الثورات العربية… وفشل المخطط الأمريكي الاسرائيلي

نشهد اليوم بداية ثورة عربية شاملة، ثورة معادية للامبريالية والصهيونية والاستبداد والفساد والتبعية للولايات المتحدة: العدوّ الأوّل للعروبة والإسلام وقضيّة فلسطين. وبالتالي يتحول الوضع في الوطن العربي لصالح الوحدة الوطنية وحركات المقاومة ضد الاستبداد والفساد وحق المواطن بالحرية والديمقراطية، ولصالح شعوب المنطقة التي تتّخذ الولايات المتحدة تجاهها ممارسات وسياسات تتناقض مع مبدأ القانون الدولي وجميع العهود والمواثيق الدولية.
لقد فقدت الولايات المتحدة الأمريكية مصداقيتها لدى جميع دول منطقة الشرق الأوسط لأنّها منحازة انحيازاً أعمى ﻟ "إسرائيل" وتقف بجانب الأنظمة الفاسدة والمستبدّة كنظام مبارك في مصر وزين العابدين في تونس .
يريد الشعب العربي وضع حدّ للإذلال وكسر الإرادات والاحتلال والاستيطان الذي تولده سياسة إسرائيل والدعم الأمريكي والأوروبي المطلق لها ولحروبها العدوانية واحتلالها للأراضي العربية. إن الثورة الشعبية العربية والتطورات في الوطن العربي في الوقت الراهن لا تسير في صالح الولايات المتحدة وإسرائيل، إنّما خلقت مناخاً تجلّت فيه روح الوحدة العربية والأفكار القومية ووجوب مواجهة الأنظمة المستبدة والمساندة لإسرائيل، من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، وبالوقت نفسه ضدّ الاحتلال والتبعية.

إنّ رفع الثورة الشعبية العربية شعار "الشعب يريد تحرير فلسطين" يعني أنّ مصير إسرائيل ككيان استعماري استيطاني ونظام عنصري في طريقه إلى الزوال. لقد جعل اعتماد الشعب العربي خيار المقاومة والانتفاضات والثورات، وإيمان شعوب العالم بأنّ هذا العصر هو عصر الحرية والتحرر وحق الشعوب والأمم في تقرير المصير، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، كل ذلك جعل إسرائيل تظهر على حقيقتها، حالة شاذة، غير طبيعية في المنطقة وفي العالم بأسره.
لقد انبثق "شرق أوسط جديد" ولكن ليس على الطراز الذي كان يحلم به الرئيس الأمريكي جورج بوش، ولا ذلك الذي كان يخطّط له المحافظون الجدد، ردّاً على الهجمات التي وقعت يوم الحادي عشر من أيلول 2001، فرياح التغيير التي هزّت المنطقة العربية من الرباط إلى بغداد وضعت المجتمع الدولي موضع الشبهة، حيث تذبذبت مواقف الإدارة الأمريكية في غضون ثلاثة أسابيع بين الحث على الاستقرار إلى الشد من عضد حليفها الاستراتيجي حسني مبارك، وصولاً إلى الترحيب بالإطاحة به، وهي مواقف فضحت عدم اتزان الجسم السياسي في البيت الأبيض، ولعلّ المفاجأة أدهشته فابتلي بسوء التقدير. الخطوات ذاتها سارت على هداها فرنسا فيما يتعلّق بتونس، ولكن ما زاد الطين بلة، مغامرة وزيرة خارجيتها "ميشال أليو ماري" والتي دفعت ثمنها باهظاً، فأقيلت من منصبها. فبالرغم من أن الجميع يعلم أنّ السياسة الخارجية الفرنسية عادة ما تعد في المطبخ السياسي داخل جدران الاليزيه، إلا أن /أليو ماري/ رغبت أن تمارس ما قدّرت أنّه دور أخلاقي، استذكرت معه تورّط عائلتها في مصالح جمعتها مع رموز نظام بن علي البائد، ودعت في هذا السياق "المنطقي بالنسبة لها" السلطات التونسية إلى "ضبط الوضع وإنهاء ما أسمته التمرّد"!!
وإن كانت /أليوماري/ قد انطلقت من هوامش وزارة الدفاع لتلعب عند الحدود الفاصلة بين السياسة والمبادئ والمصالح، عادة ما تكون على تضاد أخلاقي، فكيف إذا كان صاحب العلاقة مجبولاً بالانتهازية التي سادت قصر الاليزيه عقوداً من الزمن ولم يتعلّم من الدروس المستفادة التي قرأها كل ذي بصيرة إبان حقبة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.

ومن هنا يمكن القول إنّ السياسات الغربية، سواء كانت أوروبية أم أمريكية، لا خيار لها في منطقة الشرق الأوسط إلاّ أن تعدل سياساتها أو تبدلها بما ينسجم مع الواقع الجديد، وهي تعلم ألاّ مكان لسياسة إملاء الشروط، فإذا لعبت بهذه الشروط البالية، فإنّ دورها سيكون دوراً بغيضاً على المستوى الاخلاقي ، وعلى الولايات المتحدة أن تعيد النظر فعلياً في سياساتها في المنطقة، لأنها تعلم أن أمنها لن يكون بعد اليوم على حساب أمن الدول والشعوب العربية، بعد أن أيقنت أن كل الفرضيات السابقة قد ولّى زمانها.
(ترجمة فداء داهود- البعث السورية)

السابق
لبنان محكوم بـ “وهج” التطورات في سورية
التالي
سوريّة بين استحالتين