“شطب المذهب” في ميزان الشباب و… الدين

في أعقاب الدعوات المستمرّة لإسقاط النظام الطائفي ورموزه، يبلغ الحديث عن شطب المذهب ذروته في صفوف الشباب.

في 21 تشرين الأوّل 2008، أصدرت وزارة الداخلية قرارا تتيح بموجبه للمرّة الأولى شطب المذهب عن إخراج القيد ومن سجلات النفوس للراغبين. وعلى رغم مضيّ نحو 3 أعوام على صدوره، لا يزال هذا القرار يلقى حيّزا وافرا من اهتمامات الشباب وأحاديثهم. فمنهم من اعتبره، خطوة أولى للعبور إلى دولة علمانيّة، وآخرون يتحفّظون، "ليس جُبنا"، إنّما اقتناعا منهم بأنّ من ينكر مذهبه، يتنكّر لهويّته.

شطبت المذهب فكريّا

"أنا لبنانيّة، هيدا الأساس"، جواب لا تتردّد الطالبة غنوى صوبرا، سنَة ثالثة فلسفة، في شَهره بوجه من يحاول معرفة مذهبها والتسلل إلى هويّتها الدينيّة. على رغم أنّ فكرة شطب المذهب راقت لها منذ أعلن عنها الوزير زياد بارود، إلّا أنّ غنوى لم تقدِم على هذه الخطوة رسميّا، وتقول: "صحيح أنني لم أتوجّه حتى الآن إلى دائرة النفوس، لأسباب عائليّة، إلّا أنّني في تعاملي مع الناس، أنظر فقط إلى جنسيّتهم اللبنانيّة، وعلى هذا الأساس أحب أن يعاملني الآخرون".

وتشير غنوى إلى عدم ثقتها بخطوات إسقاط النظام الطائفي الأخيرة، برأيها "كلّ هذه التحرّكات مسيّسة، ولا يمكن أن تقودنا إلى دولة علمانية، خصوصا أنّ أنامل سياسيّة تحرّكها".

طائفيّة النفوس والعقول

من جهته، يطمح الناشط في حملة إسقاط النظام الطائفي بلال جابر إلى تحقيق الكثير من الخطوات قبل شطب المذهب، "كونها لا تقدّم أو تؤخّر في المرحلة الراهنة"، على حدّ تعبيره. ويوضح: "لاقى هذا القرار في البداية إقبالا من الشباب، لكن بعد البحث والتدقيق تبيّن لنا أنّ الكثير من القضايا يجب تحقيقها قبل شطب المذهب". ويضيف: "المؤسف أنّ مذاهبنا لا نحملها فقط في إخراج قيدنا، وشطبُها لا يعني التحرّر من الذهنيّة الطائفيّة، فغالبا ما يكون اسم الشخص الطريق الأقرب إلى معرفة مذهبه، وسرعان ما تتمّ معاملته على هذا الأساس".

ويشدّد جابر على أهمية "إسقاط الطائفية من نفوس الناس وعقولهم قبل الولوج إلى شطب المذهب، معتبرا أنّ هذه الخطوة ليست الوسيلة الوحيدة في إسقاط النظام الطائفي، إنما هي وسيلة من الوسائل المطروحة، ويبقى الأساس في تربية الأجيال وتوعيتها".

مذهبي هويتي

في المقابل، ينطلق الطالب شادي شاهين في إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف، من اعتبارالتعدّد المذهبي ثروة للبنان وميزة يتفرّد بها أبناؤه عن بقيّة الشعوب، لذا يرفض شطب مذهبه. ويوضح: "أنّ المذهب جزء من الهويّة الشخصيّة، ومَن يشطبه كمن يتخلّى عن جزء من شخصيّته". ويضيف: "لا شكّ في أنّ الأديان السماويّة تلتقي على الكثير من النقاط المشتركة، منها حبّ الآخرين والتسامح، لذا لو عاش كلّ منّا وفق ما تنصّ عليه طائفته لكان لبنان بألف خير، وسلام".

شاهين، واحد من الشباب الذين يرفضون شطب مذهبهم لاعتبارات كثيرة، إذ يعتبر "أنّ ما أوصل لبنان إلى هذه الحال المتردّية هو جهل الشباب لحقيقة مذاهبهم، ممّا يدفعهم للاعتبار بأنها تقف حاجزا بينهم وبين الآخرين"، ويضيف: "لذا يذهب بعضهم نحو التعصّب، ومنع أخيه الإنسان من ممارسة طقوسه والتعبير عن إيمانه".

أمّا بالنسبة إلى الطالبة سالي وهبة التي تتابع دراساتها العليا في علوم الإعلام والاتّصال، فتعتبر أنّ لشطب المذهب نكهة خاصة في مسقط رأسها طرابلس، وتقول: "من السيّىء أن يتميّز الفرد عن أبناء منطقته بمذهبه أو طائفته، لذا أشجّع على شطبه. لكن في الوقت عينه لا أملك الشجاعة الكافية لهذه الخطوة، لا سيّما أنّ المجتمع اللبناني غير مؤهّل بعد لهذه الخطوة".

في هذا السياق، تلفت سالي إلى ضرورة التوازي بين "شطب القيد الطائفي، وتعزيز دور التربية، من أجل الوصول إلى مجتمع لا طائفي، علماني"، مؤكّدة "أنّها لا تعني بذلك قطعا الإلحاد، إنّما دولة يحترم أفرادها التنوّع المذهبيّ".

آراء رجال الدين

من جهته، اعتبر الأمين العام للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الشيخ خلدون عريمط ، "أنّ القضية الأساسية ليست في شطب المذهب عن الهويّة، بل في ارتقاء المجتمع اللبناني إلى ثقافة المواطنة، بمعنى أن يخرج هذا الوطن الذي تتآكله الأطماع المحلّية والإقليمية والدولية من عنق الزجاجة، ومن كهوف المذهبية والطائفية والمناطقية، ليدخل في رحاب روح المواطنة".

ويعتبر عريمط، أنّه لا يمكن الحديث عن شطب المذهب، قبل اتفاق الجميع وتوحيد رؤيتهم حول تقوية نفوذ الدولة ومؤسّساتها، على نحو يكون الانتماء إلى لبنان، حيث لا دويلات إلى جانب الدولة اللبنانية، وتبقى سلطة المؤسّسة العسكرية هي السائدة".

أمّا عن سبل تكريس ثقافة المواطنة، أوضح عريمط: "خطوات متنوّعة يمكن تنفيذها، منها توحيد كتاب التاريخ والنظرة إلى تاريخ لبنان ودوره في هذه المنطقة، عقد مؤتمر وطني أو هيئة حوار وطنية، كخطوة يتفق من خلالها الجميع على أنّنا ارتضينا أن نكون مواطنين متساوين في وطن اسمه لبنان. يجب سحب الذرائع والثغرات هذه، لنتمكن من صناعة ثقافة المواطنة".

وهل يعني بثقافة المواطنة الولوج إلى دولة علمانية، يوضح عريمط: "أرفض هذه التسمية، هذه الكلمة تشوبها الكثير من المغالطات، ما أعنيه أن نبني الدولة المدنيّة الحديثة، وكلّ ما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية يجب أن يترك للطوائف، نظرا إلى أنّ بعض المسائل عقائديّة، حيث لا يمكن للمسلم أو المسيحيّ تجاوزها".

وعن رغبة بعض الشباب في شطب مذاهبهم، يقول: "إندفاع الشباب مردّه إلى العُقد وتراكُم المشاكل، والآلام التي يعاني منها المجتمع اللبناني، فليس المهمّ شطب المذهب أو الطائفة، عن الهويّة، إنّما الأهم أن ينصهر الجميع في بوتقة الدولة، وأن يبقى كلّ منّا يعبد الله بالطريقة التي يعتبرها الأصحّ".

نعيش أكذوبة العلمانية

في المقابل، اعتبر رئيس الاتّحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة أنطوان خضرا "أنّنا نعيش أكذوبة العلمانيّة"، مشيرا إلى أنّ: جميع الذين ينادون بإلغاء المظاهر الطائفية، هم طائفيّون أكثر من غيرهم، يعتبرون أنفسهم طوائف قويّة يطمحون إلى إلغاء بقيّة الطوائف". ويتابع محذّرا من وجود "مساع لإبعاد بعض الطوائف عن الوظائف العامّة، وعن الدولة، لا سيّما على مستوى مجلس الخدمة المدنية". لذا يعتبر خضرا، "موضوع شطب المذهب عن إخراج القيد، يحقق للطامعين مبتغاهم، فهذه المسألة يكتنفها التضليل والغموض".

في هذا السياق يلفت خضرا إلى "أنّ طروحات الوزير زياد بارود رائدة في مجال المجتمع المدنيّ، وهو صادق بطرحه، بهدف تطوير المجتمع المدنيّ، إلّا أنّ البعض عمد إلى استغلال هذا الطرح، لبسط نفوذه".

ويعتبر خضرا "أنّ من الصعب الوصول إلى مجتمع مدنيّ في الوقت الذي تحاول قوى معيّنة أخذ البلد إلى طائفتها، مستعينة بمصالح الدولة اللبنانية برمّتها".

يبدو واضحا أنّ شطب المذهب عن إخراج القيد لا يزال يكتنفه الكثير من التساؤلات و"الأخذ والردّ" ليس فقط في أذهان الشباب، إنّما أيضا يثير الرّيبة والقلق في نفوس رجال الدين، وهو يحتاج إلى أكثر من طاولة حوار وسلسلة نقاشات. وحتى ذلك الحين، يبقى "الدين لله والوطن للجميع".

السابق
ثلاثة مساجين في روميه شطبوا انفسهم
التالي
لبنان “الوجّ التاني”