الرئيس والزعيم وفطنة فيلتمان وكنعان

تشير المعطيات إلى أن النقاط العالقة حيال تأليف الحكومة بين نجيب ميقاتي وميشال عون، قد حُلّت فعلياً. فالاتفاق على الهندسة العامة للتركيبة الوزارية، شارف على الإنجاز، وهو ما لم يقتصر على الأعداد وحسب، بل تخطاها إلى التوازنات والتوزيعات والنسَب. وهذا ما جعل البنية العامة للاتفاق المذكور ترسو على الآتي:
تكون لتكتل التغيير والإصلاح، عشرة مقاعد وزارية، بينها خمسة مارونية (ضمنها مقعد لتيار المردة)، ومقعدان أورثوذكسيان (أحدهما للمردة أيضاً)، وآخران أرمنيان، وواحد كاثوليكي.

وكتلة الوزراء المسيحيين، المحسوبين مباشرة على فريق عون، لن تقتصر على هؤلاء، إذ يضاف إليهم أرثوذكسي ممثلاً الحزب القومي، وكاثوليكي ممثلاً مدينة زحلة، لتظل ثلاثة مقاعد وزارية مسيحية فقط، خارجة عن فريق عون، وهي لماروني وكاثوليكي ضمن حصة رئيس الجمهورية، وأرثوذكسي واحد ضمن حصة رئيس الحكومة، تعويضاً عن إعطائه مقعداً وزارياً سنياً، لممثل عن سنة الأكثرية الجديدة.
في المقابل، المقاعد الباقية باتت معروفة التوزيع: ستة شيعة لثنائي حزب الله ـــــ حركة أمل، إضافة إلى طلال إرسلان، ودرزيان وسني لوليد جنبلاط، وأربعة مقاعد سنية وأرثوذكسي لرئيس الحكومة.

وتشير المعطيات نفسها أيضاً، إلى أن التوافق بلغ حتى الهندسة العامة لتوزيع الحقائب الوزارية، بحيث يصار إلى توزيع وزراء الدولة على المذاهب السبعة المشاركة في تركيبة الحكومة، فيحمل تكتل التغيير والإصلاح وزيري دولة، عن مقعد ماروني وآخر أرمني، فيما يحمل الشيعة وزير دولة، ورئيس الحكومة واحداً من حصته السنية أو الأرثوذكسي لديه، إذا كان وزير الدولة السني من حصة سنة الأكثرية الجديدة، فيما يحمل رئيس الجمهورية وزير الدولة الكاثوليكي. وكانت مسألة وزير الدولة الدرزي لا تزال عالقة، وخاضعة للمعالجة بين جنبلاط وإرسلان. حتى التصور العام لتوزيع الحقائب بات شبه منجز، مع بعض تجاذبات داخل كل «مجموعة»، كما حُكي عن محاولة رئيس الحكومة المكلف الاحتفاظ بوزارة المال لنفسه، ثم جعلها في عهدة وزير الدولة الأرثوذكسي المحسوب ضمن حصته، وهو ما يقتضي موافقة الوزير محمد الصفدي، التي لم تعط بعد، فيما القاعدة العامة هي أن «يرث» تكتل التغيير والإصلاح حقائب مسيحيّي الحريري في الحكومة المستقيلة، ويرث ميقاتي حقائب سنتها عموماً، وهو ما يسمح بالحفاظ على التوازن الحقائبي العام بين المجموعتين المسيحية والمسلمة، ما لم يُلجأ إلى عمليات مقايضة موضعية إذا ما لزم الأمر.

كل ذلك أنجز، أو شارف على الإنجاز. لماذا لم تعلن الحكومة بعد إذاً؟ لأنّ عقدة حقيبة الداخلية لم تحلّ بعد، وهي العقدة العالقة خارج قدرة رئيس الحكومة المكلف، وخارج نطاقه، أي العقدة العالقة بين ميشال سليمان وميشال عون، وقد كتب الكثير عنها، وسال حبر غزير على جنباتها، وسال عندها حتى دم زياد بارود سياسياً، هو الذي زُجّ فيها ضحيةً بريئة وغير مستهدفة، بعد بيانه «الرئاسي» الشهير
.
غير أن الوجه الأعمق لهذه العقدة يظل ذلك المتمثل في فشل التعايش الذي كان مأمولاً ومنشوداً، لا بل مطلوباً وضرورياً، ضمن ثنائية «الرئيس» و«الزعيم»، داخل الجماعة المارونية، وهو الفشل الذي نجم عن سقوط المعادلة التبادلية التي كان يجب أن ترعى تلك الثنائية، بمعنى أن عون سلّم لسليمان بموقع الرئيس، لا بل أعطاه إياه، من حقه، ومن مقتضى النظام الذي جعل عون ممثل المسيحيين فيه، شرعياً وديموقراطياً عبر الانتخاب، وأعطاه إياه من قدرته، التي كانت في الدوحة في أيار 2008، كاملة على التعطيل إلى ما لانهاية. أما في المقابل، فلم يبادر سليمان إلى المبادلة بالتسليم لعون بموقع الزعيم، من حيث ما يفرضه جوهر ميثاق الطائف على رئيس الجمهورية، حيث هو رمز للدولة لا ممثل المسيحيين في سلطتها، ومن حيث قدرته على «العرقلة»، من ضمن صلاحياته وفق دستور الطائف.

البُعد الأعمق لعقدة الداخلية يكمن في أنّ الزعيم أعطى الرئيس عطاءً نهائياً لا رجوع عنه، وربما لا استلحاق له في فرصة ثانية باستحقاق مقبل، فيما الرئيس لم يعطِ الزعيم، بل فكّر فعلياً في انتزاع ما للزعيم، وما ليس للرئيس، أكان في نيابية 2009 أم في بلدية 2010، أم في التطلع إلى ما بعد استحقاقَي 2013 النيابي، و2014 الرئاسي. عقدة الداخلية أن الزعيم أعطى الرئيس بلا تفكير في وراثته، فيما الرئيس أخذ، وبادر وباشر تنفيذ خطة لوراثة الزعيم.

من المسؤول عن هذا الوضع؟ قد يكون جيفري فيلتمان، الذي أدرك بفطنته الجهنمية لرئاسة 2008، تماماً ما أدركه غازي كنعان لقيادة الجيش سنة 1998.
من يكون وزير الداخلية المقبل؟ إنه السؤال الذي يخفي أسئلة كثيرة خلفه، أهمّها ماذا عن تراجيديا الرئيس والزعيم؟

السابق
الانتماء الحزبي بين التعلّق بالزعيم والولاء للقضية
التالي
قاضي تمنع رمي نفايات كفررمان في المشاع والأهالي يتجاوزون القرار