المفاعلات النووية في الولايات المتحدة: قنابل موقوتة

ذكّرت الصور المخيفة والأخبار القادمة من اليابان منذ وقوع الزلزال المدمر وأمواج تسونامي الأمريكيين بمخاطر المفاعلات النووية.
واليوم يدرك المزيد والمزيد من الأمريكيين أنه لا ينبغي أن يكون للطاقة النووية دور هام في مستقبل الطاقة في الولايات المتحدة، فالمفاعلات النووية ليست آمنة، ومحفوفة بالمخاطر من الناحية الاقتصادية، كما أنها ليست جيدة من أجل البيئة، إضافة لذلك، وبرفض وول ستريت تمويلها، تجبر واشنطن دافعي الضرائب الأمريكيين على فعل ذلك، لقد حان الوقت للدعوة إلى وضع حد لهذه التكنولوجيا غير الآمنة وغير المنظمة وباهظة التكاليف.

يدعي أنصار الطاقة النووية أن هذه الصناعة نظيفة وآمنة ورخيصة نسبياً إلا أنها لا تكلف أطناناً من الوقود الأحفوري لاستخراج اليورانيوم ونقله، إضافة إلى تسويق حوالي 250 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون كل عام في إطار عمل مصنع ينتج 1.250 ميغا واط، وتظهر الدراسات أن عمال مناجم اليورانيوم في جنوب غرب الولايات المتحدة تعرضوا إلى رادون 220، وهو غاز مشع يؤدي إلى إصابة واحد من بين خمسة أشخاص بسرطان الرئة.

أما العرض الحالي من قبل الشركة الخاصة «يورانيوم فيرجينيا»، من أجل استخراج اليورانيوم في بنيسلفانيا كونتري جنوب شرق فيرجينيا، فقد تجاوز قرار الحظر لتعدين اليورانيوم لمدة 30 عاماً، وأدى ذلك إلى معارضة السكان المتأثرين الذين يعتمدون على نهر رونوك باسين في تأمين مياه الشرب.

ليس بالضرورة أن تسبب كارثة طبيعية أزمة نووية والولايات المتحدة ليست جديدة على هذه الأخطار، فجزيرة ثري مايل ايلاند هي المثال الأكثر شهرة على ذلك، ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن اتحاد علماء الفيزياء النووية. فقط في عام 2010 سببت الأخطاء الميكانيكية والكهربائية والبشرية أعطالاً كبيرة في المفاعلات النووية في ألاباما، أركنساس، كاليفورنيا، فلوريدا، إلينوي، كنساس، ميريلاند، نبراسكا، كارولينا الشمالية، أوهايو، وفرجينيا.
وقد أغلقت مصانع نووية بسبب تلك الأخطاء، وليس بسبب مخاوف روتينية تتعلق بالسلامة مثل ما حصل في مصنع فيرمونت يانكي، حيث تسببت مواسير الصرف البالية بتسريب التريتيوم المشع في المياه الجوفية، ومع ذلك سمحت اللجنة التنظيمية للمصنع بالاستمرار في العمل بعد أسبوعين.
ربما هناك أخطار أخرى تفرضها المفاعلات وليست هناك وسيلة للتخلص الآمن من الوقود المستهلك والنفايات النووية الأخرى التي يمكن أن تبقى مشعة وخطيرة لعشرات الآلاف من السنين.

في الأسبوع الماضي نشرت مجلة لوس أنجلوس تايمز تقريراً لـ روبرت الفاريز، نائب سابق مساعد لوزيرالطاقة، كتبه في عام2003يقول فيه بأن ناراً في بركة وقود مستَنْفد قد تسبب المزيد من الضرر أكثر من كارثة تشير نوبيل، ويُحتمل أن تترك مساحة حوالي نصف حجم ولاية نيوجيرسي لتبقى غير صالحة للسكن بشكل دائم، والجدير بالذكر أن المجلس الوطني للأبحاث حاول تجاهل التقرير مع أن أحواض الوقود المستنفد لا تزال تنتشر في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك ما يعرف بـ «النقطة الهندية» التي تقع على بعد 38 ميلاً من مدينة نيويورك، فقد أعلن «جريجوري جاكو» رئيس المجلس أنه يعتقد بأنه لم يكن هناك ماء في أي حوض من أحواض الوقود المستنفد في فوكوشيما، ومن المحتمل أنه قد حدثت حرائق في واحد أو أكثر من هذه الأحواض في الأسابيع الماضية، وهذا ما يزيد من إمكانية حدوث آثار صحية كبيرة على المدى البعيد من المفاعل المعطوب.

إن قضايا الشفافية والوضوح تطارد هذه الصناعة والمنظمين لها، في عام 2007 أعلن أوباما المرشح للرئاسة حينها في صحيفة «نيوهامبشاير» أن المجلس الوطني للأبحاث أصبح أسيراً للصناعات التي ينظمها، وقد تجلت هذه العلاقة الواضحة في تجديد الترخيص لمصنع فيرمونت يانكي، فرغم التسريبات للتريتيوم والتصويت الساحق في مجلس شيوخ فيرمونت من أجل إغلاق المصنع، أعلن المجلس الوطني للبحوث أن هناك تجديداً للترخيص من أجل تشغيل المصنع لمدة عشرين سنة إضافية، وجاء ذلك الإعلان في 10 آذار قبل يوم واحد فقط من وقوع الزلزال في اليابان.
إن المفاعل النووي الوحيد الآمن لكوكبنا والذي يبتعد عنه 93 مليون ميل هو الشمس، وعلى الرغم من وضوح وحقيقة اعتبارات السلامة هنا في الولايات المتحدة وفي اليابان، مازالت التكاليف هائلة، والمخاطر البشرية لبناء مفاعل نووي جديد، مرعبة ومثبطة للهمم.
ومع سجلات الصناعة النووية التي تظهر فشل القروض وتعثرها، يرى القطاع الخاص أن بناء المفاعلات النووية استثمار غير حكيم.
قال بيتر برادفورد، عضو سابق في المجلس الوطني للأبحاث: إن محاولة استخدام الطاقة النووية لتلبية احتياجات الطاقة في الولايات المتحدة، مثل استخدام الكافيار لمكافحة الجوع في العالم، ففي السنوات الأخيرة وفي محاولة لإحياء البناء النووي في الولايات المتحدة، أعربت الحكومة الفيدرالية عن جهودها من أجل ملء الثغرة التمويلية، والتي تشمل إعانات التأمين ضد الحوادث، وائتمان ضريبة الإنتاج والاستهلاك السريع، وبرنامج ضمان الإنقاذ «Titlexvll»، وقد يزود ذلك بمليارات الدولارات من أجل عمليات إنقاذ أخطر المشاريع.

قدّمت جمعية أصدقاء الأرض نشرة شاملة تتناول مخاطر عمليات الإنقاذ الوقائية هذه، ففي عام 2007، قال «ميشيل جي والاس»، نائب الرئيس التنفيذي لشركة طاقة الكوكب «constellation energy»: «دون ضمانات القروض لن نقوم ببناء محطات للطاقة النووية، فالضمانات تعمل كتوقيع على بطاقة الائتمان لسن الشباب، والشركات التي تبني المفاعلات النووية تخشى التخلف عن سداد القروض الخاصة بهم، فقد قدّر مكتب الميزانية في الكونغرس عام 2003 أن خطر التخلف عن السداد لضمان قروض البناء النووي هائل جداً، يصل لنسبة 50٪ وما فوق، كما وضعت وزارة الطاقة رسماً اسمياً يُفترض أن يغطي الخسائر المحتملة، ولكن لأنه يجعل البرنامج الفيدرالي أكثر كلفة من قروض القطاع الخاص، تقوم وزارة الطاقة بالتستر على المشاريع المحفوفة بالمخاطر لتلقي التمويل الخاص.

قبل شهر من وقوع الزلزال في اليابان، أصدر اتحاد العلماء المهتمين تقريراً عن الإعانات النووية، وجد فيه أنه في بعض الحالات ستكون القوة الشرائية في السوق المفتوحة أقل كلفة من بناء ودعم وتشغيل محطات الطاقة النووية، ودعت جمعية أصدقاء الأرض إلى التخلص من الإعانات المالية النووية.

في أعقاب الأزمة النووية في اليابان، أصبحت تلك المخاطر المالية أكثر وضوحاً، وخفّض المحللون في وول ستريت تقديراتهم لشركات الطاقة النووية من أجل زيادة الفرص التي سيحتاجونها من دافعي الضرائب لتمويل مشاريع مستقبلية في حال تم بناء مفاعل جديد.

إن اعتبارات اقتصادية وحدها تعتبر سبباً كافياً لوقف الدعم للمفاعلات الجديدة، ولكن مع مخاوف تتعلق بالسلامة والشفافية، بات من الواضح أن الوقت قد حان لوضع حد للطاقة النووية في الولايات المتحدة.

ترجمة عائدة أسعد – البعث

السابق
نهاية عراقية لليبيا؟
التالي
لا للقنابل النووية الموقوتة