في اليوم العالمي للصحّة: الجراثيم تقاوم الأدوية… فلنجابهها!

يصادف «اليوم العالمي للصحة» في السابع من نسيان، وقد اختارت «منظمة الصحّة العالميّة» تخصيص دورته في العام الجاري لموضوع مقاومة الجراثيم لمضادات الأدويّة، تحت شعار «معاً نجابه مقاومة الجراثيم للأدويّة».
فالجراثيم تقاوم مضادات الأدوية، عندما تطرأ على تلك الكائنات المجهريّة، مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات، طفرات تؤدّي إلى إبطال نجاعة الأدويّة المستخدمة ضدّها. ويشار إلى تلك الكائنات المجهرية باسم «الجراثيم الخارقة» عندما تتمكن من مقاومة معظم مضادات الميكروبات.

ويعود تاريخ المضادات الحيوية إلى العام 1928، حين اكتشف الباحث إلكسندر فليمنغ المضاد الحيوي الأول، وهو «بنسلين»، عن طريق الصدفة. فإثر عودته من إجازة، لاحظ فليمنغ أنّ الفطريات التي نمت إلى جانب عينات البكتيريا في مختبره، أدّت إلى الحدّ من تكاثرها، ما جعله يفترض أنّ تلك الفطريات تنتج مادة تهدّد حياة البكتيريا، فسمّاها بـ«بنسلين». وفي العام 1941، بدأت تجارب المضاد الحيوي «بنسلين» على الإنسان.

مقاومة تثير قلقاً عالمياً
تثير ظاهرة مقاومة الجراثيم لمضادات الميكروبات، قلقاً صحيّاً عالميّاً، لأنّ العدوى المقاوِمة للأدوية تودي بحياة المصاب بها، كما هي قادرة على الانتقال إلى أناس آخرين، كما تفرض تكاليف باهظة على الأفراد والمجتمع. وتطرح مقاومة مضادات الميكروبات خطر العودة إلى فترة «ما قبل المضادات الحيوية»، حين كان يصعب التحكّم بعلاج بعض الأمراض المعدية، ما يؤثّر على نجاح عمليات زرع الأعضاء، وعلى العلاج الكيميائي الذي يتلقاه مرضى السرطان.

ويعتبر الإفراط في وصف مضادات الميكروبات، وسوء استخدامها، وتدنّي نوعيّة الأدوية، وعدم مكافحة العدوى بالطرق الملائمة، وضعف نظم الترصّد أو انعدامها، أبرز العوامل التي تساهم في مقاومة الجراثيم للأدويّة. في المقابل، تستفيد الكائنات المجهريّة المقاوِمة من التجارة والسفر في الإنتشار بسرعة في مختلف أنحاء العالم. كما يؤدّي سوء استخدام الأدويّة في مجال تربية الحيوانات إلى ارتفاع نسبة الجراثيم المقاومة التي من الممكن أن تنتقل إلى الإنسان.

وبحسب منظمة الصحّة العالميّة، تسجلّ، في كلّ عام، نحو أربعمئة وأربعين ألف حالة جديدة من حالات السلّ المقاومة للأدويّة في العالم، ما يسبّب وفاة ما لا يقلّ عن مئة وخمسين ألف نسمة. وتنتشرعلى نطاق واسع مقاومة مضادات الملاريا. وقد ظهرت آليات مقاومة جديدة لدى الجراثيم، كإحتوائها على أنزيم «نيودلهي بيتالاكتماز الفلزي» الذي يبطل نجاعة مضادات الميكروبات. كما يستدعي ارتفاع نسبة إستخدام مضادات فيروس نقص المناعة البشرية، التنبّه الصحّي العالمي إلى الفيروس وإلى آليات مقاومته.
وتؤكّد الإختصاصيّة في الطب الداخلي والأمراض الجرثوميّة، والباحثة في علم الوبائيات في «الجامعة الأميركيّة في بيروت»، الدكتورة زينة كنفاني، أنّ «نسبة الجراثيم المقاومة لمضادات الميكروبات ارتفعت في العالم، ومنها جراثيم العنقودية الذهبيّة، والكليبسلا، والجراثيم «الراكدة»، والبكتيريا الزائفة الزنجاريّة، والإشريكية القولونيّة التي تعيش في أمعاء الثدييات وتنتمي إلى فصيلة Enterobacteriaceae».

خطر على المجتمع.. وسبل الوقاية
تلفت كنفاني إلى أنّ «تلك الجراثيم لا تسبّب مرضاً واحداً، بل تؤدّي إلى مشاكل صحيّة عدّة.. والطفرات التي تصيب بعض الجراثيم وتجعلها مقاومة للأدويّة، قادرة على أن تنتقل من جرثومة إلى أخرى».
تنبّه كنفاني إلى أنّ «مساوئ استخدام مضادات الميكروبات بطريقة غير ملائمة، لا تقتصر فقط على المريض، بل تلحق ضررا بجميع أفراد المجتمع، فالجرثومة المقاومة تنتقل من شخص إلى آخر، وتسبّب بذلك عبئاً صحيّاً عاماً».
وانطلاقاً من الأسباب المذكورة، تشدّد كنفاني على «ضرورة وصف أدوية مضادات الميكروبات بطريقة رشيدة، أي عدم الإفراط في وصفها، وتحديد الدواء المناسب، حيث إنّ تناول مضاد حيويّ غير ملائم يساعد الجراثيم الموجودة في الجسم على كسب المزيد من المقاومة. كما تجب مراقبة نوعية المضادات الحيوية الموجودة في الأسواق اللبنانيّة، وعدم بيعها من دون وصفة طبيّة، ويجب على المريض التقيّد بالمقرّر العلاجي الموصوف وعدم أخذ جرعات ناقصة أو زائدة، والتنبّه دائماً إلى غسل الأيدي للحدّ من إلتقاط العدوى الجرثوميّة».

أمّا على صعيد المستشفيات فتشير كنفاني إلى «ضرورة إتباع إستراتيجية لا تسمح إلا لاختصاصيي الأمراض الجرثومية، وصف مضادات الميكروبات، وتقوم على وجوب عزل المصابين بجراثيم مقاومة للأدويّة».
في السياق عينه، يؤكّد منسقّ برامج «منظمّة الصحة العالميّة» في لبنان الدكتور زياد منصور أنّ «منظمّة الصحة»، بالتعاون مع وزارة الصحة العامة والنقابات المعنيّة في لبنان، «تعمل على تطوير آليات ترشيد استعمال الدواء، حيث يجب على الأطباء والصيادلة الحدّ من وصف مضادات الميكروبات بطريقة غير مناسبة، والتأكّد من حفظ الأدويّة بطريقة سليمة، وعدم الرضوخ لرغبة المريض الذي يحبّذ تناول المضاد الحيوي لاعتقاده أنّه يضمن له الشفاء بسرعة، وعدم تناول المضادات الحيوية من دون استشارة طبيب».

وفي العالم، تسعى «منظمة الصحة العالميّة» إلى الحدّ من مقاومة مضادات الميكروبات، من خلال «تنفيذ سياسات الإرشاد والترصّد، وتوفير المساعدة التقنيّة للدول، وضمان جودة الأدويّة الأساسيّة واستخدامها على نحو رشيد، وضمان جودة المختبرات، ومكافحة العدوى بالطرق الملائمة، واستخدام الأدوية المضادة للميكروبات بطرق سليمة في مجال تربية الحيوانات».

السابق
دعوة مؤتمـر الحـد مـن مخاطر المخدرات: لاستبدال قوى الأمن في السجون بالمتخصصين
التالي
هبة بلجيكية لمركز نزع الألغام