما تروج ماكينات التعبئة الحزبية والشيعية، وعلى ما تبثّ هذا الخوف في مناسبات السبت والاحد، حين ينتشر المبلّغون الدينيون والسياسيون في مناسبات الموت. وأيّ مقاومة تلك التي بات جمهورها يخاف من ارادة الشعوب وخياراتها؟

انه الخوف وفقط، وهو جزء من بروباغندا تؤكد ان القوى الشيعية هي من وضع رهاناته كلّها في سلة النظام السوري. لذلك هي ازمة هذه القوى وليست ازمة طائفة كما هو حال بعض القوى المسيحية التي رهنت وجودها وسلوكها بهذا النظام. وتغيير النظام السوري ديمقراطيا كفيل باخراج الشيعة من القبضة السورية، وحينها ستبدأ الاسئلة حول هذه الخيارات، وستفتح المجال امام افق جديد لتضامن لبناني.

التاريخ يؤكد ان لا خيار في سورية سوى ذلك الديمقراطي مهما طالت المدة، والثورات العربية تؤكد ان هناك عقلا عربيا جديدا غير مسبوق في نزوعه نحو الحرية والديمقراطية، في ظل انظمة ضد التاريخ وفشلت في أن تحقق ما وعدت به شعوبها. شعوب باتت تدرك ان هذا اوان ومنفذ دخولها في العصر الجديد. فيما الخوف ليس سوى صناعة بعض اللبنانيين لتبرير الاستبداد والوصاية ووجودهم، ولتمديد الفوضى ونظامها القاتل.

أمس فجّر مجهولون موكبا للقوة الإيطالية العاملة في إطار قوات اليونيفيل جنوب لبنان، فورا بعد ساعات من الرسالة الأورو – أميركية التي أرسلتها مجموعة الثمانية في أكثر من اتجاه.
كانت تلك إشارة أخرى، بعد واحدة سبقتها على أكثر من حدود، بأنّ اللعب في العمل ممنوع، وأنّ الأوراق كثيرة، لم تلعب أيّ منها حتى الآن، وأنّ الورقة اللبنانية بيت بمنازل كثيرة، وغرفة بشبابيك لا تحصى…

السابق
مشاهدات من أمام المزبلة
التالي
مسيرة النكسة بعد مسيرة النكبة