مخرج من الدوامة

يطرح بعض السياسيين والمعلقين سؤالا حول «صمت العرب» حيال ما يجري في سوريا، وتساؤلات حول الموقف الأميركي، ولماذا هو مختلف عن موقف أميركا في تونس ومصر. والجواب لأن سوريا حقا ليست تونس ولا مصر. ليس بمعنى أنها ليست في حاجة إلى إصلاح شامل وتغييرات عميقة في هيكلية النظام، ونفض بعض الرموز المسيئة إليه، في دمشق وفي لبنان، وإنما لأن سوريا نسيج اجتماعي ودور إقليمي مختلف جدا.

وقد تأخرت عمليات الإصلاح كثيرا في دمشق، ولم يعطَ مجتمع حيوي وعريق مثل المجتمع السوري ما يستحق. ولكن إجراء الإصلاحات دفعة واحدة في ظل هذه الموجة الواسعة من الاحتجاجات، أمر غير واقعي، إن لم يكن مستحيلا. ومن المؤسف أن الدوامة حاصرت النظام والمعارضين. وصار صعبا على كل فريق أن يتراجع إلى دائرة التصحيح. لكن اللافت أنه رغم العزلة العربية والدولية، فإن ثمة إجماعا على عدم التعرض إلى النظام. والعرب، كما سواهم، لا يريدون أن تحل في سوريا الفوضى التي حلت في مصر، أو نهر الدماء العظيم الذي حل في ليبيا.

كذلك لا يمكنهم أن يتجاهلوا مطالب المعارضة في سوريا، التي لقيت في البداية تعاطفا كغيرها، إذ طرحت شعار الحرية والكفاية ورفع الاحتكار الحزبي، الذي نقل في مرحلة ما، عن النظام السوفياتي. لكن هذه الشعارات تحولت إلى نزاع دموي لسببين: تمهل النظام في قراءة المناخ العربي المحيط، واستعجال المعارضة في اختصار 50 عاما في خمسة أيام. حاولت دمشق أن تبدو، وكأنها ليست مثل سواها من الدول العربية. فهي دولة ممانعة عسكرية ومواجهة سياسية. لكنها لم تنتبه إلى أن القضايا المطروحة اليوم داخل الحدود لا خارجها. وأن الذي أسقط بن علي ومبارك لم يكن السياسة القومية بل غياب الحريات وانتشار الفساد.

لم تساعد سوريا في استمهال القرارات، المنظومة الإعلامية القديمة، بل أدى أداؤها إلى نتائج عكسية ومؤسفة أحيانا. ولا شك أنها كانت أقل بكثير من رؤية رئيس الدولة أو من توقعاته. ولم تدرك هذه المنظومة، أو حتى لم تشعر، أن أسلوبها هو أحد أسباب الاعتراض. الأسلوب، وليس الشعارات. فليس بين المحتجين من يريد سوريا أقل وطنية، ولا بينهم من يحلم بوصول الديمقراطية والحرية على أكتاف بعض رموز النظام السابق.

لم تصل الأزمة في سوريا إلى مرحلة الانشقاقات التي وصلت إليها في تونس ومصر وليبيا واليمن. ولكن كيف يمكن التوصل إلى نقطة التقاء، يعطى فيها النظام فرصة المراجعة بهدوء، وتعطى سوريا فرصة الخروج من دوامة العنف؟

السابق
اللواء: أسماء للداخلية تحشر سليمان … وحزب الله يدعم الرابية
التالي
الجريدة: سليمان وميقاتي أمام خيار حكومة تنتج أكثرية نيابية تختلف عن التي سمت الرئيس المكلف