العجز عن تشكيل الحكومة صفعة لقوى 8 آذار

يشكل عجز الاكثرية الجديدة عن تشكيل حكومتها، بعد جهود استغرقت حتى الآن مئة يوم من دون نتائج محتملة في المدى المنظور، صفعة لقوى 8 آذار سواء كانت اسباب التعثر داخلية تتعلق بتقاسم الحصص بين اطراف الفريق الواحد وتراجع الثقة، او خارجية تعود الى انتظار جلاء الاوضاع في المنطقة وخصوصًا في سوريا.

فالرئيس المكلف نجيب ميقاتي اعلن ان الاسباب داخلية تتعارض مع رغبته في قيام حكومة منسجمة لا تستفز اي فريق، وهو يتمسك بوضع الوزارات الامنية في أيد حيادية تجنبًا للكيدية.
ورغم اعتصامه بالصمت عن الاسباب الحقيقية، فقد اعلن امس الاربعاء وجود "الكثير من المطالب من قبل الكتل والافرقاء التي دعمت ترشيحي ونقوم بمعالجتها بالتعاون مع رئيس الجمهورية بما يناسب تصورنا وما يتوافق مع احكام الدستور".
في المقابل، يحمّل النائب ميشال عون وأعضاء كتلته البرلمانية ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال سليمان مسؤولية التأخير: الاول تلبية لمطالب اميركية حفاظًا على مصالحه الاقتصادية الواسعة والثاني لمصالح اهمها انتخابية.
وقال عون مؤخراً إن "مطالب ميقاتي هي التي تعرقل التأليف لا مطالب الكتل"، وتابع "التعطيل متأت على يد رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية"، لافتاً الى ان خلفيات عدم التأليف "تعود لأسباب خارجية".
وكان رئيس البرلمان نبيه بري قد وعد بانجاز الحكومة بعد عطلة عيد الفصح، ليتبين انه وعد في الهواء. وهو أعرب هذا الاسبوع للمرة الاولى عن يأسه من انجاز تركيبة حكومية رغم وصفه عقدتها بأنها "سخيفة" مما يدفع الى التساؤل عما كانت ستكون عليه الحال لو كانت العقدة غير ذلك.

وأدى الخلاف الى تأكّل الثقة بين ميقاتي وقوى 8 آذار التي كلفته، والتي بات واضحًا انها توافقها اقتصر على الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري من دون الاتفاق على برنامج عمل لاحق.
وساهمت وثائق ويكيليكس، التي ستتوالى بعد ان اصبحت تنشر في صحيفتين لا صحيفة واحدة، في تفاقم انعدام الثقة بالرئيس ميقاتي وحتى بزعزعة الثقة بين اطراف قوى 8 آذار.

فقد نقلت هذه الوثائق عن الرئيس ميقاتي قوله "لا يمكن ان يستمر لبنان مع دويلة حزب الله" واستخفافه بالنائب عون الذي اعتبره "نكتة وشخصية مضحكة". كما نقلت عن نائب التيار الوطني الحر ابراهيم كنعان وصفه التحالف مع "حزب الله" بأنه "غلطة".
وسبق لوثائق و"يكيليكس" ان استدعت في العاشر من الشهر الماضي خطابا من الامين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله للحؤول دون وقوع شرخ في تحالفه الاستراتيجي مع حركة "امل" بسبب كلام نسبه الى بري بعض المقربين من رئيس البرلمان.
وكان الرئيس ميقاتي قد كشف في وقت سابق عن تفضيله لقيام حكومة تكنوقراط في هذه المرحلة، وهي مثل الحكومة التي توافقت عليها مؤخرا حركتا "حماس" و"فتح" الفلسطينيتان لحل خلاف استغرق اكثر من اربع سنوات.
في هذه الاجواء عادت اوساط ميقاتي الى التلويح بحكومة امر واقع سبق له ان هدد بها باعتبارها المخرج الوحيد لانه متمسك بعدم الاعتذار.

وقد ادرج "التيار الوطني الحر" هذا الاحتمال في خانة "التهويل" وقال نائبه نبيل نقولا "ان التهويل بحكومة الامر الواقع لن يجدي نفعاً (…) لانها لن تسلك طريقها الى المجلس النيابي كون جميع المعنيين بمسار التشكيل يعون حتمية سقوطها خلال جلسة الثقة".
وفي تطور لافت برزت دعوات الى طرح "حكومة انقاذ وطني" تبدو شبه مستحيلة وسط الانقسام العمودي المستشري بين فريقي 8 و14 آذار والتي تمتنع عن المشاركة.

فقد رأت الامانة العامة لقوى 14 آذار ان الخروج من الازمة لن يكون الا "بعودة الجميع الى الدولة بشروط الدولة" لتشكيل حكومة انقاذ وطني، مشترطة لذلك التزام "حزب الله" بمطلبين لتحقيقها: وضع سلاحه بإمرة الدولة والتزامه بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
وسبق لـ "حزب الله" ان اعلن ان حماية سلاحه وتنصل لبنان من المحكمة الدولية هما الالتزامان اللذان سيتم اختيار الرئيس المكلف بناء على تلبيتهما. وفي سبيل هذين المطلبين أسقط "حزب الله" حكومة الرئيس الحريري ولوح باستخدام سلاحه حتى تمكن من تغيير الاكثرية النيابية التي افرزتها انتخابات 2009.

لكن ورغم كل الطروح، تبدو الازمة الحكومية مرشحة للاستمرار رغم ما تختزنه من احتمالات لانعكاسات بالغة السلبية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، لان "حزب الله" لم يحسم بعد مآل التشكيل والا لانحسر دور النائب عون في العرقلة.
فـ"حزب الله"، على غرار سوريا، لا يعرف فعليا ايهما الانسب له: قيام حكومة ام الابقاء على حالة الفراغ لانها اقل ضررا في التعامل مع قضايا اقليمية ودولية، اذ يستحيل حاليا التكهن بما سوف تستقر عليه الحال في المنطقة خصوصا مع انعكاساتها الحتمية على لبنان.
ورغم ما يلحقه التأخير من خسائر في الرصيد السياسي للرئيس ميقاتي، فإن حجم هذه الخسائر لا يقارن بحجم تلك التي ستلحق به اذا خضع لمطلب الاكثرية الجديدة بتشكيل حكومة لون واحد في وقت تنحو المنطقة نحو الديموقراطية وفي وقت أبرمت فيه حركتا "حماس" و"فتح" المصالحة التاريخية بينهما.

السابق
انحناءة أمام عجز الوزراء!
التالي
سورية… مظاهرات الدفع المسبق!