حكومة “صنع في لبنان” تتعثر في غياب التدخل الخارجي

 من باب الاتصالات مجددا، تفجرت ازمة التوتر السياسي المتحكم بالبلاد، مسلطة الضوء على طبيعة التعقيدات التي تحكم الوضع الداخلي والتي تستدعي استنفارا رسميا على مختلف المستويات لتشكيل حكومة مضى اكثر من اربعة اشهر ونيف في البحث عنها، قبل الوقوع في المحظور الامني وسط ارتفاع منسوب القلق من امكان ان تفتح حادثة "الاتصالات" النافذة على خلافات طائفية ومذهبية كانت تطرح في الكواليس ولا تظهر علنا الا من قبيل تبادل الاتهامات، خصوصا بعد السجالات الاخيرة بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون ودار الفتوى.
وخطورة الحادثة انها تقع فيما الفراغ السياسي في اوجه، مخلفا تداعيات تأخذ ابعادا مختلفة في بلد تتعدد فيه الطوائف والانتماءات، اذ تذهب الامور نحو ملف خطر وحساس تأثيراته مباشرة على الوضع الامني، تستوجب من دون ريب معالجة جذرية بعيدا عن وطأة الضغوط السياسية.
ووسط تراشق التهم بين المديرية العامة لقوى الامن الداخلي بشخص مديرها اللواء اشرف ريفي الذي اعتبر ان "الحادثة جاءت على خلفية الخلاف مع "وزير الاتصالات شربل نحاس منذ اكثر من شهر بسبب حرماننا من الـ data في ذروة ملاحقتنا للاستونيين السبعة وقتلة شهيدنا راشد صبري مؤكدا ان تصدي عناصر فرع المعلومات جاء بناء على كتاب رسمي من المدير العام لهيئة اوجيرو عبد المنعم يوسف، وبين الوزير نحاس الذي وصف ما جرى بـ "انقلاب" قامت به شعبة المعلومات التي اعتبر انها لا تمتثل للقوانين والاوامر الصادرة عن وزارة الداخلية، متحدثا عن تمرد عسكري على سلطة الدولة من قبلها، اشارت معلومات صحافية الى ان سبب الخلاف محاولة الوزير نحاس تفكيك اجهزة تتضمن قاعدة معلومات data base حصل عليها "الفرع" من هبة صينية تبلغ سعتها 50 الف خط هاتفي.
نصرالله: وفي انتظار جلاء الصورة وتوضيح الرؤية، بقي كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى التحرير امس تحت مجهر التقويم السياسي في مختلف الاوساط ولئن تباينت النظرة الى مضمونه بين قوى 8 و14 آذار، الا ان اوساطا مراقبة لمسار التطورات في البلاد قرأت بإيجابية مواقف الامين العام التي خلفت ارتياحا خصوصا لجهة اعادة احياء الاتصال والتواصل بين القوى عبر لجنة "الخليلين" النائب علي حسن خليل ومعاون نصرالله الحاج حسين خليل، انطلاقا من الثوابت والمعايير التي حددها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي.
صنع في لبنان: واعتبرت ان المفارقة الابرز تتمثل اليوم في ان الحكومة تتشكل للمرة الاولى منذ اتفاق الطائف تحت شعار "صنع في لبنان" بناء على اسس وقواعد دستورية وبمنأى عن التدخل الخارجي، الذي لطالما فعل فعله في تشكيل الحكومات، وهو سبب رئيسي وفق الاوساط في تأخير ولادة الحكومة باعتبار ان القوى السياسية لم تعتد هذا النمط من تشكيل الحكومات في لبنان.
حكومة انتقالية: في غضون ذلك، يتابع الرئيس ميقاتي حركة اتصالاته المكوكية مع القوى المعنية خلف الكواليس، نائياً بنفسه عن موجة السجالات العقيمة، بالتوازي مع حراك ملحوظ يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري دفعاً نحو وفاق يعبد طريق التشكيل في أسرع وقت. وفي هذا المجال، اعتبرت مصادر سياسية متابعة ان افضل الممكن المتوافر اليوم يقضي باعتماد خيار حكومة مستقلة انتقالية من أهل الاختصاص والخبراء تمثل مكونات المجتمع كافة ولا تضم في صفوفها أسماء نافرة، مهمتها تسيير شؤون البلاد في انتظار بلورة الصورة في لبنان والمنطقة وسط المتغيرات المتسارعة اقليميا.
تكليف الاكثرية: الى ذلك، مضت اوساط في قوى 8 آذار في القاء تبعة التأخير على الرئيس ميقاتي معتبرة انه "سرق الثقة" ولم يؤد المطلوب منه فهو كلف من الاكثرية لترؤس حكومتها هي لا اشراكها في حكومته. وقالت الاوساط لـ "المركزية" انه لا يمكن لميقاتي التنكر للجهة التي مكنته من الوصول الى حيث هو اليوم، ويتوجب عليه تاليا رد الجميل لا فرض الشروط، وتنفيذ سياسة الاكثرية لا سياسته، مذكرة بأن الدستور حدد 30 يوما للبيان الوزاري بعد التشكيل، ما يعني عمليا التشكيل السريع وان لم يورد ذلك حرفيا.
الضغط الخارجي: من جهتها، عزت مصادر في الاكثرية تأخير التشكيل الى الضغط الخارجي الذي يمارسه الغرب على الرئيسين ميشال سليمان وميقاتي، معتبرة ان الشروط التي يضعها الرئيس المكلف غير مبررة ولا مفهومة، ولاحظت ان الهدف خلف الضغط الخارجي ابقاء الساحة في حال الفراغ للافادة منها في المرحلة المقبلة وسط الحديث عن ان شهر حزيران هو شهر المحكمة الدولية.
14 آذار: في المقابل، اكد مصدر في قوى 14 آذار لـ "المركزية" ان المعطيات التي ادت الى سقوط حكومة الوحدة الوطنية وتكليف الرئيس ميقاتي سقطت بدورها، بعد اخفاق الاكثرية في تشكيل الحكومة على مدى اربعة اشهر، واعتبر ان الحل للازمة يكمن في العودة عن الواقع الجديد، فالرئيس ميقاتي جاء رئيس مواجهة وان من دون موافقته على هذه المواجهة، ولن يتمكن من التملص من هذه الصفة، على رغم يقينه بعدم قدرته على مواجهة المجتمع الدولي ووصوله الى الحائط المسدود في ظل التباين الواضح مع الاكثرية على المشروع السياسي للحكومة. 

السابق
كبارة: الطائفية في المرحلة النهائية قبل ســـــــقوطها
التالي
الجميل: لا سيادة ناجزة الا بحصر السلاح في يد القوى الشرعية