هل ينجو الشباب من مخاطر موجة “ريجيم”

التَنَيْن بدّي بلّش ريجيم"، عبارة تحوّلت إلى شعار موسمي نجح في توحيد شريحة كبيرة من الشبان والشابات على أبواب كل صيف. لماذا الاثنين؟ من قال إن الريجيم لا يمكن أن يبدأ يوم الخميس على سبيل المثال؟ هل الريجيم وحده كاف؟ وغيرها من الأسئلة التي لم يجد الشباب الذين التقتهم "الجمهورية" الإجابة عنها سوى بابتسامة عريضة. بالنسبة إلى رلى (24 سنة) التي تعاني وزنا زائدا، سبق لها أن انتظرت مرارا وتكرارا يوم الاثنين، لكنّ جميع محاولات اتباعها لنظام غذائي باءت بالفشل. لذا، لم تعد تؤمن بجدوى البدء بالريجيم مطلع الأسبوع، فتقول: "ليس المهم متى نبدأ الحمية الغذائية، بل الأهم الإرادة القوية لمواصلتها".

موجة الريجيم

من جهتها، تعتبر أخصائية التغذية هدى معماري أن "في هذه الفترة من كل عام يبلغ الإقبال على الريجيم ذروته، فتزداد وتيرة المواعيد، ويدخل الشباب في سباق مع الوقت قبل بدء الصيف، ولا سيما بعد انقضاء الأعياد". من هنا، فإنّ هذه المرحلة قد تكون محفوفة بالكثير من الأخطار للشباب، فتقول: "في الدرجة الأولى، لا يمكن الاستعانة بأيّ نظام غذائي على نحو عفوي أو حتى استعارة نصائح طبية من الآخرين. لكل جسم متطلباته التي لا يمكن تجاهلها".

في هذا السياق، تحذّر معماري من الموضة الأكثر رواجا في صفوف الشباب: "فئة كبيرة تعمد إلى الامتناع عن تناول الطعام. لذا، فإنها قد تنجح في خفض وزنها في غضون أسبوع. لكنها لا تنتبه إلى أنها تعمد إلى إفراغ كمية كبيرة من المياه من جسمها، في حين لا تزال تحافظ على الكمية نفسها من الدهون. وغالبا ما تكون نتائج هذا السلوك وخيمة".

تنصح معماري بضرورة "اتباع حمية مدروسة تأخذ في الحسبان الطول، الوزن، العمر، نمط حياة الفرد ومدى ممارسته الرياضة". وترى أنّ من البديهي أن تتفاوت الحميات الغذائية بين فرد وآخر، وحتى بين الأخوة". إلا أنّها في السياق نفسه، لا تنكر وجود نصائح وإرشادات عامة يمكن تبادلها، فتقول: "إنّ تناول نحو 10 أكواب من المياه يوميا مفيد للصحة. كذلك احترام مواعيد وجبات الطعام، وخصوصا الفطور. فلا يمكن الجسم ان يقوم بوظائفه كافة من دون مدّه بالطاقة اللازمة". كما تحذّر من خطورة الريجيم في الصيف، "فقد ينتاب المرء شعور بالدوران والدوخة والإرهاق".

أبعد من حمية غذائية…

تعتبر معماري أن "ليس المهم مجرّد اتباع حمية غذائية محدّدة على أبواب الصيف، بل معرفة الحفاظ على وزن مثالي طوال أيام السنة". وتشدّد في هذا الإطار على ضرورة ان يكوّن الفرد "ثقافة غذائية تساعده على فهم متطلبات جسمه والمحافظة على وزنه، بصرف النظر عن المناسبات التي تضاعف فرص تناول الحلويات". لذا، تشير معماري إلى تراجع طفيف في هوس الشباب لخفض أوزانهم، "أصبحنا نلمس وعيا في صفوف هذه الفئة العمرية، وشبيبة اليوم باتت أكثر اقتناعا وإدراكا لخطورة اتباع حمية عشوائية أو تناول المنشّطات لنفخ العضلات".

أما أسباب السُمنة الزائدة في صفوف الشباب، فتقول معماري: "ما يعزّز موجة السُمنة، من جهة، هو نمط عيش اللبنانيين البعيد من الرياضة، فيمضون معظم أوقاتهم أمام الشاشة أو في المكتب والمنزل، ومن جهة أخرى الاستعانة بالوجبات السريعة".

وعليه، تشدد معماري على ضرورة "أن يسبق موسم الرياضة أي فكرة اتباع ريجيم معيّن: "لا بد من ممارسة الرياضة في ظل هذا المناخ المناسب، مع الانتباه إلى نظام أكلنا اليومي". وتضيف: "إذا عمد أي فرد إلى التخلص فقط من 500 وحدة حرارية من المأكولات التي اعتاد تناولها في اليوم الواحد، يضعف نحو كيلوغرام كل 14 يوما، ما يوازي 2 كيلو في الشهر، أي 24 كيلو في السنة الواحدة. لذا، لا يكفي النظر إلى اقتراب موسم الصيف. لا بد من نظرة أبعد لبلوغ الهدف المنشود".

وسائل تنحيف إرهابية

في المقابل، حذّر الطبيب والاستشاري النفسي باسكال رعد من تحوّل اهتمام الشباب بفقدان أوزانهم إلى حالة مَرَضية، فيقول: "في الحالة الأولى، تسمى أنوركسي (Anorexia)، وهو الامتناع المتعمَّد عن تناول الطعام، وثانيا بوليميا (Boulimia)، حين يعمد الفرد إلى تناول كمية كبيرة من الأطعمة ليعود لاحقا ويتقيأها". ويوضح "ان هاتين الحالتين غير متشابهتين، ويمكن مصادفتهما في درجات متفاوتة".

أما بالنسبة إلى العوامل النفسية الكامنة وراء لجوء الشباب إلى هذه الخيارات، فيقول رعد: "في حالة الأنوركسي، يأتي في الدرجة الأولى غياب الشعور العاطفي في المنزل، الناتج إما من عاطفة مسيطرة من قبل الأهل، أو من جفاء عاطفي فعلي بين أفراد الأسرة. إزاء الشعور بالضغط والرقابة المستمرّة، يجد المرء نفسه غير قادر إلا على السيطرة على طعامه والتحكم في وزنه، مع شعور بلذة في هذه السيطرة". في السياق نفسه، يشير إلى أن في "هذه الحالة تنعدم تدريجا حياة الفرد اجتماعيا، على نحو يميل أكثر نحو العزلة".

ويتابع موضحا: "يكثير شيوع البوليميا في صفوف الشباب الذين يعيشون في أجواء من التوتر والقلق، فيجدون الطعام متنفَّسا للراحة والسكينة، فيلجأون إلى الإفراط في تناوله، على نحو غرائزي، ثم يتعمّدون إلى تقيّوئه تجنّبا لأي وزن زائد". ويلفت رعد إلى أن أصحاب هذه الحالة المَرَضية يصبحون عصبيين وعدائيين، ومن السهل أن ينزلقوا في متاهة شرب الكحول وتناول المخدّرات.

في هذا السياق، يحذر رعد من حالة مَرَضية ثالثة تنتشر في صفوف الشبان، وهي "إدمان الرياضة بإفراط مصحوب بتناول البروتينات والمنشّطات، من دون النظر إلى مدى اكتمال نمو الجسم، أو مدى تأثر وظيفة الكلى وأعصاب الإنسان بهذه الأدوية".

هذه الأساليب المتنوّعة التي قد يلجأ إليها الشباب، يصفها رعد "بالإرهابية"، موضحا: "لا يمكنها مساعدة شبيبة اليوم على الاهتمام برشاقتهم ولياقتهم البدنية". أما بالنسبة إلى البدائل المناسبة، فيوضح: "في الدرجة الأولى، ممارسة الرياضة بانتظام، والابتعاد عن شتى وسائل قطع الشهية الاصطناعية وغير الطبيعية. كذلك يمكن المرء الاستعانة بحمية غذائية معيّنة تتناسب مع متطلّبات جسمه".

"الوزن المثالي، المعدة المقطّعة، العضل المشدود" وغيرها من الكلمات التي تتصدّر النقاشات بين الشباب. لكنّ قيمة الإنسان لا تقف عند عدد الكيلوغرامات التي يعكسها الميزان، إنما في مدى محافظته على معنوياته المرتفعة وراحته النفسية، كذلك مصالحته مع جسمه، في كل المواسم والظروف التي يختبرها المرء.

السابق
تدشين طرق داخلية في بلدة الماري
التالي
بَين معارضة الأهالي وإصرار بلديّات النبطيّة