حزب الله والثورات وسوريا

تتابع قيادة حزب الله التطورات والتحركات في الدول العربية باهتمام كبير، وقد أفرز الحزب جهازاً متخصصاً لمتابعة هذه التطورات سواء من خلال الاتصالات أو اللقاءات، أو عبر المواكبة السياسية والتحليلية، أو لجهة الاهتمام الإعلامي من خلال وسائل الاعلام التابعة للحزب (تلفزيون المنار، اذاعة النور، موقع الانتقاد الالكتروني). كذلك شُغلت مراكز الدراسات والأبحاث والهيئات الثقافية والحوارية في الضاحية الجنوبية بدراسة هذه التطورات وعقد اللقاءات والجلسات الخاصة لبحث ما يجري في الدول العربية من ثورات وانعكاساتها المستقبلية على لبنان والمنطقة والقضية الفلسطينية.

ورغم وجود تباين أو تمايز في مواقف حزب الله حول التطورات من بلد إلى بلد (حسب النظام السياسي في كل دولة ومواقفه من المقاومة والصراع العربي – الإسرائيلي)، فإن هناك شبه إجماع لدى قياديي الحزب ان ما يجري في هذه الدول سيكون له تداعيات كبيرة في المستقبل وهو سينعكس إجمالاً لمصلحة قوى المقاومة (وهذه المواقف قبل حصول التطورات الأخيرة في سوريا).
وكان المسؤولون في الحزب يصرون دائماً على عدم قلقهم وخوفهم على الأوضاع في سوريا نظراً إلى مواقف هذا النظام الايجابية من قوى المقاومة في لبنان وفلسطين. فما هي أبرز النقاط التي جرت مناقشتها في اللقاءات الحوارية والندوات الثقافية ومراكز الدراسات في الضاحية الجنوبية؟ وكيف ينظر حزب الله إلى التطورات العربية والوضع في سوريا خصوصاً؟

أجواء الحوارات والنقاشات
بداية ما هي أبرز النقاط والأفكار التي طرحت في اللقاءات والندوات النقاشية والحوارية التي عقدتها مراكز الدراسات في الضاحية الجنوبية؟
لقد اقيمت سلسلة لقاءات لبحث ما يجري من تطورات على الصعيد العربي، والمراكز التي استضافت هذه اللقاءات هي: المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق (وهو مرتبط بحزب الله)، مركز الامام الخميني الثقافي، منتدى الحوار الثقافي، مؤسسة الامام الحكيم، المركز الإسلامي الثقافي (التابع لمسجد الحسنين في حارة حريك)، معهد المعارف الحكمية الذي أقام ندوة متخصصة عن التطورات في ايران، كما تناولت الندوة أيضاً الأوضاع في العالم العربي.
والنقاط التي طرحت خلال هذه اللقاءات الحوارية يمكن تلخيصها بما يأتي:

1- ان ما يجري في الوطن العربي من ثورات وتحركات شعبية سيكون له نتائج وتداعيات كبرى على صعيد كل المنطقة ولا يمكن تحديد المدى الذي ستصل إليه هذه الثورات حالياً.
2- ليس صحيحاً ان الولايات المتحدة الأميركية هي التي تقف وراء هذه التحركات وان كانت الادارة الأميركية تعمل من أجل مواكبتها واستيعابها أو الحدّ من نتائجها السلبية.
3- هناك أسباب متنوعة لانطلاقة هذه الثورات ومنها: سقوط عامل الخوف، دور الاعلام والانترنت، الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، ارتهان بعض الأنظمة العربية للخارج، تراجع الدور الأميركي، النجاحات التي حققتها قوى المقاومة في أكثر من منطقة وخصوصاً لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان.
4- ان المواقف الايجابية لبعض الأنظمة العربية كسوريا مثلاً قد يساعدها في تجاوز الأزمات والضغوطات ولكن ذلك لا يعني انها ستكون خارج دائرة التحرك، ولا بدّ لجميع الحكّام العرب من الأخذ في الاعتبار حاجات مواطنيهم ولا سيما على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والحريات الاعلامية والسياسية.
5- المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من التحركات في دول عربية أخرى وان ما يجري في اليمن سيكون له نتائج كبرى في منطقة الخليج، وان القدرة على السيطرة على الوضع في البحرين لا يعني انتهاء الحراك في هذا البلد، وان كل الدول العربية ستشهد المزيد من التحركات الشعبية ولا أحد يستطيع حالياً تقدير الأفق الذي ستصله هذه التطورات.
6- ان المنطقة قد تشهد مستقبلاً محوراً جديداً قائماً على ثلاثية: الوطن العربي – تركيا – ايران، وان الوطن العربي سيكون شريكاً وفاعلاً في رسم خريطة المنطقة في المرحلة المقبلة.

حزب الله والتطورات
لكن أين يقف حزب الله من التطورات العربية عامة ومن الوضع في سوريا بشكل أخص؟
عندما بدأت الثورات في مصر وتونس وامتدت إلى البحرين وليبيا واليمن، عبّر القياديون في حزب الله عن ارتياحهم لهذه الثورات والتحركات، وعمد الحزب إلى اقامة العديد من الأنشطة لدعم هذه الثورات وخصوصاً مصر والبحرين، رغم ان المواقف التي اطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول الأوضاع في البحرين أدّت الى حصول سجالات ونقاشات، سواء لجهة انتقاده غير المباشر للشيخ يوسف القرضاوي أو لجهة دعم التحركات الشعبية في البحرين، ما أدى إلى ردود فعل سلبية من حكومة البحرين وبعض دول الخليج ضد اللبنانيين في هذه الدول.

وفي اللقاءات الخاصة مع قياديي الحزب كانوا يؤكدون أهمية التطورات الحاصلة في الوطن العربي وأن نتائجها ستكون لمصلحة قوى المقاومة.
أما على صعيد الوضع في سوريا فكان المسؤولون في الحزب يستبعدون حصول تطورات خطيرة في هذا البلد، نظراً إلى مواقفه الداعمة لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين ولوقوفه بوجه السياسة الأميركية.
وعندما بدأت التحركات الشعبية في بعض المناطق السورية عمد اعلام حزب الله إلى دعم مواقف النظام السوري واظهار التأييد الشعبي له، فيما بدأت بعض الأوساط الاعلامية القريبة من الحزب تنشر مقالات وتعليقات تكشف عن بدء حصول نوع من القلق لدى قيادة الحزب وما يجري في سوريا مما دفعه للتحرك بقوة للاسراع في تشكيل الحكومة في لبنان خوفاً من حصول متغيرات وتطورات ليست لمصلحة الحزب وحلفائه.
أما الأوساط الإسلامية القريبة من حزب الله فهي بدأت تتحدث عن ضرورة الانتباه لما يجري في المنطقة والاستعداد لكل الاحتمالات والتوقعات لأن الثورات الشعبية ستغير خريطة الواقع العربي، واذا لم يستجب الحكام العرب جميعاً لمتطلبات شعوبهم فإن هذه الثورات ستشملهم أيضاً.
وقد عمد حزب الله إلى تشكيل فريق خاص من قيادييه ومسؤوليه والمؤسسات التابعة له لمواكبة كل المتغيرات والتطورات في الوطن العربي، كما ان هذه المتغيرات سيكون لها تأثير كبير على ادائه وسياسته في المرحلة المقبلة سواء على الصعيد اللبناني الداخلي أو على صعيد العلاقة مع القوى والحركات الإسلامية والعربية الفاعلة.
نحن اذن أمام واقع عربي جديد وحزب الله سيكون معنياً بدراسة كل التطورات التي تجري والاستعداد لكل الاحتمالات لكي لا يُفاجأ بما سيحصل ولكي يكون مستعداً لمواكبة هذه التطورات.

السابق
إقرار قانون الإرهاب في إسرائيل
التالي
النظام الطائفي بين أمل والجماعة الاسلامية