الثورات العربية في عصر العولمة والإنترنت

التاريخ لا يكتب على عجل، حتى في عصر العولمة والإنترنت، حيث باتت الأحداث وتفاعلاتها متسارعة. وما حدث في العالم العربي، في الأشهر الثلاثة الأخيرة، ربما فاجأ العالم، مع أن مؤشراته واحتمالات حدوثه، كانت معروفة ومترقبة من قبل مراكز الأبحاث والمخابرات الدولية. والشاهد على ذلك عشرات الكتب والتقارير التي صدرت في عواصم الدول الغربية، في الأعوام الأخيرة، متحدثة بالتفصيل عن الجمر الذي يرقد تحت الرماد في العالم العربي، وعن احتمالات تحوله إلى نيران، بشكل أو بآخر. ولكن من يقرأ؟ ومن يفهم، ومن يتعظ؟

والآن، وقد حدث ما حدث، ماذا يمكننا أن نقول؟ وهل بإمكاننا، كعرب، أن نتعظ، لنستفيد مما حدث، أو، على الأقل، لنستدرك الانزلاق المصيري الذي دفعتنا إليه الأحداث الأخيرة؟
هناك من رحبوا وصفقوا لتلك الانتفاضات الشعبية – أو الثورات الجماهيرية – التي أطاحت بحكمين أوتوقراطيين في تونس ومصر. وضمت هذه المروحة مفكرين وقوى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وديمقراطيين وإسلاميين، وإيران والولايات المتحدة، والمحافظين والتقدميين. مع العلم بأن أسباب وأهداف ترحيبهم، مختلفة بل ومتناقضة.

وهناك من راحوا «يضعون الماء في خمرة حماسهم» – كما يقول المثل الفرنسي – أي يتحفظون هنا، ويمتنعون هناك، ويترددون هنالك. فالبحرين ليست تونس، واليمن ليست مصر، وليبيا ليست سورية. صحيح أن الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، قيم صالحة للدفاع عنها في كل مكان وزمان، ولكن هناك، أيضا، المصالح الدولية الكبرى. وهناك النفط. وهناك خطر الإرهاب الإسلاموي الدولي.

إننا نعيش في عصر جديد. من صفاته سقوط الحدود الجغرافية، الأرضية والفضائية، الفاصلة بين الدول. إنه عصر العولمة والتواصل السريع بين البشر. عصر تستطيع فيه دولة صغيرة حجما وسكانا أن تلعب بواسطة قناة تلفزيونية دورا سياسيا مهما في توجيه الرأي العام في دول أكبر منها، عشر أو عشرين مرة حجما وقوة عسكرية. هذا العصر الجديد هو الذي يفسر ارتباك الدول الكبرى أمام ما حدث وتناقض مواقفها. وهو ما يبرر نجاح الانتفاضة الشعبية هنا وفشلها هناك وتعثرها هنالك. ذلك أن العوامل التي أطلقت وشجعت وحسمت هذه الانتفاضات عديدة ومتنوعة: من تدخلات دولية ووسائل إعلامية حديثة واندفاع الأجيال الطالعة ومواقف القوى المسلحة، بالإضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والعطش إلى الحرية والكرامة. وما كانت كل تلك العوامل لتتلاقى وتتفاعل لو لم نكن نعيش في عصر العولمة والإنترنت.

لقد ارتفعت في سماء العالم العربي، منذ أن اندلعت الانتفاضات الشعبية، شعارات جديدة، غير تلك التي ظلت مرتفعة لسنوات بل لعقود، ونعني: قضية فلسطين، والصراع العربي – الإسرائيلي، واليمين واليسار، والقومية والاشتراكية والوحدة العربية و«الإسلام هو الحل». لتحل محلها شعارات الديمقراطية والحرية والشفافية وحقوق الإنسان. فهل يعني ذلك أن صفحة سبعين سنة من مقاومة إسرائيل والاستعمار والرجعية، قد طويت، وأننا فتحنا صفحة تاريخية أو مصيرية جديدة؟
إن «الثورة العربية» الجديدة – كما يحلو للبعض تسميتها – ومن الأفضل أن تسمى بالانتفاضات الشعبية، لم تنتقل إلى كل الدول العربية. ولكنها لم، وربما لن تتوقف، عند حدود مصر وتونس. ولكنها في اليمن وليبيا، قد تتخذ مجرى آخر. ولا بأس، رحمة بأرواح البشر والعباد. والأنظمة الحاكمة في الدول التي لم أو لن تطيح الانتفاضات الشعبية بها، صغيرة كانت أم كبيرة، سوف تجد نفسها مضطرة إلى إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تستفيد منها شعوبها. وفي ذلك خير، كل الخير.
يبقى السؤالان الكبيران المحيران وهما: ماذا تريد الشعوب العربية بالضبط؟ وماذا يريد العالم، والدول الكبرى خاصة، من العالمين العربي والإسلامي؟

الإجابة عن هذين السؤالين ليست سهلة، وقد لا تكون ممكنة. ذلك أن حاجات ومطالب وأماني الشعوب العربية تفوق بكثير قدرات أي نظام حكم على تلبيتها دفعة واحدة أو في مدى قصير من الزمن. كما أن الدول الكبرى ليست صادقة كل الصدق فيما تزعمه من رغبة في سلام واستقرار منطقة الشرق الأوسط ما دامت تقدم سلامة إسرائيل على كل الاعتبارات الأخرى، بما فيها مصلحتها، الأمر الذي ساعد على قيام واستمرار أكثر من نظام ديكتاتوري عربي.

السابق
التخبط اللبناني بين الأجندتين
التالي
عودة دمشق المرجعية أبرز خسائر 14 آذار