مشاعات الجنوب تستباح على مرأى ومسمع المسؤولين

تعيش القرى الجنوبية حرب استنزاف لمشاعاتها العامة وأملاكها البحرية،ترتكب بحقها مجرزة فظيعة،إذ تحولت،رهينة البناء الفوضوي الذي يشبه الإعصار بل التمرد على القانون،فلم تسلم منها لا الاملاك البحرية ولا المشاعات،ولا حتى النهرية كما لو كان المواطن في سباق،مع من سيتقاسم الجبنة في مشاعات الدولة الذي بلغت الذروة ووصلت مرحلة مأسوية. فوضى تكبر ككرة الثلج، لا تجد من يتصدى لها ، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشاعات واملاك عامة في الجنوب.
مشاع لبنان مستباح على مرأى ومسمع المسؤولين

يقول رئيس بلدية الصرفند الدكتور حسين خلفية "ما زلنا نملك الوقت لتطويق المشكلة بجدية، يجب أن يكون هناك قرار سياسي واضح من قبل كل الاطراف السياسية،يرفض الاستباحة القائمة"،لافتا الى "أن القوة الامنية يجب أن تمارس دورها دون اي غطاء سياسي او حزبي،فهم يملكون القدرة ويجب الضرب بقوة الحديد،لأن الوضع لم يعد يحتمل السكوت عليه، ولا يجب غض الطرف عنه أكثر وهذا لا يكون الا بفرض القانون ولو بالقوة"
انطلقت شرارة الهجمة على البناء في المشاع من بلدة يارين السنية الواقعة خراج بلدة البيسرية قبل شهر بعد ان نالوا ضوءا اخضر سياسيا بقرار سياسي وبتواطؤ امني امام ناظري أهالي بلدة البيسرية الذين انتفضوا للحال وجاءت ردة فعلهم عكسية. يقول مصدر حزبي رفض الكشف عن اسمه "انقضوا على كل مشاعات العامة فلم تسلم منهم الطرقات والحدائق العامة،وخرج الوضع عن السيطرة".
ولكن السؤال الذي يطرح هل ردة فعل أبناء الجنوب محقة أم مبالغ فيها وهل ما تقوم به القرى من تعديات على أملاكها العامة "يجعلها خارجة عن القانون ومن المستفيدة من تلك الفورة الجائرة ؟ومن يتحمل المسؤولية؟
يؤكد رئيس اتحاد بلديات الزهراني علي مطر أن "التعدي على الاراضي المشاع ليس وليد اليوم فهو كان سابقا ولكن منذ 30 عاما توقف ولكنه عاد اليوم بهجمة شرسة وبطريقة غير مسبوقة حتى اننا لم نستوعب الوضع ،وكأن حمى العمار بالأملاك العامة تتنقل كفيروس سريع بين القرى دون هوادة من كبح جماحها ولكن يجب الحد من تلك الهجمة التي قد تقضي على المشاعات، ولا يجوز لكائن من كان أن يغتصبها عنونة،كرد فعل على ما حصل في يارين".
ويدعو مطر كل القوى السياسية والحزبية"لتحمل مسؤوليتها،ويجب اتخاذ قرار سريع لوقف تلك الحرب،لأن الوضع خرج عن السيطرة وعلى القوى الأمنية أن تؤازرنا لتقمع التعديات، التي جاوزت كل الحدود وغيرت تضاريس القرى".

تخطت الفورة العمرانية في المشاع حجمها اذ انها جاوزت الـ500 وحدة في كل قرية من قرى الزهرني وهذا أمر غير مسبوق، والاخطر انتقال العدوى الى كل الجنوب وتحول الامر الى ما يشبه "جشع عمراني" .لم تبق زاوية في القرى بمنأى عن المد العمراني العشوائي الذي انطلق من البيسارية لتنقل العدوى الى السكسكية حيث بلغت نسبة العمران العشوائي 500 منزل بشكل غير مبرمج،لترتفع الحدة في عدلون والصرفند حيث الهجمة لا تقتصر على المشاعات العامة بل طالت المشاعات البحرية.
وهذا ما يؤكده مختار السكسكية محمد نجيب عباس "يجرفون البحر ليعمروا عليه،ويشققون الصخور،"يكفينا الاختباء خلف اصبعنا الأزمة فاقت حدها ويجب ايجاد حل لها لأنه لا يعقل أن تهشم البيئة بهذه الطريقة ولا أحد يتحرك،فليتحمل كل الاطراف السياسيين مسؤوليتهم"،لافتا الى أن "عدم الحؤول دون تلك الفورة والفوضوية في البناء سيؤدي حتما الى تشويه معالم القرى التي أصلا بدأت تتغير اذ تتلاصق المنازل وتتعدى على الطرقات وحتى على المنازل المبنية في أرض مشاع".
جبالات وعمال،وورش عمل تلحظها في كل مكان،فأعمال البناء لا تهدأ،تشتغل ليلا نهار في الصرفند وعدلون والبيسارية والنجرية وعلى مدار الـ24 ساعة، وهذا ما دفع الى ارتفاع أسعار مواد البناء اذ ارتفع متر العمار من 15 الى 45دولارا ونقلة المياه ارتفع سعرها من 25 الف ليرة الى 50 دولارا حتى ان أحمد يقول "السقف كان يكلف 3000 دولار اليوم 10000 دولار،ومع ذلك تشهق الأبنية صعودا وتتمدد المحال الصناعية والأبينة بسرعة البرق تكاد لا تحتاج 48 ساعة،لتطال كل ما وقعت عليه اليد،غير آبهين بشيء،حتى وصلت للبحر".
ويشير المواطن موسى من عدلون الى " ان نحن غير فرحين بالوضع، لا أحد يقبل أن يكون لصا ولكن الظروف الضيقة هي التي تدفع للأمر" ويرى صالح "ماذا كان يحصل لو قامت الدولة ببناء مشروع اسكان،يمكن الشباب من شراء منزل،ولو بالتقسيط. ان معظم من يبني اليوم ليس بحاجة للبناء ولكن كيدية ونكاية بما حصل في يارين". ويأسف خليفة الى مثل هذا الامر الذي "سيدفع ثمنه اولادنا في المستقبل هذا التشوية الذي يحصل لا اعرف لمصلحة من ولكن اكيد انه لا يصب في مصلحة الفقير الذي يعيش ازمة سكن في حين ان من استفاد هم الميسورون " لافتا "الى ان البناء لا يستوفي الشروط الهندسية والقانونية،ويشكل خطرا على السلامة العامة وانا اتحمل مسؤولية كلامي فهو معرض للانهيار امام اي ارتدادات طبيعية ونحن كاتحاد بلديات الزهراني،ندعو القوة الامنية لمساعدتنا على وقف هذه الفوضى القائمة،لاعادة الموضوع لطبيعته لأن الوضع لم يعد يسكت عنه ولا يمكن غض الطرف أكثر،اليوم البحر يطمر ويبنى عليه،جوانب الطرقات حتى الحدائق العامة تجرف ويشيد عليها،لقد تغيرت تضاريس القرى وهنا أقترح اعادة رسم خريطة الخط الساحلي لان العابر من هناك يفاجأ بالبيوت في قلب البحر".
اذا خرج الوضع في قرى الزهراني عن السيطرة،ورغم كل الاجراءات التي اتخذت ومنها فرض قرار على مجابل الباطون بعدم النقل الا بموجب رخصة قانونية،ولكن تلك الاجراءات لم تحل الأزمة،ولم تضمد جرح المساعات التي تنزف من شدة التعدي عليها،ولكن السؤال الذي يفرض نفسه متى سيصدر القرار السياسي الحزبي والامني الذي يقمع كل التعديات ويسكت الهجمة التي طالت أقصى الجنوب وعددا من قرى النبطية،بل تحولت الى ملاذ كل باحث عن فرصة استثمار جديدة،وان كان على حساب أملاك الغير؟

السابق
رئيس بلدية حارة صيدا يصادر اراضي عامة
التالي
يحقّ للقاتل ما لا يحق لغيره