فضل الله لإسقاط المراوحة والجمود

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما قال في خطبته السياسية:

تتلون المواقف الدولية، وتتبدل معايير الإدارات الغربية من الأحداث والتطورات الحاصلة في العالم العربي، لكنها تظهر مزيدا من التمسك الغربي بالكيان الصهيوني، ومزيدا من الإصرار على إظهار الشعوب العربية والإسلامية في صورة هويات مختلفة ومتناقضة، وفي صورة عشائر وقبائل ومذاهب متقاتلة ومتناحرة، تمهيدا لإسقاط هويتها الدينية الجامعة، وعناصرها الوطنية الموحدة. ومع الأسف، يجد هؤلاء كل الأرضية المهيئة لإظهار هذه الشعوب بمثل هذه الصورة.

اضاف: وضمن هذا المخطط، تنطق الإدارات الغربية ومجالس التعاون بلسانين، فتنطلق المواقف الأميركية والفرنسية والبريطانية متحدثة بلسان الحرص على الإصلاحات وحقوق الإنسان في هذا البلد العربي أو ذاك، ثم تتقرب من الأنظمة نفسها، وتسعى لإيجاد موطئ قدم لها وسط لهيب التطورات، لتحجز لمصالحها ومصالح كيان العدو مقعدا قد تسعى من خلاله لإدارة الدفة وفق حساباتها الاستعمارية ومعاييرها الاستراتيجية. إن ما يستوقفنا في التعاطي الغربي مع قضايانا، هو ما يحمله الموفدون المباشرون أو المتحدثون بالواسطة، من عروض للمقايضة، ورسائل سياسية واضحة الأهداف والغايات، تضمن لهذا الفريق أو ذاك النظام الاستمرار وتأمين الحماية الخارجية له، شريطة أن ينتقل تدريجيا من مواقع المقاومة والممانعة إلى مواقع أخرى، ومسارات سياسية واستراتيجية مختلفة، يريد لها الغرب أن تتصدر عنوان المرحلة القادمة، وإلا فإن الإمعان في إثارة العناوين الطائفية والمذهبية لتفكيك دول الممانعة سيبقى متواصلا.

ودعا دول الممانعة والشعوب العربية والإسلامية، إلى الوعي والتنبه من كل الذين يريدون اللعب على تناقضاتهم، وأن يعتبروا أن وحدتهم وتماسكهم وتجميع عناصر القوة لديهم، هو السبيل الوحيد لإزالة كل هذا الاستكبار عن صدورهم، وجعلهم أحرارا يملكون مواقع القوة الكبيرة.

اضاف:وفي ظل هذه الأوضاع والتطورات، نتطلع إلى فلسطين، إلى القضية التي لا بد من أن تبقى محور الحركة والصراع، لننظر إلى كل ما يجري في منطقتنا وعالمنا من منظار القضية الفلسطينية، ونحن في الوقت الذي نستذكر فلسطين في ذكرى اغتصابها التي تمر علينا بعد أيام، نستذكر برقيات بعض رؤساء الدول العربية في العام الفائت إلى قادة الكيان الصهيوني، لتهنئتهم بما أسموه يوم الاستقلال.

وتابع:لقد تداعت هذه الأسماء، وباتت في موقع المحاكمة والمساءلة أمام الثورة التي انطلقت مدوية في مصر.. ولكننا نريد لهذه الثورة وغيرها، أن تجعل المسألة الفلسطينية نصب أعينها، لتنطلق كل هذه الثورات، فتحول يوم النكبة إلى يوم انتصار للأمة كلها، وتعيد كتابة التاريخ وصياغة المستقبل من هناك، من قلب فلسطين المحتلة، ومن أطرافها التي تتصل بكل مفاصل الحركة السياسية في العالم العربي والإسلامي، ليكون الموقف واحدا وحاسما في عودة فلسطين إلى أهلها، وفي الاقتراب أو الابتعاد عن أي موقع سياسي، انطلاقا من رؤيته وعمله وسعيه لحساب القضية الفلسطينية، وبالتالي لحساب شعبه وكل شعوب المنطقة.

وقال:اننا ننظر إلى ما جرى في مصر في الأيام الماضية بكثير من الخطورة، في المحاولات الخطيرة لإشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، وسقوط عدد من الضحايا والاعتداء على كنيسة قبطية، في عملية فوضى جديدة لم تتضح كل ملابساتها إلى الآن، وإن اتضحت الأهداف الخطيرة التي رصدتها القوى المعادية. إننا نؤكد على الشعب المصري، بكل طلائعه الواعية، أن ينتبه إلى كل ما يجري، وألا يفسح المجال للأجهزة الاستخبارية الصهيونية، والعناصر الدخيلة على مسألة الوحدة المصرية، والجهات المعقدة في تطلعاتها وأساليبها وحركتها، بتعكير صفو الحياة السياسية والأمنية والاجتماعية في مصر، والعودة بها إلى الوراء، بعد الحدث الاستراتيجي الذي أطلقته الثورة المصرية، والذي تحاول المحاور الدولية والإقليمية الالتفاف عليه من أكثر من طريق، وفي أكثر من أسلوب، لدفعه إلى الاختناق الداخلي في لعبة التقاتل المذهبي، ومنعه من أن يطلق شرارات الحرية في المواقع المحتاجة إليه، في طول العالم العربي والإسلامي.
واكد على ضرورة عودة الحوار إلى البحرين، لأنه لا حل بالعنف، ولا بإصدار أحكام الإعدام، ولا بالتقوي بالآخرين، ولا باعتقال المواطنين، بل إن الحل هو بأن تحاور الدولة مواطنيها الذين يريدون أن يشعروا بالأمان والحرية والعدالة، وأن يكون لهم دولة تفكر فيهم لا عليهم، دولة شفافة تشتغل بالعلن لا بالسر. ونعتقد أن هذا الأمر هو ما يريده شعب البحرين، فهو ما إن يرى جدية في الحوار، لا مناورة أو عملا لكسب الوقت، سيكون حاضرا لكل حوار يوصل إلى نتيجة، ويعيد البحرين إلى دورها الريادي، كونها تعبر عن واحة للوحدة الإسلامية والوطنية، وللتفاعل المطلوب مع قضايا المنطقة.

وتطرق الى الوضع في لبنان وقال:أما لبنان، فيعود الحديث فيه إلى نقطة الصفر عن حكومة تقف عند حدود وزارة معينة، وعن شياطين التفاصيل التي تدخل بين الحين والآخر على ضفاف الحركة السياسية، فتبعثر أوراق التأليف، وتترك البلد في مرحلة التصريف. ويحدثونك أكثر من ذلك، عن مجموعة من الشروط الدولية التي تمثل ثقلا على كاهل أية حكومة قادمة، وتساهم في فرملة كل التحركات الآيلة إلى إطلاق عجلة التأليف.

اضاف: إن الاستغراق السياسي والانشداد العملي إلى هذا الواقع الذي يلقي فيه كل فريق تهمة التعطيل على الفريق الآخر، يمثل سقوطا في خط المسؤولية السياسية والاقتصادية الكبرى أمام الناس في ظل الاستحقاقات الكبيرة داخليا، والمتعلقة بالمديونية وبالكوارث المعيشية والخدماتية التي يبشر بها الكثير من المسؤولين الذين أدمنوا الحديث عن المشاكل والأزمات التي تنتظر الناس، من دون أن يقدموا لهم الحلول والبدائل. هذا إلى جانب عودة الحديث عن المحكمة الدولية بكل تداعياتها على الواقع الداخلي، وبكل ما لها من خلفيات سياسية. إن هذا الواقع الذي يزداد سوءا على كافة المستويات، بات يستدعي تحركا شعبيا، لإسقاط حالة المراوحة والجمود التي توشك أن تسقط كل الرهانات على قيام لبنان مجددا، ونهوضه من أتون أوضاعه الداخلية، ومن بين كل العواصف الهوجاء التي تهب عليه من المنطقة.

وختم: إن بلدا يتهدده العدو الصهيوني في كل يوم، لا يمكن أن يبقى يعيش في ظل السجالات والمماحكات، لقد تعودنا في لبنان أن ننتظر من الآخرين قرارهم ولا نزال على هذه العادة. فهلا جربنا ولو لمرة واحدة، وفي ظل انشغالات العالم بمشاكله، أن نتوحد على هذا، البلد على إنسانه وحاضره ومستقبله.. ليشعر كل واحد بأنه في بلد لا في ساحة العواصف التي تأتي من هنا وهناك.

السابق
فتفت:ميقاتي قرر الاستسلام امام تحالف عون – حزب الله
التالي
احمد قبلان: لاخراج التأليف من حال التخبط