الأكثرية الجديدة أمام هزيمة مؤكدة

 في غياب التدخّل السوري الحاسم المؤهّل لإعطاء اشارة الانطلاق لتشكيل الحكومة، يتصرّف حلفاء سوريا وكأنهم يشاركون على المسرح في مسرحية لا مخرج يديرها.

ولم تؤدّ الزيارة الثنائية الاخيرة قبل ايام لعزمي وطه ميقاتي الى دمشق، الى الحصول على كلمة السر، فالكلام الذي سمعاه من القيادة السورية لا يشير الى النية بممارسة ضغط حقيقي على العماد ميشال عون، لتسهيل مهمة الرئيس المكلف. والاجتماع الخماسي الذي شارك فيه جبران باسيل، عبّر عن نفسه بنفسه، الى درجة ان باسيل لم يتأخر عن وصفه بأنه كان اجتماعا سيئا جدا، ما يدل على ان عون وميقاتي سيسيران على سكّة قطار واحدة، ولكن باتجاهات معاكسة تؤشر الى حصول تصادم لم يعد طرفاه قادرين على حَجب اقتراب ساعته.

ولم تعطِ الزيارة العيادية التي قام بها الرئيس ميقاتي الى العماد عون، أي انطباع بأن التأزّم على خط تشكيل الحكومة قد تحوّل الى بداية انفراج، فالزيارة التي لم يتخللها اي كلام في موضوع تشكيل الحكومة، غاب عنها باسيل الذي يلازم عون في كل لقاءاته التفاوضية، وبقيت مجرّد لفتة إيجابية من ميقاتي تجاه عون، تمثلت بالقدوم شخصيا الى المستشفى بَدل الاطمئنان عبر الهاتف.

التأزم هو ذاته والمعضلات تتفاقم، والاختلاف في الاساليب والاهداف يزيد حَجم الهوّة، ويكاد يتحوّل الى هزيمة سياسية للأكثرية، والى صراع بين فريقين كان يفترض ان يكون فريقا واحدا، على الرغم من الجهود كلها التي بذلها ويبذلها حزب الله، لمنع الوصول الى ابغض الحلال.

ومن خلال مسار التفاوض الذي طال بين طرفي الاكثرية، بدا واضحا ان العماد عون لن يتخلى بسهولة عن وزارة الداخلية الذي رشّح ضابطا سابقا لتوَلّيها، ولم تفلح جهود حزب الله في ثَنيه عن مطلبه. ففي احد اللقاءات في الرابية، صارح عون "خليلَي" حزب الله وأمل أنه يريد الداخلية، لأنها بالنسبة له تعني القدرة على بدء معركته الانتخابية لعام 2013 منذ الآن.

وقال عون: هناك معركة في العام 2013 ولا استطيع خوضها بوسائل دفاعية، بل بواسطة الهجوم.

وتابع: أنتم لا تماس لكم مع ميشال سليمان، ولن تتأثروا لا سلبا ولا إيجابا اذا اخذ "الداخلية"، اما بالنسبة لي فالوضع مختلف، فهو شَنّ حربا ضدي في البلديات في كسروان وجبيل والمتن، وفي انتخابات الاتحادات استعمل وزارة الداخلية ولم يستطع زياد بارود الاعتراض. ولذلك، فأنا متمسك بالداخلية، ولن أتخلى عنها.

اللافت انه، ونظرا لمعرفة حزب الله بحساسية عون إزاء ما يطلب من مكاسب، حرص الحزب على ترجيح موقف عون في اللقاءات التي أجراها مع ميقاتي. وفي اللقاء الاخير الذي جمع الرئيس المكلف بالسيّد حسن نصر الله، حرص الاخير على عدم الظهور بمظهر الوسيط المحايد، حيث دعا ميقاتي الى تفهّم مطالب الجنرال الذي تعتبر كتلته جزءا اساسيا من الاغلبية الجديدة، لافتا نظر ميقاتي الى انه اذا كان قلم رئيس الجمهورية هو الذي سيوقّع على مرسوم تشكيل الحكومة، فإن كتلة عون هي التي ستمنحها الثقة، وبالتالي فالأفضل التعامل مع الجنرال كشريك، وليس كطرف يفترض به فقط البَوح بما يريد من حقائب، ليسقط عليها الرئيس المكلف الأسماء التي يختارها.

هذا على خط الرابية – فردان، اما في شأن خط التوتر العالي بين الرابية وبعبدا، فإن الامور تبدو متجهة الى المزيد من التعقيد، في ظل إصرار العماد عون على تجريد رئيس الجمهورية من حصّته الوزارية. وعلى عكس الهدوء النسبي الذي وَسم علامة سليمان بعون منذ فترة، فإن تصاعد المواجهة باتت تأخذ شكل القطيعة. فعلى عكس ما فعل الرئيس سليمان حين عزل العماد عون شخصيا بوفاة شقيقه، امتنع بالأمس حتى عن مجرد الاتصال للاطمئنان، ما فسّر على أنّ العلاقة باتت محكومة بمواجهة مفتوحة، يحاول حزب الله فيها ان يلعب بين الرجلين دور الوسيط والحليف لعون في آن. وكما مع ميقاتي، فإن النائب محمد رعد الذي زار الرئيس سليمان منذ ثلاثة ايام، عجز عن إقناع رئيس الجمهورية بالتنازل لعون، وتوقفت المساعي عند حائط مرتفع جدا.

وفي ظل استمرار التعثّر وانسداد الافق، تبقى أنظار الفريقين في الاكثرية المأزومة مُتّجهة الى دمشق، لعل الإفراج عن كلمة السر الحكومية يكون قريبا.
 

السابق
ابي رميا: الداخلية حق لنا لاننا أكبر تكتل نيابي مسيحي
التالي
التوجيه الجامعي في غياب دراسة السوق