تحدي القمصان الكحلية

"أن نحلم". هو المعنى الذي تمكن حراك اسقاط النظام الطائفي من تحقيقه بعد اسابيع من مد وجزر بالنسبة للاعلامي ابرهيم دسوقي.
ليس مواظبا على حضور اجتماعات التحرك الماراتونية. يفضل التخفف من مهنته كاعلامي خلال التظاهرات وحمل آلة التصوير الخاصة به والتفلت بخفة المستقل الحالم بين الجموع. هو شاب يملك الكثير من الحماسة والافكار التواقة للتغيير. تجده في بحث دائم عن مكان، عن اشخاص، عن اطار لقولبتها في مشروع جماعي قابل "للتقليع". ولأن الحملة ملك الجميع، ملك كل شاب آمن باسقاط النظام الطائفي ورموزه، اراد ومجموعة من الرفاق ان يترجموا مبادرتهم في حماية الحملة من مصادريها من رموز النظام. هكذا نزلوا الى الشارع يوم تظاهرة الاشرفية-الصنايع في 20 آذار مرتدين قمصانهم الكحلية التي كتب على صدرها "حلوا عنا" رافعين صورة الرموز التي كلفت طباعتها 60 الف ليرة، وكلفت الرموز والمشاركين في الحملة والتظاهرة المتقاطعين مع هؤلاء الرموز من قريب او من بعيد الكثير الكثير من الارباك والاحراج.

وهو الاحراج الذي لم تنفع مسارعة "المنظمين" الى طلب سحب اليافطة من التظاهرة في الحد من مفاعيله التي استكمل الاعلام ترجمتها عبر تسليطه الضوء على الصورة باعتبارها الحدث الذي طغى على غيره من مظاهر وأرّخ لجديد في الاجتماع السياسي ولو من باب حملة ترى غالبية ان فرص فشلها ما زالت اكبر بكثير من نجاحها.

حامل اجازة الحقوق من الجامعة العربية في بيروت تقاطع ذات يوم مع "حركة الشعب" واعجب برئيسها بصفته "مجددا في فكر التحرر العربي وفي محاربة الفساد في الادارات في المؤسسات". تولى دسوقي مسؤولية فرع بيروت في الحركة لاشهر قبل ان يقرر بأن الحركة لم تعد قادرة بسبب "الظروف الموضوعية" على الاضافة وعلى ابتداع الجديد "هي حال جميع الاحزاب والتيارات التي تتبنى اجندات تغييرية وبات الجمود صفة ملازمة لحالها".
ابن العائلة السنية التي يتماشى مزاجها السياسي مع
التيار السائد لدى الطائفة، نشأ في بيئة بيروتية مختلطة وعمل في وسائل اعلام موالية ومعارضة. لم تحاكِ لحظة 14 آذار 2005 في نفسه حماسة تغييرية، كما لم تستنهض فيه لحظة 7 أيار 2008 غريزة طائفية مقنّعة "لاني دائما مقتّ الصراعات ذات البعد الطائفي". من هنا، فإن التعويل على التغيير "لم يعد ممكناً إلا من خلال حماسة المستقلين من افراد ومجموعات لخلق تكتلات جديدة، وهو الامر المتاح في حال وصول الحراك القائم الى مكان ايجابي".

ويقترب ابرهيم المواكب عن قرب لفاعليات حملة اسقاط النظام اليوم من القول بأن مديريها ليسوا من اكفأ الناس فيها. وفي احيان كثيرة فان "خصالهم تنهل من امراض النظام الذي يدّعون محاربته ولاسيما لجهة عدم فهم الآخر وتقبّل حق الاختلاف". أما ما يملكه من أفكار عملية لتفعيل التحرك فتتجسد في إشراك أكبر شرائح في المجتمع فيه، ولا سيما من اهل الاختصاص واصحاب التجارب والناشطين في المجتمع المدني، والعمل من خلال اطر سياسية وقانونية واجتماعية لملامسة اهتمامات وآلام كل مواطن متضرر من النظام وجذبه الى التحرك ضده… من ضمن الحراك القائم.

السابق
تحديات السياسة الخارجية الثورية
التالي
احتجاج جديد على زيارة وفد أميركي إلى صيدا