واشنطن والحظر الجوي على ليبيا

يبدو أن مخطط الولايات المتحدة في عدوانها على ليبيا يسير بالاتجاه الذي ترغب به، فوابل صواريخ "توماهوك" التي تم إطلاقها من سفن أميركية في البحر المتوسط، أدى فعلياً إلى فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا، بحسب تصريحات قائد الأركان المشتركة الأميركية الأدميرال "مايك مولين".
لقد سمح هذا العمل العسكري للمقاتلات الأميركية، وطائرات التشويش الراداري بالطيران فوق ليبيا، وتعقب المضادات الأرضية، والدبابات، والمدفعية وغيرها من الأسلحة والقوات الليبية، التي تهدد قوات المتمردين.
وبات الطيارون الأميركيون بموجب هذا العمل آمنين من الصواريخ الليبية أرض – جو البعيدة المدى، القادرة على التعامل مع الطائرات التي تطير على ارتفاعات شاهقة، والتي كان بمقدورها إسقاط الطائرات التي يقودها الطيارون الأمريكيون ليصبحوا أسرى حرب في هذه الحالة.
لكن الأدميرال "مولين " اعترف خلال العديد من اللقاءات التلفزيونية أن هناك العديد من الأسئلة الرئيسية التي لا تزال دون إجابة. على سبيل المثال: ماذا يمكن أن يحدث إذا ما حول المدنيون الليبيون الموالون للقذافي أنفسهم بالفعل لدروع بشرية، وأحاطوا بالأهداف المحتمل ضربها، أو بالمجمع الذي يؤوي الزعيم الليبي؟ وماذا سيحدث إذا ما سيطر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على الموقف عسكرياً، بينما بقي القذافي في السلطة مع ذلك؟. وماذا سيحدث إذا ما قتل القذافي، أو غادر ليبيا وتمزقت البلاد بعد ذلك وفقاً لخطوط قبلية لتغرق في مستنقع الحرب الاهلية.
قال "مولين" في لقاء مع قناة "سي.إن.إن" الإخبارية الأمريكية: "كيف سينتهي ذلك من وجهة النظر السياسية؟.. لا أستطيع أن أجزم بذلك في الحقيقة".
وكان أوباما قد تعهد بأن القوات الأميركية لن تتورط في حرب برية داخل الأراضي الليبية، لكن إذا ما انتقل القتال إلى المناطق المدنية، ستصبح الهجمات الجوية أو الهجمات بصواريخ السفن الحربية القابعة في المتوسط، أمراً أكثر صعوبة بكثير، كما لن يكون ممكنا تجنب الخسائر المدنية.
وفي هذا السياق أذاع التلفزيون الرسمي الليبي بياناً أعلن فيه أن 48 شخصاً قد لقوا مصرعهم في الهجمات الأولية التي شُنت الأسبوع الماضي. وحتى الآن لا يزال القذافي يتخذ موقفاً متحدياً
ضد ما يمكن تسميته بالاستعمار الأجنبي الجديد.

لقد شملت الضربة الأولى إطلاق 112 صاروخاً من نوع "توما هوك" من سفن حربية أميركية (وغواصة بريطانية) ضد مواقع صواريخ ليبية سطح – جو من طراز SA-5 روسية الصنع، وكذلك على مواقع إنذار مبكر، ووسائل الاتصالات الرئيسية في ليبيا عموماً. وبدأت طائرات البحرية الأميركية من نوع EA-18G المخصصة للتشويش الراداري الطيران تعمل فوق ليبيا كجزء من المجهود العسكري الرامي لفرض منطقة حظر طيران.
إضافة لذلك شنت الطائرات النفاثة من نوع هاريرAV-8B، التابعة لسلاح المارينز والقادرة على الإقلاع عامودياً، هجمات ضد أهداف أرضية انطلاقا من السفينة البرمائية USS Kearsarge الموجودة في البحر الأبيض المتوسط. كما تفيد الأنباء أيضاً أن الطائرات الأميركية من طراز F-16 ، F-15 والقاذفات من طراز الشبح B-2 قد شاركت في المجهود الأميركي المنسق الرامي، لتحقيق السيادة الجوية ومنع الجيش الليبي من مهاجمة المتمردين.

في الوقت نفسه استمرت المقاتلات الفرنسية والبريطانية بعدوانها ضد ليبيا كجزء من محاولة لخلق شعور بـ"الصدمة والرعب" على غرار ما حدث في العراق 2002، ما قد يؤدي في نهاية المطاف لإسقاط النظام الليبي.

أكد المسؤولون الأميركيون منذ البداية أن دور الولايات المتحدة هذه المرة سوف يكون دوراً "مسانداً" للدول الأخرى في التحالف، وهي كندا، والدول الأوروبية، وبعض الدول العربية التي قد تقدم تأييداً معنوياً- على الأقل. وقال "مولين" في هذا الخصوص:"إننا نقود هذا الجهد الآن… ولكننا نتطلع لتسليم قيادته خلال الأيام القليلة القادمة" وهذا ما حدث فعلاً فقد تسلم الناتو بقيادة تركيا العمليات العسكرية والإنسانية في ليبيا مع الإشارة إلى تشديد أنقرة على أن دورها في هذا الأمر يقتصر على تقديم وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لليبيين.

وقد انتقد البعض أوباما لمضيه قدماً في خطته للقيام برحلة إلى أميركا اللاتينية في الوقت نفسه، الذي كانت بلاده تذهب فيه للحرب في دولة إسلامية ثالثة غير أن أوباما قال: إنه يراقب الموقف في ليبيا عن كثب على الرغم من برنامج رحلته الكثيف. ووفقا لبيان صادر من البيت الأبيض، أجرى أوباما اتصالًا عبر دائرة تلفزيونية مغلقة مع مستشاره للأمن القومي"توم دونيلون" ووزيرة خارجيته ووزير دفاعه، والجنرال "كارتر هام" (رئيس القيادة الأفريقية للولايات المتحدة)، ونائب مستشاره للأمن القومي"دينيس ماك دوناو".
يذكر أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تشن فيها الولايات المتحدة هجوماً جوياً على ليبيا، حيث سبق لها من قبل أن شنت هجوماً جوياً على طرابلس وبنغازي عام 1986 انتقاماً من اتهام الاستخبارات الليبية بتفجير ملهى ليلي في ألمانيا أسفر عن مصرع اثنين من الجنود
الأميركيين وإصابة عشرات آخرين.
وعلى الرغم من أن القذافي قد نجا من ذلك الهجوم الذي استهدف أيضاً مقر قيادته، فإن عشرات آخرين لقوا مصرعهم من بينهم ابنته الصغيرة. فهل ستفشل امريكا هذه المرة أيضاً في حربها ضد ليبيا؟
(ترجمة سامر الخير -البعث السورية)

السابق
منيمنة: الفريق الداعم لميقاتي يحاول الحد من موقع رئاسة الحكومة ومن رئيسها
التالي
في خيارات النظام السوري والانظمة العربية الاخرى