الانتماء الحزبي بين التعلّق بالزعيم والولاء للقضية

"الله قوات حكيم وبس"، "وليد بيك لا تعبس بدك عسكر منلبس"، "بالروح بالدم نفديك يا سعد"… وغيرها من الشعارات التي لا يبخل بها المناصرون على زعيمهم المفضّل في أي تظاهرة أو لقاء شعبي. إزاء عمق الأبعاد التي تعكسها تلك الهتافات، تُطرَح مجموعة من الأسئلة: أين يكمن انتماء الشباب بين تعلقهم بالزعيم وولائهم للقضية؟

"مشهد الحكيم أمام قوس الاتهام جسّد لي النضال، ومن هنا كانت البداية. من بحث الى آخر اطلعت على الفكر القواتي وثوابته". هذا ما عبّرت عنه المناضلة في صفوف القوات اللبنانية كريستين لبكي (23 سنة)، مضيفة: "إن القوات من الأحزاب النادرة التي تعطي المحازب الحريّة الفردية والقرار الحرّ، من خلال التنظيم الداخلي، على نحو يُنتخب الرئيس من القاعدة الشعبيّة". وتؤكد أن "المجال مفتوح أمام المناصرين لإبداء أي انتقاد أو استيضاح حول خيارات القائد والحزب، ما يحد من عدد المناصرين غير المدركين حقيقة انتمائهم وولائهم".

وتعتبر كريستين أن القائد يمثل واجهة الحزب الأولى، "فهو يدفعنا إلى المضي قُدُما ويزيد من عزيمتنا، لكن غيابه أو ابتعاده لا يعني زوال القضية". وتتابع مستشهدة بكلام يشدّد عليه رئيس الهيئة التنفيذية الدكتور سمير جعجع: "القوات هي القوات، حيث تكون القضية يكون القواتيون…"

بداية الانتماء بالفطرة…

أما بالنسبة إلى رئيس دائرة الطلاب الثانويين في حركة "أمل" علي زراقط، فيعترف بأنه في البداية انضم إلى صفوف الحركة "بالفطرة"، بتشجيع من والده. ويقول: "انضممت إلى كشافة أمل، ومع الوقت تكونت لدي الخلفية والقناعة الضروريتان، من خلال البحوث والقراءات التي قمت بها على صعيدي الخاص".

لا ينكر زراقط أن غياب الزعيم يولّد فراغا في نفوس المناصرين، فيقول: "سبق أن خسرنا الإمام موسى الصدر، ثمّ أكمل المسيرة الرئيس بري. سيأتي يوم ولا شك ويتغير الرئيس، فهذه سنّة الحياة، ومن الطبيعي ان غيابه سيولّد فراغا، ولا سيما إذا كان بحنكة الرئيس بري". ويتابع موضحا: "في مدرسة الإمام موسى الصدر والرئيس نبيه بري، تربّينا على "زعامة الفكرة لا على فكرة الزعيم. لذا، على كل منتسب أن يتحلى بصفات الزعيم، كي يتمكن من إدارة زمام الحركة، في ما لو غاب عنها الزعماء كلهم".

أبعد من الإعجاب بالزعيم

منذ العام 2000 انضم ظافر ناصر إلى منظمة الشباب التقدمي الاشتراكي، من خلال نشاط قامت به المنظمة في الجامعة اللبنانية كلية الحقوق والعلوم السياسية في زحلة. وقد بدأ انتماؤه عمليا، أكثر مما هو عاطفي أو مجرّد إعجاب بالزعيم. ويقول: "كانت المنظمة آنذاك أقرب إلى خلية نحل من خلال النشاطات التي تقوم بها، في وقت بدأ يشهد لبنان حراكا شبابيا سياسيا لا مثيل له، انجذبت إلى أعمالها بحكم نشاطها والعناوين المطلبية التي كانت ترفعها".

لا يدّعي ناصر ان الخلفية الفكرية والسياسية للمنظمة كانت السبب الرئيسي لانضمامه إلى المنظمة، فيوضح "يوم انضمامي لم أكن أدرك تماما البعد السياسي، ولكن مع الوقت بدأت أشعر بحقيقة انتمائي إلى المنظمة، وتحوّلي إلى فرد من كوادرها، تسلمت زمام قيادة المنظمة في كليات زحلة، وفي ما بعد مسؤولها الإعلامي". أدت المسؤوليات المتعددة التي تحملها ناصر جزءا أساسيا في تعزيز انتمائه إلى الحزب، وبدأ يغوص في البعد الفكري لانتمائه، معتبرا "أن الانتماء إلى الحزب ليس مجرد عملية سياسية، إنما تنظيمية، فكرية وثقافية".

في هذا الاطار، يلفت ناصر إلى ان "النقاش الذي دار بين الزعيم وليد جنبلاط وقاعدته الشعبية، على خلفية مواقفه السياسية أخيرا، دليل واضح على الوعي الذي يتحلى به الشباب التقدمي". ويضيف: "حزبنا الوحيد الذي تجرأ وطرح النقاش الجدي حول الخيارات المطروحة، فشخصية وليد جنبلاط أتاحت لنا الدخول معه في حوار مستمر في شأن الواقع السياسي المتجدد، ما يؤكد ان انتماء معظم الشباب ليس تقليديا أو أعمى، انما عن قناعة ومساءلة".

لا بد من مراجعة ذاتية

من جهته، يعتبر الناشط في تيار "المستقبل" محمود غزيل (23 سنة)، أن انتماءه إلى التيار بدأ "من خلال معرفته بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإعجابه بخطه السياسي، ومسيرته المهنية، وبعدما تم اغتياله، تسلم ابنه الشيخ سعد المسؤولية، الذي لم يبتعد عن نهج والده، ما شجعني لتجديد انتمائي الحزبي".

يؤكد محمود أن انتماءه إلى "المستقبل" لم يكن يوما على نحو اعتباطي، فيقول: "في مرحلة معيّنة أعدت قراءة ميولي السياسية، وأجريت نقدا ذاتيا، فوجدت أن الأولويات التي يطرحها الشيخ سعد ليست بعيدة عن هواجسي كشاب لبناني، متمسك بوطنه. لذا، تأكدت أن خياري في المكان المناسب". في هذا الإطار، لا ينكر غزيل وجود انتماء "عفوي" في مختلف الأحزاب والتيارات، "فنجد بعض المناصرين يجهلون تاريخ حزبهم وخلفية أهدافه وخططه المستقبلية"، وهو يحمّل مسؤولية الوعي والتثقيف الذاتي للشباب أنفسهم.

فياض

من جهتها، توضح الدكتورة في علم الاجتماع منى فياض "أنّ المرء خلال تكوّن شخصيته، يحتاج إلى مثال يقتدي به، ولكن في مرحلة معيّنة لا بد من الانفطام عنه، حفاظا على استقلالية الشخصية وتوفير مناخات مؤاتية من النضج والنمو". وتضيف: "هنا يكمن الدور الأبرز للتربية المنزلية، المدرسية وفي ما بعد الجامعية والمجتمع في تربية أفراد مواطنين انتماؤهم الاول لوطنهم، بعيدا من أي نظام استتباعي طائفي، زبائني".

وتتوقف فياض عند ظاهرة المطالبة الشبابية بإسقاط النظام الطائفي، وتقول: "يتبيّن لنا ان رأيا عاما بدأ يتكوّن في لبنان وفق الطريقة الغربية، أي أن يبني الشباب قناعاتهم انطلاقا من مواقفهم المستقلة بعيدا من تعلقهم بأي زعيم". وتضيف: "لكنّ هذا لا يعني ان بعض المناصرين لا يزالون يتصرفون على نحو يلتحقون بقرارات الجماعة، ويبحثون عن زعيم يقودهم".

وتنتقل فياض إلى نموذج آخر، تظاهرة 14 آذار العام 2005، فتقول: "مجموعة كبيرة من المناصرين شاركت ليس نزولا عند رغبة الزعيم، ولا حتى لأسباب طائفية، إنما انطلاقا من قناعاتها الخاصة المستقلة، على نحو فردي، للتعبير عن رفضها كون لبنان بلدا مستلحقا".

لكن، إثر التظاهرات المتكررة لقوى 14 آذار، توضح فياض، فإن فئتين من المشاركين تجسدتا: "بعض الشباب المستلحقين المستتبعين المتأثرين بالانقسام المذهبي، وآخرون يشاركون على مضض، أي بنعم مشروطة ومساءلة قريبة". وتشير فياض إلى ان "خلفية المناصرين تتنوع، كذلك في قوى 8 آذار"، فمنهم من ينتمي خوفا أو حبا في الحصول على مكاسب خاصة، لا تتوافر له خارج انضمامه الحزبي.

أيا تكن ظروف انتماءاتهم، توضح فياض، "فإنّ القيادات الحزبية ترى في وعي قاعدتها الشعبية خطرا على مصالحها"، مضيفة: "كلما انخفضت نسبة الوعي لفكرة الانتماء لدى المناصرين، كان من السهل على القادة تحريك قواعدهم واستتباعها". من هنا، تستبعد فياض أن يسهم الزعماء التقليديون في مساعدة الشباب وتوعيتهم الى حقيقة انتمائهم "كون ذلك يشكل خطرا على زعامتهم".

وتؤكّد فياض "أن التحركات الشبابية التي يشهدها لبنان تظهر جليا التحول الملحوظ لدى الشباب الذين بدأوا يتحررون تدريجا من رهبة الزعيم وسحره، ليطالبوا بمستقبل يليق بهم، وعلى قدر طموحاتهم". وتضيف: "تقع المسؤولية الكبرى على كل شاب محازب في معرفة أبعاد القضية التي يكافح من أجلها، بالتالي ان يعي حقيقة انتمائه".

حبا بالزعيم أو اقتناعا بالقضية، المسألة أبعد مما هو ظاهر للعيان، فإن تزايد انخراط الشباب في الأحزاب اللبنانية سيف ذو حدين. صحيح انه يعكس صحة الحياة الديموقراطية وعافيتها، ولكن في طيات تعدد الولاءات خوف من اندثار الانتماء الحقيقي إلى الوطن الواحد.

السابق
إرتدادات ربيع العرب وشظاياه
التالي
الرئيس والزعيم وفطنة فيلتمان وكنعان