إبل السّقي: قرية التوراة والنروج والآبار

بين هدوء المكان وروعة العمران اللبناني، إبل السقي تحكي عن تاريخ لبنان أخبارا وأخبارا: جمال بيئي، إنفراد في بعض أنواع الطيور،  أشجار كثيفة،  صنوبر وسرووسنديان. والقرميد الأحمر حكاية مميزة.
ضيعة تجمع أبناءها على اختلاف مذاهبهم، كنيستها تحكي الكثير عن الوفاق والتآلف، وشوراعها تحكي الأكثر عن نظافة وترتيب وأناقة في تنظيم وترتيب الأمور البلدية .

إبل السقي ترنوعلى كتف هضبة من هضاب قضاء مرجعيون، ترتفع عن سطح البحر نحو 650 مترا، يحدّها من الغرب بلدات: جديدة – مرجعيون، دبين وبلاط، ومن الجنوب: مزرعة سردة، ومن الشرق: الميري ومجرى الحاصباني، ومن الشمال بلدة كوكبا.
يقال إن كلمة إبل تعني باللغات السامية القديمة الكلأ أوالعشب، أما كلمة السقي فهي تفسير للفظة إبل العربية. وهناك تفسير آخر بأن معناها الناسك أوالراهب، لابس المسوح. وردت  أسماؤها في الأسفار التوراتية. من أسمائها القديمة : “إبل الهواء، إبل الكروم، إبل المياه، إبل الزيت”.. وقد ورد ذكرها في التوراة في الاصحاح السادس عشر من اخبار اليوم باسم “إبل الهوا”، وفي دائرة المعارف باب كلمة إبل، وأيل، وايضاً عند ابن عساكر في كتابه «تاريخ دمشق»، وفي العديد من المراجع الاخرى.

تضمّ البلدة أربع عيون ماء و15 بئراً ارتوازية أقامتها الدولة وأبناء البلدة، تستخدم ثلاثة منها  للزراعة وواحدة للشفة وأخرى لسقاية أبناء القرى والبلدات المجاورة، وبالتالي فان قطاعها الزراعي نشيط. وهي تشتهر بزراعة الزيتون والكروم وأشجار التوت لتغذية دود القز، والحبوب وابرزها الحنطة والقيطاني، والمزروعات الصيفية، أما أبرز ثمارها فالتين والعنب. ولكن منذ الإجتياح الإسرائيلي للبنان وحتى الان قلّت هذه الزراعات، وما بقي منها هو شجرة الزيتون، الأكثر تحملا لقسوة الزمن.

رئيس البلدية فؤاد سعادة ومسؤول النشاطات في البلدية الياس اللقيس يحكيان لـ”جنوبية” عن أهم النشاطات التي تقوم بها البلدية كل سنة. ويشرحان أنها تنقسم نوعين: الاول هو علاقات عامة مع قوات الطوارئ الدولية، تستهدف من خلال الأنشطة  توطيد العلاقات معهم وخصوصا بعد تزواجهم اوتناسبهم مع اكثر من ثلاثمئة فتاة من الضيعة. لهذا يقام كل سنة احتفال في السابع من ايار، وهويوم عيد إستقلال النروج،  يزور لأجله نحو 150 نروجيا من كبار السن، ومن الذين خدموا في اليونيفل، إضافة إلى حضور جيرام من المناطق المجاورة.

اما النشاط الثاني فهو “يوم الضيعة”. فبعد الانتهاء من المخيم الشبابي صيفا، يقام حفل ختامي يعرف بـ”يوم الضيعة” في 15 آب، بعدما  وقعت البلدة اتفاق توأمة مع إحدى المدن النروجية.
يقول صالح  محمد البار، أحد أبناء البلدة: “تعايشنا منذ القدم، شيعة ودروز ومسيحيين، ولم يكن الاهل يشعرون بالاختلاف الديني، حتى في زمن الاختلافات الطائفية والمذهبية في لبنان، لذا فإن تصنيف هذه القرية بانها نموذجية لا يقتصر على المناخ والبيئة والنظافة، بل يتعداها الى علاقة الاهالي ببعضهم البعض”.

وكما قرى الجنوب كلّها فإنّ إبل السقي ضحية إهمال الدولة: “الدولة مقصّرة كثيرا اتجاه قرى الجنوب وتجاه ابل السقي، فالمركز البلدي الذي نجلس فيه هو تقدمة من احد ابناء الضيعة المغتربين في البرازيل، وهو جورج ابوسمرا”، يقول صالح البار. وعن أضرار حرب تموز التي نالت البلدة منها نصيبا بارزا، فإن ملف التعويضات من مجلس الجنوب لم يكتمل حتى الآن وكثيرون لم يستلموا اموالهم، بحسب الأهالي.
في البلدة يبرز دور “جمعية نور”، كما هي لافتة علاقة الأهالي الودية مع الـ”يو ان دي بي”، وهناك متحف خاص بالكتيبة النروجية أقامه اهالي القرية، بالاضافة الى العلاقة الجيدة مع الاتحاد الاوروبي الذي قدم ويقدم الكثير لابل السقي. كما يوجد في البلدة مستوصف للخدمات الصحية وناد رياضي وإجتماعي ومدرسة رسمية.

إبل السقي واحدة من أجمل قرى الجنوب، وتبقى مقصدا للكثير من الفنانين الذين يستوحون الالهام من جمالها وحرشها الأخضر. ومن أشهر أبنائها شيخ الأدب الشعبي في لبنان “سلام الراسي”  الذي قدم للمكتبة العربية 16 كتاب، ورجا سعادة، أحد العلماء المعروفين في الولايات المتحدة الأميركية، وتحديدا في مركز الفضاء الاميركي، ورياض افندي ابو سمره، الذي كان رئيس البلدية منذ 40 سنة تقريبا، وهو من الشخصيات اللامعة في البلدة.

السابق
4 قتلى وعشرات الجرحى بنيران اسرائيلية على محتشدين في هضبة الجولان
التالي
خلاف على منصة الكلمات بين قيادات “مسيرة العودة”!!!