طـلاب في الخارج: الغر بة صعبة والعودة أصعب

طلباً للعلم، بحثاً عن وظيفة، خوفا على المستقبل… تتعدد أسباب هجرتهم في المرحلة الجامعية وتتنوع، إلا ان النتيجة واحدة. يخسر لبنان سنويا فئة كبيرة من طلابه يختارون متابعة تحصيلهم العلمي في الخارج. لا شك في ان رغبة الشباب في تطوير علمهم وتعميق دراستهم تدعو إلى الافتخار والاستبشار خيرا. إلا ان في طيّات هذه الظاهرة "تحديا كبيرا إزاء ما توفّره بلدان الاغتراب من تسهيلات ومغريات"، هذا ما عبّرت عنه مجموعة من الشباب المغترب تحدثت إليهم جريدة الجمهورية".

"الأمر محسوم، لن أرجع إلى لبنان"، بنبرة حاسمة أكّد الطالب زياد خلف (25 عاما) الذي قصد فرنسا لنيل شهادة الدكتوراه في هندسة الاتصالات. لن يعود إلى الأشرفية. على رغم أن الأسباب التي دفعته إلى ترك وطنه، علمية بحت، لكن بعد مرور 3 سنوات على وجوده في الغربة، تكوّنت لديه قناعة راسخة باستحالة الرجوع إلى ربوع الوطن.

خوف زياد من العودة، مردّه القلق الكبير الذي يراوده "من أن يخّيّب الوطن ظنه"، فيقول: "تغيرات متنوعة أتمنى لو يشهدها لبنان، أهمها: تأمين الكهرباء على نحو دائم، تعزيز النقل المشترك بأسعار مقبولة، توفير خدمة الإنترنت السريعة وبأسعار زهيدة، والأهم تكريس الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي".

بدوره، يعتبر الطالب مارون غانم (23 عاما) الذي يتابع دراسته لنيل شهادة الدكتوراه في هندسة الاتصالات في مدينة نيس الفرنسية، "أنّ من الصعب العودة إلى رميش، ولا سيما أن فرص العمل غير متاحة للشباب اللبناني، ولا حتى الاستقرار مضمون". ويأسف مارون لعدم شعوره بالطمأنينة في وطنه الأم، فيقول: "أخشى ألا أتمكّن من تحقيق طموحاتي، في حين ان في فرنسا المستقبل واعد ويمدّنا بالسكينة".

أما بالنسبة إلى الطالبة ميراي الغش (23 عاما) من منطقة عكار العتيقة، فقد سافرت منذ نحو عام ونصف العام إلى باريس لمتابعة تخصصها بهندسة الاتصالات، وتتطلع إلى سلسلة من التغيرات، التي قد تقنعها بالعودة. فتقول: "حبّذا لو يسقط مبدأ "الواسطة" على حساب الكفاية، وألا يضطر الطالب إلى "تبويس" أيادي السياسيين ليحظى بوظيفة تليق بشهادته".

أمور عدة فقدتها ميراي في لبنان، ووجدت تعويضا عنها في فرنسا: "هنا، دورة الحياة أشد انتظاما، وفي وسع أي مواطن نيل حقه، ولا يضيّع فرصة". وتضيف: "ما لم أجده في لبنان هو الإيمان بأن المرء يمكن ان يبلغ ما يريده ويحقق طموحاته".

عل رغم علمها المسبق أنه قد يتعذر على لبنان ان يشهد سلسلة التغيرات التي تنشدها، تبدو ميراي أشد اقتناعا بضرورة العودة يوما ما، مهما طال الزمن، فتقول: "الوطن هو الشباب، ونحن أبناؤه، بأيدينا سوف نبنيه".

"حب العلم، وروح الاستكشاف، وهربا من الفوضى"، ثلاثة أسباب دفعت الطالبة جوزفين أيوب (22 عاما) إلى السفر نحو نانت في فرنسا، ومتابعة دراستها في الهندسة الميكانيكية. على رغم انها تركت أنطلياس مسقط رأسها فقط منذ نحو 8 أشهر، لكن سرعان ما ارتسمت في ذهنها صورة جديدة للبنان تتمنّى لو تتحقق. فتقول: "ليتنا ننعم بوطن قليل الفوضى، حيث وسائل النقل المشترك حديثة، والقطارات السريعة متوافرة". مضيفة: "نطمح إلى قانون سير يراعي المعايير الدولية ويحترمه اللبنانيون". في هذا السياق، تلفت جوزفين إلى ضرورة الاهتمام بطلاب لبنان الجامعيين، "لأنهم في حاجة إلى رعاية شديدة، وإلى أنشطة تعنيهم وتساعدهم في مسيرتهم العلمية". وتشير إلى الفرق الشاسع الذي لمسته بين لبنان وفرنسا، فتوضح: "من أبسط الأمور التي نشتهيها في لبنان التنعّم بمِساحة خضراء، والتوصل إلى إقرار ضمانة للشيخوخة".

أما بالنسبة إلى الطالبة ناتالي نجم، فقد سافرت لمتابعة تحصيلها العلمي في التمريض في باريس، حيث تعرفت إلى الطالب اللبناني المهندس فرنسوا فياض، وأصبحت في ما بعد زوجته. بعد مرور 7 سنوات على استقرارها في الغربة، تعتبر ناتالي "أن فرص العمل متوافرة في فرنسا للجميع، والشعب أكثر ثقافة وعمقا"، ولا تفكر في العودة إلى لبنان "قبل أن يصبح دولة فعلية بكل ما للكلمة من معنى".

عوامل كثيرة تثير في نفس ناتالي القلق والريبة من العودة، وتجعل ثقتها ضعيفة بوطنها، فتخبر: "أنانية بعض اللبنانيين تجعل من لبنان أقرب إلى قالب حلوى، كل واحد يسعى إلى الحصول على أكبر قطعة له".

لكن، على رغم الطمأنينة التي تنعم بها ناتالي في الخارج، تعترف بأنّ امورا عدة لا تتوافر إلا في لبنان، وهي "الأجواء العائلية، وروح القداسة، ورنين قرع الأجراس"، وتضيف: "نأمل لو تتحسن ظروف الحياة في بيروت، ولا سيما على مستوى التنظيم المدني، الاهتمام بالصرف الصحي، الحد من السرقات والهدر المالي".

ناتالي واحدة من اللبنانيين الذين يستوقفهم العديد من المزايا في الخارج، فتوضح: "إن لكل ذي حق حقه، لا مكان للواسطة، والإنسان يعيش في كرامة بصرف النظر عن انتماءاته السياسية والدينية، مما يعطي البلد غنى".

طموح الطلاب اللبنانيين في أوروبا، لا تختلف كثيرا عمّن هاجروا إلى الولايات المتحدة. في هذا الاطار، تشير الطالبة جيسيكا سمعان التي تتابع دراساتها العليا في أميركا منذ نحو عامين، إلى انها لا تفكر في العودة قريبا إلى لبنان، "أبحث عن الاستقرار بالولايات المتحدة، حيث فرص العمل أوفر، وبإمكانها ان تلبّي طموحاتي". وتضيف "لم أفكر يوما في الاعتماد على وطني". في الوقت عينه، تتمنّى لو "تتاح الفرصة أمام الشباب ليتمكنوا من التعبير عن أنفسهم وبلوغ مراكز ريادية".

أما بالنسبة إلى الطالب أسعد معوّض من بيت الشعار، فهو من الشباب القلائل الذين يصرّون على العودة، بعد ان يتسنّى له نيل شهادة الدكتوراه، فيخبر: "صحيح أن لبنان يفتقر إلى التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، وإلى النظام، في حين أن باريس تنعم وسائل الراحة كلها، إلا انني لا أنظر إلى ما يمكن أن يقدمه الوطن إليّ، بل ما أنا أقدمه إليه".

من الواضح ان الغربة التي يعيشها الطلاب تشكل إمتحانا لهم، إلا ان الاختبار الأكبر يبقى امام الدولة اللبنانية المعنية بمد يد العون لهم، وتوفير فرص عمل، ما يشجعهم على العودة قريبا. فأيّ مستقبل للبنان وطلابه برسم الغربة؟

السابق
اعتصام الأهالي: فليشاركْ لبنان في القوة الدوليّة
التالي
موظفو مستشفى حاصبيا إلى التصعيد إن لـم تـدفـع رواتـب 8 أشهـر