أصوات مقلقة من القاهرة

بعد شهرين من الثورة التي ادت الى اسقاط الرئيس مبارك، وزير الخارجية المصري الجديد، الدكتور نبيل العربي، يقدم "معتقداته" بشأن ما ينتظرنا وينتظرهم وينتظر اتفاق السلام.
عن احتمال أن يؤدي التحول الدراماتيكي الى منظومة علاقات جديدة وتعاون لم نشهده حتى اليوم لا يتوقف كثيرا. التطبيع؟ الحقائق على الارض تتحدث من تلقاء نفسها. في القدس فهموا منذ الآن بأننا لا نسير نحو لعق العسل في القاهرة وان السلام البارد، اذا كان هناك احتمال في أن يتغير، فانه ستجري التفافة حادة فيه لغير مصلحتنا فقط.

من جانب، يعلن العربي أن مصر ملتزمة باتفاق السلام مع اسرائيل. كما أن يستغل الفرصة (مقابلة في برنامج تلفزيوني واسع المشاهدة "العاشرة ليلا"، في قناة "دريم" الخاصة) كي ينفي نفيا باتا موجة الشائعات وكأنه طالب بالغاء الاتفاق. حتى هنا هذه بالتأكيد بشرى طيبة، سمعنا مثلها أيضا من الحاكم الفعلي في مصر، الجنرال حسين طنطاوي. اما الحقيقة؟ لا يوجد سبب يدعو مصر الى الغاء الاتفاق. في الوضع الجديد يحتاجون الى كل سنت من الملياري دولار من المساعدات السنوية الاميركية.
من جهة اخرى، العربي اياه، يحرص على الايضاح أن يديه نقيتان، لأنه لم يكن شريكا في صياغة اتفاق السلام، "وكل شيء مفتوح الان". بين السطور يمكن أن نلتقط تلميحا شديد الوضوح: ما كان لن يكون بعد اليوم، ومصر ليست في جيب أي جهة اسرائيلية. من ناحيتنا، على هذا السلام وقع الطرفان: مصر، الملتزمة بالاتفاق، واسرائيل، الملتزمة بالتفاصيل الصغيرة. واذا حاولت اسرائيل التملص، مثلما حاولت في قضية الانسحاب من طابا، فثقوا بمصر الجديدة بأن تجد السبل لاجبارها.
ليس صدفة أن يخرج العربي من الجارور قضية طابا: فقد اخذتنا مصر في حينه الى التحكيم الدولي المتصلب، الذي رجح الكفة في مصلحتهم. من وقف في حينه على رأس الفريق القانوني الذي حقق الانتصار؟ من غير الصعب التخمين: هو يطل الان على المشهد الرائع للنيل من داخل مكتب الوزير، في الطبقة العليا لوزارة الخارجية في القاهرة.

العربي تسلم منصبه بخطى رشيقة. حياته السياسية غنية، خليط مظفر من القضائي والديبلوماسي. رئيس الدولة شمعون بيرس، الذي في تصريح متسرع اكثر مما ينبغي وصف مبارك كذخر سقط في ايدينا (وان كان فقط في سنوات ولايته الاخيرة)، يضع العربي في صورة ان اسرائيل لم يعد بوسعها التسلي مع النظام المصري مثلما تسلت مع مبارك، حين استخدمته، على حد قوله، لنقل الرسائل. الذخر تبدد، ولا احتمال ان يعود. وحين يجلس رئيس الوزراء نتنياهو منذ سنتين ولا يفعل شيئا في الموضوع الفلسطيني، فان العربي ينسج منذ الآن لعقد مؤتمر دولي.

بعد قليل، ايلول، والفلسطينيون يعتزمون الاعلان في حينه عن دولة، ولكن قبل لحظة من ذلك، على نتنياهو أن يحذر من فخ مصري.
انتبه، يا نتنياهو، يوجد فخ آخر: العربي يمتشق، وليس صدفة، المادة 8 في الاتفاقات، كي يلمح بالحق بالمطالبات المالية. حتى اليوم، يهزأ هو من أسلافه، بانهم وضعوا المواضيع المالية في اعماق الجارور. الان أنا هنا. توقعوا المفاجآت.
ما الذي يخطط له؟ يمكن التخمين. مثلا، تعويضات لعائلات الجنود المصريين الذين قتلوا في سيناء، استنادا الى الثرثارين عندنا الذين تباهوا بقتل الاسرى. ولكن كل شيء مفتوح للمفاوضات: عدد القوات المصرية في سيناء، اتفاقات الغاز، الالتزامات للفلسطينيين، وحتى النظرة الجديدة للعلاقات مع ايران. يأخذون ما هو مجدٍ، ويطورون ما هو مفيد.

نحن نقف امام خليط سيئ: شباب الثورة ولدوا في السلام معنا، دون تعليم للسلام. قلائل فقط، اذا كانوا موجودين اصلا، التقوا اسرائيليين في أي وقت من الاوقات. اصحاب القرار يعرفوننا اساسا من الزاوية السلبية. لديهم الان عدد لا حصر له من المشاكل، التحديات، المخططات والاحلام. نحن حقا لسنا في رأسهم.
ترجمة المصدر – رام الله()

السابق
الشباب المسيحي على الـ”فايسبوك”
التالي
معرض الكتاب الرابع لـ”المبرات”