اللواء: 12 مليون دولار للسائقين شهرياً توقف الإضراب

اشترت وزارة المال، ومعها الطبقة السياسية اضراب نقابات النقل البري، من سيارات اجرة الى فانات وباصات، فضلاً عن شاحنات النقل العمومي، بما يساوي حد ادنى للاجور 470 الف ليرة، اي ما قيمته 12 صفيحة ونصف لكل مالك لوحة عمومية، وذلك في تدبير مؤقت لمدة ثلاثة اشهر قابل للتجديد، اي توظيف ما يقل عن 40 الف مواطن دفعة وحدة واعالتهم على حساب خزينة الدولة، في سابقة تفتقد الى الدستورية لجهة المساواة بين المواطنين، وغياب التشريع، بحيث لا تحمّل مالية الدولة أي اعباء مالية من دون قانون، فالمادة 68 من الدستور تنص صراحة على انه <لا يجوز عقد قرض عمومي تعهد يترتب عليه انفاق من حال الخزانة إلا بموجب قانون>، فضلاً عن مس المادة السابعة من الدستور التي تنص على ان <اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم>.

ومع ذلك، فإن الخطوة التي قضت بتعليق الاضراب الذي كان مقرراً اليوم، بقيت خطوة ناقصة، وتدبيراً مؤقتاً توافقت عليه الطبقة السياسية بكل مكوناتها، سواء في النقابات او السلطة، والتي لعب فيها الوزير غازي العريضي دوراً مركزياً بالتوصل الى تسوية مع وزيرة المال ريا الحسن، وممثلي السواقين عبد الامير نجدة وبسام طليس، فضلاً عن الاتصالات الهاتفية التي شملت الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري وسعد الحريري والرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي تابع تفاصيل المفاوضات، وكان الهم الاساسي رئاسياً، ابعاد الازمة عن الشارع، في توقيت سياسي غير ملائم، ومن شأنه في ظل الاحتقان الحاصل ان يأخذ البلد الى انفجار، او في اسوأ الاحتمالات الى تعطيل يساهم في تأزيم الوضع السياسي المتأزم اصلاً.

ولم تستبعد مصادر مطلعة ان تستفز هذه الخطوة باقي القطاعات النقابات، بتحرك مماثل لتحرك السائقين، خصوصاً وان الاتحاد العمالي العام لم يكن راضياً كلياً عليها.

وبحسابات اقتصادية بسيطة، فإن الكلفة الشهرية للتقديمات المالية الفورية للسائقين تساوي ما يقرب من 20 مليار ليرة او تزيد اي ما يقارب 12 مليون دولار وفق حساب سعر صفيحة البنزين الحالي أي ما بين 35 و36 الف ليرة، الامر الذي يعني ان الكلفة ستزيد مع ارتفاع سعر الصفيحة.

واستأثرت مفاوضات وزارة المال مع اتحادات النقل البري بالاهتمامات السياسية والشعبية والرسمية بما فيها الاضراب التربوي الذي نظمته هيئة التنسيق النقابية التي تضم روابط المعلمين في القطاعين الرسمي والخاص، واساتذة الجامعة اللبنانية وموظفي القطاع العام احتجاجاً على الفراغ السياسي وتأخير تشكيل الحكومة، والذي مر بهدوء من دون صخب أو شغب، وكاد يتحوّل إلى يوم من أيام التعطيل، على الرغم من المضمون الوطني الذي عبّر عنه، لكنه كاد يضيع في غمرة اضراب السواقين الذي فتح تأجيله الباب امام العودة إلى فتح المدارس وتأمين سير عمل المرافق والإدارات، فأعلنت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية أن اليوم الخميس هو يوم تعليمي عادي. ومن المتوقع أن تحذو سائر المؤسسات الأخرى حذوها فتفتح أبوابها امام طلابها، وكذلك بالنسبة للمصارف والمرافق والمطاعم وسواها، بعدما كان الاضراب التربوي قد حرم أكثر من مليون طالب من مقاعد الدراسة.

لقاء برّي – ميقاتي اما على الجبهة السياسية، فكان استمرار خط الاتصال مفتوحاً بين عين التينة وفردان، بحكم <القرب الجغرافي والسياسي>، فزار الرئيس المكلف الرئيس برّي ليلاً، والذي ارجأ (أي الرئيس بري) اشتباكاً مع كتل 14 آذار مُـدّة عشرة أيام، على خلفية التشريع في مجلس النواب من دون حكومة أو في ظل حكومة تصريف أعمال.

ورشح بعد اللقاء بأن هناك طرحاً جديداً تمّ تداوله للخروج من مأزق التأليف، تكتمت المصادر حول طبيعته.

ونقل زوّار الرئيس ميقاتي عنه قوله انه لن ينجر إلى المهاترات ولن يرد على السجالات، عملاً بالحكمة الذهبية: <العاقل يسكت والمجنون يتكلم>، لا سيما في مثل هذه الظروف.

وأكّد الرئيس ميقاتي تمسكه بصلاحياته الدستورية بالنسبة إلى تأليف الحكومة، وهو لا يزال ينتظر تزويده بما طلبه من ممثلي الكتل التي سمته بثلاثة أسماء لكل وزارة على الأقل، على أن يختار هو واحداً منها.

وأكدت أوساط الرئيس ميقاتي، حسب هؤلاء الزوار، انه بعد التفاهم على الوزير التوافقي لوزارة الداخلية وهو العميد المتقاعد مروان شربل، فان الرئيس المكلف متمسك بموقفه بعدم الجمع بين وزارتي الطاقة والاتصالات مع جهة سياسية أو نيابية واحدة.

وشددت أوساط الرئيس ميقاتي، والكلام للزوار اياهم، على انه مع الإسراع بتشكيل الحكومة بالاطار والأسس الدستورية، وهو لن يتساهل باستحداث اعراف تتحوّل إلى قواعد في التأليف لاحقاً.

وعدا عن زيارة الرئيس برّي لم يسجل أمس أي خرق في جدار التأليف، باستثناء زيارة الرئيس أمين الجميل للرئيس المكلف والذي حرص على ايلائها الاهتمام الإعلامي، على رغم أن الرئيس الجميل حرص من جهته على اعطائها الطابع الشخصي، مجدداً المطالبة بحكومة إنقاذ وطني، ومتحدثاً عن انقلاب من داخل الأكثرية على الرئيس المكلف، مشدداً على ضرورة تسهيل مهمته، لكنه أوضح انه ليس مفوضاً للتفاوض معه نيابة عن قوى 14 آذار، وليس وسيطاً أو مكلفاً من أحد.

الجلسة التشريعية وفي السياسة أيضاً، خرق الاجتماع المشترك لهيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الإدارة والعدل الذي ترأسه الرئيس بري لاستمزاج آراء النواب حول إمكانية الدعوة لعقد جلسة تشريعية في ظل حكومة تصريف أعمال، الرتابة السياسية التي باتت تستوطن الساحة الداخلية، غير أن هذا الاجتماع الذي أريد له أن يكون مقدمة للتوافق على معالجة بعض القضايا الملحّة كحاكمية مصرف لبنان التي اقتربت ولايتها من عتبة الانتهاء، وكذلك ملف السجون الذي بات يشكل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، بقي أسير الانقسام السياسي الحاصل حيث انعكس ذلك عدم توافق على مثل هذه الدعوة وانقسام الرأي بين مؤيّد ومعارض، خصوصاً وأن ممثلي كتل 14 آذار في هيئة المكتب ولجنة الإدارة والعدل جاؤوا الى الاجتماع بقرار اتخذ صباحاً في مكتب الرئيس فؤاد السنيورة، برفض عقد هذه الجلسة، نظراً لعدم إمكانية التشريع في ظل حكومة تصريف أعمال.

وأكد ممثلو هذه الكتل، أن الموضوع ليس دستورياً فقط، بل هو سياسي وميثاقي، فضلاً عن أن الجلسة في حال عقدت، فيها إخلال بالتوازن الوطني الذي أرساه اتفاق الطائف، وذلك استناداً إلى آراء خبراء دستوريين استأنس الرئيس السنيورة برأيهم.

وقد حرص الرئيس بري، وفق المصادر النيابية، على إيجاد التوافق على دعوته، مؤكداً أنه لا يمكن إبقاء البلد فريسة الفراغ الحاصل مع وجود مشاريع واقتراحات قوانين تتطلب سرعة في البت.

وقد جاهد الرئيس بري في إقناع نواب 14 آذار بالاتفاق على الدعوة، غير أنه لم يفلح في ذلك مع إصرار هؤلاء النواب وفي مقدمهم مروان حمادة وأحمد فتفت وأنطوان زهرا وسيرج طور سركيسيان وهادي حبيش على عدم ميثاقية هذه الجلسة في الوضع الراهن، غير أن النائب روبير غانم القريب من هذا الفريق غرّد خارج السرب بانحيازه إلى الدعوة لعقد جلسة تشريعية متسلحاً بالمادة 70 من الدستور.

وعلم أن المناقشات اتسمت بالهدوء والاستقرار، ولم تخرج عن الإطار الدستوري والقانوني، وأمام تفاوت الرأي استنبط الرئيس بري مخرجاً بإعطاء الهيئة عشرة أيام لتحديد الجواب النهائي قبل ان يأخذ القرار الذي يراه مناسباً بهذا الشأن.

وأفد بيان رسمي مقتضب عقب الاجتماع انه <تم التشاور في شأن الوضع العام في البلاد وتركز على الشؤون الملحة التي من الضروري ايجاد حل لها كموضوعي السجون وحاكمية مصرف لبنان، وان التشاور مستمر في محاولة لتأمين الموقف والفرصة المتاحة لذلك عشرة ايام>.

وعلم ان النائب علي حسن خليل تقدم باقتراح يرمي الى استمرار العمل في حاكمية مصرف لبنان الى حين تأليف الحكومة على غرار المجلس الدستوري، كما تقدم النائب ميشال موسى باقتراح قانون حول اعفاءات في بعض العقوبات التي لا علاقة لها بالجرائم الكبرى كالقتل والمخدرات اضافة الى تعديل المادة 108 من قانون العقوبات.

ولوحظ ان لقاء الاربعاء النيابي تناول ما جرى من مناقشات في اجتماع هيئة مكتب المجلس ولم يقارب الموضوع الحكومي، وقد برر بعض النواب هذا الامر الى كون ان لا جديد على هذا الصعيد وان الامور ما تزال تراوح مكانها.

تعليق اضراب قطاع النقل وكانت الصولات والجولات بين قيادة اتحادات النقل البري ووزيرة المال في حكومة تصريف الاعمال ريا الحسن قد انتهت امس الى اعلان الوزيرة استعداد الوزارة لتوفير دعم لكل سائق سيارة عمومية أو صاحب شاحنة بقيمة 12 صفيحة ونصف صفيحة شهريا )اي ما يوازي 450 ألف ليرة شهريا للآليات العاملة على البنزين)، لمدة ثلاثة أشهر، قابلة للتجديد لثلاثة أشهر أخرى في حال عدم تأليف الحكومة الجديدة، أو في حال عدم انخفاض سعر صفيحة المحروقات الى ما دون 25 ألف ليرة.

واعتبرت الحسن ان ما توصلت اليه مع اتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية ومصالح النقل خلال اجتماعها معهم امس هو حل وسطي يقضي بتوفير دعم لكل سائق سيارة عمومية أو صاحب شاحنة بقيمة 12 صفيحة ونصف صفيحة شهريا. وقالت الحسن إن الاجتماع شهد <حديثاً في العمق فنحن كنا طرحنا دعماً قدره ست صفائح محروقات في الشهر لأصحاب السيارات العمومية،

في حين أن النقابات اعلنت بعد اجتماع لجنة الأشغال العامة والنقل النيابية أن مطلبها هو 15 صفيحة في الشهر، وقد توصلنا اليوم، بعد مفاوضات صعبة، الى حل وسط يقضي بأن يكون الدعم بقيمة 12 صفيحة ونصف صفيحة شهريا لكل سائق سيارة عمومية وصاحب شاحنة.>

وبناء على تحقيق اتحادات النقل مكاسبهم المرجوة عقدوا اجتماعاً طارئاً ليل امس اعلنوا فيه تعليق الاضراب الذي كان مقرراً اليوم وابلغوه الى وزيرة المال.

الا ان هذا القرار لم يشف غليل الاتحاد العمالي العام، خصوصا وانه جاء على حساب المواطن العادي الذي يبدو انه سيدفع من جيبه الخاص كلفة <الصفقة> التي تمت بين المسؤولين والسواقين، فأعلن رئيس الاتحاد غسان غصن، الذي كان قد اعترض على الاتفاق في الاجتماع المسائي الموسع، ان المجلس التنفيذي للاتحاد سيخصص اجتماعاً في مطلع الاسبوع المقبل (الاثنين) سيعاود استكمال تحركه تحت عناوين محددة ومنها تصحيح الاجور والتقديمات الاجتماعية وكلفة بدل النقل، مشيرا الىان المواطن لا يستطيع التحمل في ظل التضخم الحاصل.

ولفتت مصادر نيابية متابعة للملف الى ان الاتفاق يجب ان يكون من ضمن خطة لتعزيز النقل العام وتخفيض تعرفة السرفيس، مشيرة الى ان فكرة دعم سعر صفيحة البنزين لكل الناس مستحيلة في ظل عدم قدرة الخزينة لها، كما ان الاتجاه لتخفيض سعر الصفيحة على غرار ما حصل في الشهور الماضية كان خطأ غير مبرر، ومثله تثبيت السعر، لافتة الىان ما تم كان نتيجة رغبة لدى الجميع بأن لا تتعقد الامور اكثر، وان لا يكون هناك اضراب كان من شأنه ان يشل البلد، او ان يؤدي الى تطورات غير محسوبة في الشارع، وان اي قرار آخر على هذا الصعيد يحتاج الى جلسة لمجلس الوزراء، وهو الامر غير المتاح في ظل حكومة تصريف اعمال.

السابق
سفير ايران عاد جرحى مارون الراس
التالي
الشرق الأوسط: تحذير المستقبل من سوء استعمال السلطة يثير علامات استفهام