السلفية والشيعية والإسلام

أعلم أن العنوان فيه شيء من القوة المغناطيسية لأن المسميات السلفية والشيعية وضعتهما جنباً الى جنب، وأنتم تعلمون ما فعل الحداد بينهما على مدى مئات الأعوام.
الذي سأقوله شيئاً آخر. فالذي دعاني للكتابة اليوم مقالة لزميلنا الدكتور وائل الحساوي بالأمس بعنوان «ليس أسهل من تشويه السلفية»، تحدث فيه عن الهجوم الشرس وغير المبرر (بحسب رأيه طبعاً) على السلفية، فيعلق ويقول في بعض العبارات «لو نقلنا تلك الصورة الى مفهوم السلفية التي تعني الفهم الصحيح للدين الإسلامي». سؤال ساذج جداً وهو إن كانت السلفية تعني الفهم الصحيح للدين الإسلامي وبهذه البساطة، فعلام الخلاف وكل هذه التنوعات والمذاهب والملل والنحل!
أقصد أن السلفية تُعتبر فهم «واحد» للدين الإسلامي وليس كما ادعى الزميل بأنه «الفهم الصحيح» للدين الإسلامي. فالصحيح أن السلفية ما هي إلا «الرأي الصحيح» لاتباعها فقط بما فيهم زميلنا العزيز، ولكنها بالتأكيد ليست كذلك عند غيرهم. ألفت نظرك الآن أني لا أقصد بالغير هنا الشيعة، فبالطبع يختلفون من دون أن أخوض في التفاصيل، ولكن الغير بمعنى اتباع السنة والجماعة أو الأشاعرة تحديداً.
فمثلاً انظر الى الخلاف السني في مجال التجسيم والتشبيه مع السلفية. فرأي الجماعة وسائر السنة بأن استوى في الآية «الرحمن على العرش استوى» بمعنى ارتفع وعلا، على خلاف فهم السلفية للكلمة (انظر فتح الباري 13/315، وتفسير البغوي للآية السابقة). ويقول محمد سعيد البوطي (من أهم المرجعيات الدينية في العالم الاسلامي) بأن الآراء حول معنى الوجه في «كل شيء هالك إلا وجهه» انقسمت لثلاثة: رأي يقول بالظاهر دون تكييف ولا تأويل، ورأي يؤوله بالذات، وثالث يؤوله بالجهة. ومع ذلك رجح شيخ الإسلام ابن تيمية الثالث (السلفية: مرحلة زمنية مباركة).
أو لاحظ مثلاً الاختلاف في ما يخص التوسل بجاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو غيره من الصالحين والمقربين. فدعني أروي لك رأي الجماعة والسنة من خلال حديث عثمان بن حنيف الذي رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي بسند صحيح: «أن رجلاً ضريراً أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: ادع الله أن يعافيني قال إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك. قال: فادعه. قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتُقضى لي اللهم فشفّعه في». ثم انظر لطبقات ابن سعد حول قصة مفصلة لعمر رضي الله عنه بأنه توسل بالعباس رضي الله عنه في الاستسقاء فلم يُنكر عليه، وكان ذلك في زمن اصاب الناس القحط في عهد الخليفة الثاني. قارن بين ذلك والرأي السلفي!
طبعاً هذا الكلام ليس موجهاً لأنصار السلفية والزميل الحساوي على اعتبار أنهم يعتقدون بسلامة منهجهم الفكري وأنه الاسلام الصحيح، ولكني بصدد مخاطبة جموع القراء بأن ما جاء في أقوالهم ومقالة الزميل لا تعد بأكثر من رأي لفرقة من الفرق الإسلامية وليس «الفهم الصحيح» للدين الإسلامي، بل الصحيح أنه رأي ولجانبه آراء سنية أخرى يعتبرها أتباعها أنها صحيحة أيضاً.

السابق
أوغاسابيان: “حزب الله” يتجه الى مزيد من الضغوط على سليمان وميقاتي
التالي
بحارة البحرين وربّان سفينتهم