الشرق الاوسط: نزوح آلاف السوريين إلى لبنان يكشف عمق التداخل الديموغرافي بين البلدين

صحيح أن عمليات النزوح من سوريا باتجاه لبنان، فرضت واقعا إنسانيا واجتماعيا صعبا للبلدين وللمناطق المجاورة، غير أن هذه الأزمة كشفت عمق التداخل والترابط الجغرافي والعائلي بين أبناء عائلات وعشائر المناطق اللبنانية الشمالية، وبين أقاربهم في المناطق والبلدات السورية المتاخمة للبنان. وهو واقع كان وسيبقى فارضا نفسه على هذه المناطق مهما تباعد البلدان في السياسة أو تقاربا.

لا شكّ أن من يزور في هذه الأيام القرى والبلدات اللبنانية الشمالية التي تغصّ بالنازحين السوريين، يتلمّس حقيقة التداخل العائلي بينها وبين البلدات السورية المتاخمة، وهذا الترابط العائلي بين العائلات يمتد في العمق اللبناني وإن بنسب أقلّ إلى ما يقارب وسط محافظة عكّار، ومن الجانب السوري يصل إلى عمق مدينة حمص التي تبعد نحو 40 كيلومترا عن الحدود اللبنانية. والدليل على ذلك أن السواد الأعظم من نازحي القرى السورية المحاذية يقيمون في لبنان عند أقاربهم وأنسبائهم.

فالخريطة الجغرافية والديموغرافية للبلدات الحدودية، تسترعي انتباه المراقبين لجهة الحجم الكبير للاندماج الأسري، فمن الجانب السوري القريب جدا من الحدود اللبنانية بدءا من النهر الكبير الذي يفصل بين البلدين، تنتشر قرى وبلدات العريضة، البقيعة، المجامع، الناعورة، العرموطة، المشيرفة، العويسات، تل الفرح، السماقيات، البويت، هيت، وجميع سكان هذه القرى من الطائفة السنية، أما بلدتا بعيون ومراسي فسكانهما علويون، وأخيرا بلدة حاويك المعروفة باختلاط سكانها من السنّة والشيعة. أما من الجانب اللبناني فتتوزّع البلدات الحدودية بدءا من العريضة، البقيعة (لبنانيتان) وادي خالد، حنيدر، المجدل، قرحة، الكنيسة وصولا إلى قرى جبل أكروم، وجميع سكان هذه البلدات من الطائفة السنيّة باستثناء بلدة قرحة الشيعية.

وبمراقبة دقيقة لتوزّع هذه العائلات والعشائر على ضفتي الحدود وما أبعد منها، يتبيّن أن عشيرة الخطبة اللبنانية في وادي خالد التي يقسّم أبناؤها على عائلات الأسعد والعكاري وسرحان وعبد الله، فإن هذه العائلات موزعة في البلدات السورية الحدودية أيضا، ففي العريضة السورية تقيم عائلة الأسعد، وفي تلكلخ عائلة العكاري، أما عائلة سرحان فهي في بلدة مجامع وعبد الله في الناعورة والخطبة في بلدة الحوز القريبة من مدينة القصير. أما عشيرة الغنّام في وادي خالد فتجمعها صلة قرابة وثيقة بعائلة المصطفى في بلدة المجامع السورية، وكذلك عائلات العويس وسعيد وحمود الموجودون ما بين بلدة العويسات السورية وقرى وادي خالد، في حين تربط عائلة المعاجير المقيمة في بلدة تل الفرح السورية الحدودية صلات قرابة بعائلات الوادي.
وبالطبع فإن واقع وادي خالد ينطبق على باقي القرى اللبنانية وما يجاورها من الطرف السوري، بحيث أن عائلتي يحي والعلي موجودتان في بلدات أكروم اللبنانية وبلدة هيت السورية، وكذلك عائلتا دياب وسعد الدين الموجودتان في حاويك وأكروم، أما عائلات الحسن وأبو زيد وأبو حولي وطحّو وعشيرة الفواعرة فهي بأعداد كبيرة في بلدتي هيت والبويت السوريتين ووادي خالد اللبنانية.

ولا ينكر سكان هذه البلدات أن ثمّة استحالة للانقطاع أو فكّ أواصر القرابة والتواصل ليس بين العائلات فحسب بل بين البلدين، ومعلوم أن أغلبية أهالي هذه البلدات اللبنانية أكثر ترددا على المدن السورية خصوصا مدينتي حمص والقصير، وما بعدهما حماه وحلب وحتى دمشق، لشراء حاجياتهم من لحوم ومواد غذائية وألبسة، وتلقي العلاج الصحي أيضا، وهذه الزيارات كانت في أوجها في فترة الحرب الأهلية في لبنان وغياب اهتمام الدولة عن هذه المناطق الفقيرة والنائية التي كانت محرومة حتى من الطرقات والكهرباء والمدارس ومؤسسات الرعاية الصحية والمدارس، وهو ما دفع بالمئات من التلامذة إلى تلقي علومهم في المدارس السورية في القرى الحدودية المذكورة.

وعلى الرغم من الانتعاش الذي بدأت تشعر فيه المناطق الحدودية اللبنانية بفضل عودة اهتمام الدولة إليها، سواء في موضوع الطرق والاتصالات والمدارس الرسمية والخاصة، فإن المناطق السورية تبقى مقصدا لمئات إن لم يكن لآلاف اللبنانيين يوميا لشراء حاجياتهم.

السابق
عكاظ: حزب الله يصمت بعد أنباء عن مقتل 10 من عناصره في سورية
التالي
الشرق الاوسط: تخوف لبناني من انتقال “العدوى” السورية إلى طرابلس