المرشحون لرئاسة القضاء وسط التجاذبات بين السياسة والدين

لا يمكن للقاضي ان يُبْدِع في رسالته الانسانية وهي الحُكْم بين الناس بالعدل والإنصاف أو ان يؤدي واجباته العدلية امام الله أولاً ثم المجتمع، إلا إذا تحررً من كل قيدٍ مادي ومعنوي وتحمل مسؤولية كلً فعلٍ وقولٍ يَصْدُرُ عنه في الخفاء والعَلَن· وإلا إذا كان  هو الضابط والرقيب لنفسه! ولا يمكن للقضاء أن يسمو بمهامه ويتقِدْ بالمْهَابه، إلا إذا اتحَد القضاةُ النبلاء وتعاضدوا في تثبيت القِيَم ونَبْذِ الفسادَ وأهله وتطوير القطاع مع التطور الدولي! هكذا باختصار يكون القضاء وعلى اساسه يُبْنى المُلْك· وان الثورات الحاصلة في المنطقة وبينها لبنان لا تزرع الثقة في نشر الديموقراطية ونهجها، الا اذا ثار القضاة على المحسوبيات والسياسيين وحصنوا أنفسهم بأنفُسِهم بالمحبة والحق والإنصاف!

يُشَددُ احدُ المحامين الكبار فكرا وخبرةً على القول المأثور لا يُوَلىً القضاءُ ذو حاجة لأن هذا المِرْفَق وقودُه التجرٌد! يُعَطله التحَيٌز الذي غالبا ما يُسْنَد الى الحاجة في نفس القاضي! إن العدل مِرْفَقٌ عام الزامي يُبنى عليه اساسُ المُلك، وان وسيلة إشاعته بين الناس هو القضاء، وعلى القضاء ان يَنْتُجُ <عدالة الانسان لا عدالة الموازين والمكاييل وِفْقَ ما كان يقوله المرحوم القاضي الكبير يوسف جبران اذ لا يُكْتَفَى بتلك الموازين والمكاييل انما يُوجَب توافر العامل الانساني فيهما

وتَسَألَ هل ان التشكيلات القضائية كما حصلت عبر العهود ساهمت في تحقيق هذه الغاية المثلى؟! عيوب التشكيلات انها انعكست سلبا على افراد الوطن والاجانب الذين لهم موطىء قدم في هذا البلد وهم على صلة وثيقة في مجريات الاعمال والتوظيفات فيه.
ويختم: ان التوزيع الطائفي مُرَاعى في زمن الجمهورية الاولى المارونية، والمادة 95 من الدستور تُوَزعْ وظائف الفئة الاولى بالقسطاس والمساواة بين الطوائف! ولكن هل سيتوفر دائما رجال من الطائفة المناسبة لملء المركز الشاغر؟ علما ان مَبْنَى التعيين هو الكفاءة العلمية وهي من الندرة بين البشر بحيث اننا لا نجدها في ايٍ كان لمِا يوُجِبُ في الشأن القضائي اهمال العامل الطائفي قدر الامكان·

هدى صليبا

وإن غرف الاستئناف في الشمال اصبحت 7 وتألفت من 22 قاضيا، والنيابة العامة الاستئنافية تمثلت بخمسة قضاة، كذلك التحقيق، وبهيئتين لمحاكم الدرجة الاولى، وب21 قاضيا منفردا·

وتمثلت السلطة القضائية في البقاع بأربع غرف للاستئناف مؤلفة من 14 قاضيا، وبخمسة قضاة للنيابة العامة الاستئنافية، وخمسة ايضا للتحقيق، فيما تألفت الدرجة الاولى من محكمتين يمثلهما ستة قضاة، وتألف القضاء المنفرد من 10 قضاة، بحيث زيدت من خلال تلك التشكيلات محكمة لقضايا الجنايات يترأسها ارثوذوكسي أسوة بباقي المحاكم التي أنشأت لإرضاء الطوائف جميعها غير ان هذه التشكيلات في تشرين الاول 2006 جُمدت ولم يُعمل بها ولم توقع بل اثارت مضاعفات، حين رفضت بكركي التدخل فيها، واكد زوار القصر الجمهوري ان ، في حين صرحت اوساط وزارة العدل في حينه ان لا صحة لما يشاع عن غبن لاحق بالطائفة المارونية بعدما راعى مجلس القضاء الاعلى برئاسة القاضي انطوان خير الكفاية قبل كل شيء وحصص الطوائف وبعدما التزم مجلس القضاء الاعلى بقانون تنظيم القضاء العدلي واستعمل حقه الدستوري في التعاطي مع المراسيم العادية، وقد وقع في حينه وزير الدفاع الياس المر على التشكيلات ثم سجل تحفظا· وتتألف محاكم الجنوب من ثلاث غرف للإستئناف يمثلها تسعة قضاة، ومن اربعة قضاة في النيابة العامة الاستئنافية ومن قاضيين للتحقيق وثلاثة قضاة للدرجة الاولى·

ووُزِع ستة قضاة في النبطية لغرفتين لدى محاكم الاستئناف، وقاضيان للنيابة العامة وقاضيان للتحقيق، وثلاثة قضاة للدرجة الاولى وستة للقضاء المنفرد، و12 قاضيا لمجالس العمل التحكيمي·

اما تشكيلات العام 2010 وقد اصبح عدد القضاة العاملين في السلطة الثالثة 529 فقد زيدت عبرها غرفة في التمييز، وغرفة لمحكمة الاستئناف، وقاض للتحقيق، وغرفتان لمحاكم الدرجة الاولى، واربعة قضاة منفردين·

كما زيدت غرف الاستئناف في جبل لبنان غرفتان، وعدد قضاة النيابة العامة بحيث اصبح عددهم 10 بدل السبعة، وقضاة التحقيق اصبح عددهم 10 بدل الخمسة، وغرف الدرجة الاولى 9 بدل الستة، وعدد القضاة المنفردين 27 بدل الـ 20، كما زيد عدد القضاة في باقي المناطق 4 قضاة فاصبح عددهم 18 بدل الـ 14·

اما الشمال فقد زيد على قضاته واحد للنيابة العامة فيما انْتُقِصَ من عدد القضاة المنفردين اثنان·

وزيد في البقاع على محاكم الاستئناف غرفة بحيث اصبح عددها 5 بدل 4، وعلى قضاة النيابة العامة قاض بحيث اصبح عدد القضاة 6 بدل الـ 5 وكذلك الامر بالنسبة الى قضاة التحقيق،

اما القضاة المنفردون فقد اصبح عددهم 13 بدل الـ 11·

كذلك الامر بالنسبة للنبطية بحيث اصبحت غرف الاستئناف 3 والقضاة المنفردون 9 والاستئناف في الجنوب 5 غرف، نيابة عامة 4 قضاة، تحقيق قاضيان، درجة اولى غرفة، و11 قاضياً منفرداً·

حقوق الارثوذوكس المقضومة ان التغييرات الحاصلة خلال 18 سنة أتت بزيادة في عدد القضاة سنويا بما نسبته 17 الى 20 قاضيا، وبزيادة عدد هيئات المحاكم وفق الظروف المفروضة· ومع هذا فإن المراعاة بالعدل لكل الطوائف غير موجودة· هنالك 6 محافظات من اصل 8 تتضمن قصورا للعدل ولا بد من ان تتمثل فيها كل الطوائف بصرف النظر عن المحافظة·

ويبدو وفق واقع التشكيلات القضائية وحتى الانتخابات النيابية التي تحصل، ووفق التعيينات في المراكز الاول في لبنان، ان جميعها تُنْقِصُ من حقوق الطائفة الارثوذوكسية التي لها اليد الفضلى في نشرالانفتاح والعلم والعدالة في لبنان، وتَقْضُمْها مع الوقت والفرص، وتعمل على فَرْطِ قوتها وفعاليتها في المجتمع اللبناني، وإلا ما كان المعنيون في تلك الطائفة ينشطون مؤخراً ويتداعون وبوتيرة متلاحقة في تحركات إعلامية وسياسية وحتى قضائية للمطالبة بحقوقهم أسوة بباقي الطوائف والمذاهب، أقَلًهُ للحفاظ على مصالح تلك الطائفة الارثوذوكسية في البلاد والموجودة منذ ما قبل الاستقلال، لا سيما وأنهم من بين اللبنانيين الأوائل البارزين كفاءة وقدرة وعلما وانفتاحا·

ان المراكز العليا في القضاء اللبناني في المحافظات، هي مراكز الرئيس الاول الاستئنافي، النائب العام، قاضي التحقيق الاول، رئيس الهيئة الاتهامية، ورئيس محكمة الجنايات·

اما المراكز الاولى في القضاء الجالس فهي رئاسة محاكم الجنايات· وإذا تحدثنا عن التوزيع الطائفي والمذهبي للمراكز القضائية مستشهدين بكلام وزير العدل الحالي للحكومة المُصَرٍفَة للاعمال البروفسور ابراهيم نجار، الذي صرح بعد تعيينه وزيرا في وزارة العدل في حديث صحافي بأن الوزارة  تبحث بالسراج والفتيل عن القضاة الارثوذوكس وبالتدقيق في المذاهب والطوائف، نجد ان المراكز المعطاة للدروز مع اقليتهم، وللكاثوليك وعددهم في الملاك القضائي أقل من عدد القضاة الارثوذوكس اكثر مما أُعطيَ للطائفة الارثوذوكسية·

فقد أُعطيت للدروز مراكز قاضي تحقيق اول لدى المحكمة العسكرية وهي لكل لبنان· رئيس اول في البقاع وفي الوقت عينه رئيس الهيئة الاتهامية· رئيس هيئة اتهامية في جبل لبنان· نائب عام في النبطية· كما اسْتُحْدِثَتْ في بيروت محكمة للقضايا الجنائية منذ نحو سنتين خصصت رئاستها للسنة فيما كان القاضي الكاثوليكي الرئيس ميشال ابو عراج قبل التقاعد ينظر في كل القضايا الجنائية في بيروت، وفي القضايا الجنائية الواردة من المناطق لظروف امنية، وكانت مداوماته خمسة ايام من الصباح الى المساء مستهلكا أقصى قدراته في العطاء·

كما اصبحت محاكم الجنايات في جبل لبنان ثلاث، واحدة للسُنًة يرأسها القاضي عبد الرحيم حمود، واحدة للموارنة يرأسها القاضي هنري خوري، واحدة للشيعة يرأسها القاضي فيصل حيدر، فيما خسر الارثوذوكس رئاسة محكمة الجنايات في زحلة علما انه زيدت هيئة اتهامية في جبل لبنان رئيسها القاضي الياس عيد، وان بيروت تحتمل وجود هيئة اتهامية ثانية، كما تحتمل وجود ثلاث هيئات لمحكمة الجنايات بدل المحكمتين·

كما وان المتن يحتمل محكمة جنايات اصيلة ثانية بدل ان يوزع رئيس المحكمة الجنائية في بعبدا القاضي فيصل حيدر وقته بين محكمة الجنايات والهيئة الاتهامية الاصيلة·

وقد استُحْدِثت غرفة جزائية في صيدا للشيعة رئيسها القاضي ماجد مزيحم، وغرفة جزائية في البقاع للسُنًة رئيسها القاضي فوزي ادهم، بعدما عُيِن القاضي علي ابراهيم نائبا عاما ماليا في بيروت· كما اُعطي القاضي جان بصيبص عن الموارنة في البقاع نصف قضايا الجنايات ونصف القضايا الجنحية·

وعلما ايضا ان عدد القضاة الارثوذوكس في كل المحافظات يزيد على عدد قضاة الكاثوليك غير ان ثلاث محافظات في لبنان لم يُعْط للارثوذوكس فيها ايٌ من المراكز: الجنايات، الهيئة الاتهامية، استئناف جزائي او مدني، إضافة الى ان القضاة الارثوذوكس لا يشاركون في قضاء المحكمة العسكرية لا كمستشارين مدنيين في المحكمة الدائمة ولا في النيابة العامة ولا في قضاء التحقيق ولا في محكمة التمييز· هم موجودون فقط في بيروت حيث النائب العام الاستئنافي جوزيف معماري الذي أحيل على التقاعد في 9/5/2011، رئيس غرفة في التمييز القاضي جورج بديع كرم ويحال الى التقاعد في تشرين الثاني 2012· رئيسان في محاكم الاستئناف في بيروت القاضيان جانيت حنا، رجا خوري·

رئيس اول في بعبدا جبل لبنان القاضي نبيل موسى ويحال الى التقاعد في تموز 2012· قاضي تحقيق اول في بعبدا القاضي جان فرنيني·

رئيسا استئناف في جبل لبنان القاضيان ميشال طرزي والياس خوري· رئيس استئناف في صيدا القاضي نسيب ايليا· كما يُحال الى التقاعد ايضا في العام 2012 القاضي الارثوذوكسي توفيق جريج· ومع الإحالات الى التقاعد يَقِلُ عدد الارثوذوكس اكثر! فهل يخسر الارثوذوكس المراكز لأن هناك من يقول صار عددهم قليلاً ؟! وهل ان المراكز والغرف مُطَوبَة بأسماء أشخاص ينتمون الى جهات ما، ام هي كتب مُنْزَلَة لا يمكن الا التقيد بها فهي تَتْبَعْ العُرْف اي يأتي الخلف من المذهب نفسه اذا كان غير ارثوذوكسي، اما إذا كان أرثوذوكسيا فلا يُتْتَبَع العُرفُ ويذهب المركز الى مذهب آخر فمُلَخًص ما جرى بيانه اعلاه، هناك ثلاث محافظات من الست لا يوجد فيها اي قاض ارثوذوكسي يمارس مهامه في مركز اساسي: آخر قاض ارثوذوكسي كان في محافظة النبطية (رئيس هيئة اتهامية واستئناف مدني) نقل في تشكيلات العام 2002· آخر قاض ارثوذوكسي في البقاع (نائب عام استئنافي) احيل الى التقاعد عام 2008، وآخر ارثوذوكسي في الشمال (رئيس محكمة الجنايات) نقل في تشكيلات العام 2009، ومن خلفهم في المراكز الثلاثة كانوا من مذهب آخر· هناك في المحافظات الست 11 محكمة جنايات وليس فيها اي رئيس ارثوذوكسي، وهناك 7 هيئات اتهامية وليس فيها اي رئيس ارثوذوكسي، وفي المحكمة العسكرية 13 قاضيا وليس اي واحد منهم ارثوذوكسيا!

ولا بد من الاشارة الى ان رئيس مجلس القضاء الاعلى السابق القاضي غالب غانم اعلن في حديث صحفي بعد تقاعده بأن القضاء جسم سريع الانكسار والى وجود قضاة في السلك القضائي لا يستحقون ان يكونوا قضاة والى انه وعد بتطبيق المادة 95 من قانون القضاء العدلي المتعلقة بالتطهير، غير ان هيئة التفتيش القضائي لم تقدم له اية اسماء ليتخذ بدوره اي اجراء بحق القضاة موضع الاشتباه، معترفا ان التشكيلات الاخيرة لم تكن مثالية بل واقعية نظرا لتداخل الامور السياسية وغيرها فيها مؤكدا انه احترم الكفاءة والأقدمية في حين ليس المبدأ محترما في كثير من المراكز، حيث ترى قاضيا تجاوز عشرة زملاء له أقدم منه وأعلى درجة! فهل هذا يعني ان العشرة هؤلاء هم غير أكفاء؟ أم أنه مدعوم وهم ليسوا مدعومين؟! وهذا الوضع للأسف أصبح عاديا ومألوفاً! وموضحا ان عدد القضاة اصبح 825 قاضياً، لافتا الى افتقار الجودة في بعض الاحيان في الاحكام الصادرة·· ومؤكدا ان الحل باستقلال السلطة القضائية لا يكون الا بثقافة استقلال لدى القضاة أنفسهم· فهل عدم إنصاف بعض القضاة الجيدين وغير المُفْتَقِرين للجودة يؤدي الى ثقافة استقلال لدى هؤلاء؟!

تقرير حقوق الانسان: غياب الشفافية يقول تقرير 22 شباط 2010 لشبكة الاورو – متوسطية لحقوق الانسان حول استقلال القضاء في لبنان وحياده، إن النظام القضائي ضعيف· هناك نقص في تدريب القضاة على مضمون وسبل تطبيق المعايير الدولية المتصلة بحقوق الانسان وصعوبة في تطبيقها في الاحكام· وان المحاكم الاستثنائية بما فيها الدينية وخصوصا العسكرية تشكل انتهاكات خطيرة مباشرة للحريات وحقوق الانسان، والمجلس العدلي محكمة سياسية نظرا الى عدم امكانية تكليفه باي قضية الا من قبل السلطة السياسية، ويمثل انتهاكا صارخا لاحكام القانون الدولي لحقوق الانسان، والقوانين المُنَظٍمة لتلك المحاكم مخالِفة للدستور ولِمَبْدأي الاستقلال والحياد في اصدار الاحكام واحترام حقوق الدفاع· ويضيف إن الرأي العام يواجه ازمة ثقة فعلية بالسلطة القضائية، كما وان مجلس القضاء الاعلى الضامن لحسن سير القضاء واستقلاله ولحسن سير العمل في المحاكم، لا يُعَزز استقلال القضاء لجهتي طريقة تأليفه وسير عمله وتغيب الشفافية والمعايير الواضحة والموضوعية الْمُتًبَعَة في اجراءات تعيين القضاة او نقلهم او ترقيتهم الى حدٍ طالب بعضُ القضاة المجلس مباشرة بتعديل ممارساته لضمان احترام استقلالهم ونزاهتهم·

والتنظيم القضائي يطرح مشكلة بذاته تتعلق بالقواعد التي ترعى عملية اختيار القضاة وتدريبهم وتدرٌجِهِم وضمان عدم جواز نقلهم بالاضافة الى الاجراءات التأديبية الْمُتًخَذَة في حقهم لا تضمن حتى استقلالهم الفعلي·

كما ان القيود المخالِفَة للمعايير الدولية والمفروضة على حرية القضاة في التعبير وتأسيس الجمعيات والاجتماع، تُجَسِد بشكل واضح الانتهاكات المُمَارسة ضد استقلالهم· وان التدخلات السياسية والدينية تشكل تهديدا اضافيا لاستقلال القضاء لما يُمَكِنها من عرقلة اجراءات التعيين والنقل الى جانب إعاقة سير العمل في المؤسسات القانونية·

وأسِف التقرير لسوء العلاقة القائمة بين السلطة القضائية ووسائل الاعلام.

ويؤكد التقرير انه بالنظر الى قلة الضمانات الممنوحة للقضاة في لبنان، يستغل بعض المسؤولين السياسيين الوضع لتمرير ممارسات مشبوهة او غير مشروعة من خلال رشوة القضاة او التلاعب بشروط تعيينهم· وتؤدي الممارسات القائمة على الرشوة والشائعة في السلك القضائي الى تفاقم ازمة الثقة القائمة حيال القضاء اللبناني···

معايير التشكيلات إن أهم المعايير الواجب تَوَسٌلُهَا لإقامة الحد بين الحق والباطل وفق المصدر الحقوقي في هذا التحقيق هو معيار الكفاءة المسلكية الاخلاقية! ثم الاقدمية، النضج في الاداء، العلم، الخلفية الفقهية والتجربة الرائدة للقاضي كاستاذ جامعي وهو مجتهد مُطَبٍقٌ للقانون يصْقُل قدرته على استنباط واصدار الاحكام الاجتهادية الصائبة من خلال الاحتكاك مع الاجيال ومناقشة مستواها نظريا وعمليا عبر القوس·

كذلك لا بد من اعداد القضاة وتأهيلهم على نحو كامل متكامل لا سيما لجهة اللغات الاجنبية فالقاضي اللبناني لا بد من ان يتقن اللغة الفرنسية، وهي لغة البحوث القانونية بامتياز واللغة الانكليزية ايضا! فهل تراعي التشكيلات هذه الاهمية؟ كما وان العامل المناطقي مهم جدا في التشكيلات، حيث ان القاضي ابن منطقة معينة لا يسوغ ان يحكم فيها وان يتوهم البعض تجرده بحكمة!! من هنا يتبين التعارض عندما يُشَكلُ ابن الجنوب قاضيا الى الجنوب، وابن الشمال قاضيا الى الشمال··

ويضيف المصدر هذا المرفق واجبٌ على كاهلِ مَن أُسْنِد اليه ويجب ان يترسل في ادائه فيذهب الى حيث تدعو الحاجة الى ذهابه ووجوده للقيام بعمله على خير ما يرام فالعامل المناطقي يندرج منه العامل العائلي لان ابن المنطقة هو بين اقربائه وفي وقوف متداعين امامه في عداد اهله الاقربين حائل دون احقاق الحق ومدعاة الى رده وطلب تنحيته (ما يعرقل الدعوى) علما ان العهد الشهابي كان اكثر العهود محاولة في التخفيف من وطأة المناطقية في التشكيلات حتى الوظائفية غير القضائية (مثلاً التعليم)·

منطق له انعكاسه القانوني الصرف على الملفات (تنحي -تحيز – عرقلة سير المحكمة – تاجيل لسبب يتعلق بتكوين المحكمة) وكلما اعتمدنا نظام الاحكام المنفردة المؤلفة من قاض واحد وجب علينا ان نعتني اكثر باهليته مع مراعاة النضج للسن ليضطلع باعباء مهامه على خير ما يرام· فهل ان التشكيلات تستجيب لكل هذه العوامل والمعايير وهل تقارب في شأنها ومضمونها ومتونها حدود الكمال في هذه الجهة·

بالطبع ان الكمال لله والنقص يبقى في صنائع الانسان· لكن من هنا تتكشف لنا عيوب التشكيلات التي انعكست سلبا على افراد الوطن والاجانب الذين لهم موطىء قدم في هذا البلد وهم على صلة وثيقة في مجريات الاعمال فيه والتوظيفات·

المرشحون لرئاسة القضاء الاعلى ان مجلس القضاء الاعلى بعد احالة رئيسه القاضي غالب غانم الى التقاعد، يتألف اليوم من 9 أعضاء يترأسه بحكم القانون الخاص بالمجلس القاضي الحُكْمي المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا، الذي تنتظره اعمال قضائية مفصلية هامة تتعلق بشؤون سير العدالة في قصور العدل ومحاكمها اضافة الى اعماله كمدع عام لمحاكم التمييز· والمجلس اليوم في صدد اقتراح أسماء المرشحين لهذا المنصب·

ومع تأليف الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، في حال وُفِق، أو غيره، للحكومة، سوف يتبع ذلك إجراءات التعيينات المقترحة من الوزارات، لتصدر مراسيم التعيين، وبذلك تدور دورة التشكيلات القضائية عفوا لأن التعيين يستتبع مناقلات جديدة قد تكون جزئية او شاملة لملء الفراغات التي يحدثها نقل صاحب الاسم المقترح المعين رئيسا للمجلس·

ولدى العودة الى القوانين المرعية الاجراء في التعيين والتدقيق في التشكيلات القضائية التي اجريت في العام2010، يتبين ان المرشحين للمنصب هم في المبدأ أولئك القضاة الذين يَشْغَلُون اعلى المراكز في القضاء، وهي مراكز قضاة محاكم التمييز، وبذلك يكون الرئيس المُقْتَرَح حُكْما من بين هؤلاء القضاة الذين يتمتعون بالكفاءة العلمية والخبرة والمقدرة على استيعاب الامور بكل صلابة وحكمة·

وقد درج التقليد نظرا لواقع وتاريخ القضاء والسياسية، اختيار رئيس مجلس القضاء الاعلى من الطائفة المارونية، وبذلك يصبح المنصب محصورا في القضاة الموارنة من اصل 45 قاضيا في محاكم التمييز وهم وفق الاكبر سناً بالولادة:

رئيس الغرفة الاولى لدى محكمة التمييز الياس حبيب بو ناصيف المولود في 9-4-1944 في كفرقطرة وهو اليوم عضو مُنْتَخَب في مجلس القضاء الاعلى، دخل السلك في 23 شباط 1977 ولم يُنصف نظرا لكفاءته ونزاهته إلا في التشكيلات الاخيرة، وهو يُحَال الى التقاعد في 9/4/2012· المستشار في الغرفة الثالثة فايز اسعد حنا مطر من مواليد 10/2/1945 تنورين، دخل القضاء في 1/9/1977 ويُحال الى التقاعد في 10/2/2013، رئيس الغرفة التاسعة انطوان بشارة ضاهر من مواليد 4/11/1945 دخل القضاء في 30/3/1978 ويُحال الى التقاعد في 4/11/2013·

الملحق بوزارة العدل نعمة اسعد لحود من مواليد 16/12/1945 وادي الدير، دخل الى القضاء في 22/2/1977وشغل منصب عضو في مجلس القضاء الاعلى في المجلس السابق، يحال الى التقاعد في 16/12/2013·

رئيسة محكمة التمييز العسكرية منذ 4 سنوات القاضية أليس شبطيني العم، مولودة في طرابلس 15 اذار 1946نقلت بالزواج الى بلدة حالات· دخلت القضاء في1 ايلول من العام 1977وتُحال الى التقاعد في 15 اذار 2013، وقد أظهرت وفق مصادر مُعَاصِريها في القضاء، وكما يعرفها تاريخها القضائي صلابة في المواقف مُدَعًمَة بالحكمة في تطبيق القوانين واصدار الاحكام العادلة، وهي إن أُنْصِفت، وفق النصوص القانونية والتراتبية في الخدمة والمدة المتبقية لها، يُرَجًح تعيينها رئيسة لمجلس القضاء الاعلى، فتكون المرأة الأولى التي تُعين في هذا المنصب والمناسِبة له، لا سيما وانها شفيعة لبنان في القضاء وليست فقط شفيعة المظلومين، والقضاء بحاجة الى مثيلاتها، ولا سيما ايضا ان لبنان هو الاول في مواكبة التطور على كل الصعد، فكيف به يواكبها على الصعيد القضائي، وعلى صعيد مشاركته في اليوم العالمي لحقوق المرأة خصوصا ان القضاء مقبل على تغييرات جمة بينها التطوير وإعادة التأهيل وإنصاف القضاة لكي يصبحوا قادرين على إنصاف المتقاضين من المواطنين والاجانب·

القاضي الدكتور انطوني اميل عيسى الخوري المولود في بعبدا في 25 شباط 1947 وهو في الاصل من بشري، دخل الى القضاء في 17/11/1977 ويحال الى التقاعد في 25/2/2015 وقد شغل منصب رئيس هيئة التفتيش القضائي اشهر من الزمن قبل تعيين الرئيس الاصيل·

وتناقلت الهمسات ايضا ترشيح القاضي رئيس مجلس شورى الدولة شكري سليم صادر المولود في بسوس 6/12/1950، وقد دخل القضاء في 23/2/1977 ويحال الى التقاعد في في 6/12/2018 مع التناهي بعدم رغبة صادر اليوم تسلم هذا المنصب·

تحصين القضاء والبلاد والعباد طالما ان الطائفية تلعب دورها في التشكيلات القضائية الى حين جعل القضاء اللبناني مستقلا ماليا وخدماتيا، وطالما ان عدد القضاة اصبح وفق تصريح الرئيس غالب غانم 825 قاضيا، فلْتُوَزًع المراكز والمناصب وبحسب المصادر المطلعة بإنصاف وبشفافية وإلا فإن صَرْح القضاء سينهار حجر زاوية تلوى الاخرى، وسيبقى محتاجا الى من ينصفه ويبقى ضعيفا غير جدير بإصدار الاحكام!

إن ردم الهوة بين الناس والسلطة القضائية لا يصحٌ ولا يَجْلُس الا بتقويم اوضاع القضاة بِدْءً من الرواتب، المناقلات، الى وضع الضابطة العدلية بتصرف القضاء عمليا ضمن نهج إنساني متماسك لا يسمح بثورات السجون! وان اصطلاح السلطة لا يكون الا عبر تحقيق الامور التالية:

كشف قتلة القضاة الاربعة إن هم لا يزالون على قيد الحياة ومحاكمتهم سريعا لاستعادة هيبة القضاء· تماسك السلطة القضائية بالخير بعيدا عن الفساد· توزيع القضاة كلٌ بحسب درجته وكفاءته من دون تمييز· التدقيق في نوعية القضاة المنتسبين الى هذا القطاع الحيوي الأهم للبلاد والعباد خصوصا لناحية المسلك الاخلاقي الذي يُوازي أهمية العلم·

اعطاء كل الطوائف حقوقها· استنباط الهيئات الناقصة وفق عدد الطوائف المُعْتَمَدَة·توزيع اللجان بصورة عادلة على القضاة، لا أن يَسْتَأْثِر ببعضها قضاة وآخرون لا يُذكر إسمهم في اللجان إلا بِحُكْم الضرورة كما في لجان القيد الانتخابية، وبعضهم يبقى في لجان حتى بعد إحالته الى التقاعد في حين يجب ان يكون هذا من حق غيره من القضاة العاملين·

تحسين رواتب القضاة والموظفين على السواء وعدم السماح لهم باستغلال موقعهم لوظيفة اخرى مثل نقل اخبار القضاء السياسية الى الجهة السياسية التي وظفتهم، اوالعمل بصفةٍ صحفية لتغطية نفقات المعيشة المرتفعة، او بصفة مُخْبِرٍ لجهةٍ إسْتِخْبَارَاتِيًة من خلال وظيفتهم الحساسة·· نقل الموظفين وتوزيعهم كل فترة خصوصا اولئك الذين يُلْحَظ عليهم مَسْلَكِيًة تُسِيءُ الى المُتَقَاضين والقضاء مع ضرورة تدريبهم المستمر على الانفتاح الفكري والتحرر من كل قيد حزبي او ديني او مادي·

تفعيل سلطة التفتيش القضائي بإنشاء مكاتب للهيئة في المحافظات للمراقبة ولتفعيل العمل القضائي جَدٍياً نحو الافضل وتطوير عمليات التفتيش بتأهيل القضاة لِيَبْرَعوا في كَشْف الاخطاء والتًلَاعُب، بأن يُعَيًن مثلا في كل قلم قاض مختص بمراقبة الملفات والسجلات في تسيير امور القلم· زيادة عدد قضاة التفتيش للقيام بأدق المهام الموجودة في السلطة القضائية·

والأهم والى جانب كل هذا فَتْحَ كُوةً منيرةً مع الصحافة الحُرًة غير المحسوبة على احد تُؤَسٍسُ لإعلام قضائي صَلْب كون السلطة القضائية صامتة بوجود احكام عادلة تتكلم عنها·

هذه هي الأسس الصحيحة لقضاء نزيه يُحَصٍن البلاد والعباد، تجعل منه منارة هدى وعدل يقبل باحكام قضائه وقُضاته جميع المتقاضين·

السابق
تكريم الراحل علي سعيد بزي
التالي
الأحوال الشخصية: عودة إلى الدولة