مخاوف من بلوغ التأزم الداخلي حدود الفراغ

تخشى مصادر ديبلوماسية في بيروت ان يزيد منحى التطورات في سوريا ايا تكن طبيعتها الوضع في لبنان تأزما، اولا لان لبنان معني جدا بما يجري فيها ثم للارتباك الواضح لدى حلفاء دمشق في المرحلة الراهنة والذي لا يمكن اخفاؤه، ليس في تأليف الحكومة فحسب، علماً ان التأخير والعجز عن التوافق على هذا الصعيد هما سبب آخر للتوتر بل للمنحى السياسي العام. فحتى الامس القريب كان لبنان يقف في موقع المتفرج على الثورات العربية وتسير في شوارعه تظاهرات تنظم امام بعض سفارات الدول التي تشهد تحركات احتجاج دعما للمحتجين فنظمت تظاهرات امام سفارات مصر واليمن وتونس. وقد انحسرت هذه التظاهرات فجأة مفسحة في المجال امام تظاهرات داعمة للرئيس السوري بشار الاسد بعدما شهدت سوريا تحركات احتجاج ولم ينظم تحرك واحد داعم للمحتجين في سوريا علما ان الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله كان اعلن في 19 آذار المنصرم في مهرجان "التضامن مع الشعوب العربية" تضامنه ووقوفه الى جانب الشعوب العربية وثوراتها وانتفاضاتها وتضحياتها في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين مبديا الاستعداد "لمد يد العون" ومعتبرا "ان هذه الثورات ثورات شعبية حقيقية منطلقة من الناس الذين لحقت بهم النخب السياسية" وهو "ما لا يجوز ان تغفل عنه الانظمة" كما قال. وليس خافيا ان الوضع اللبناني يتأثر بالوضع السوري سلبا او ايجابا، لكن هناك محاولة لتجاوز هذا الارتباك، كما ترى هذه المصادر، في اعادة تطبيق مشهد 14 و8 آذار 2005 في لبنان على الوضع السوري مجددا، انما بشكل مختلف، وخصوصا ان الرئيس السوري اعاد التذكير في خطابه الاخير امام مجلس الشعب بالتحديات التي واجهها في تلك السنة في اشارة الى ما واجهه بالنسبة الى لبنان ولو من دون ان يدخل في التفاصيل. ومع ان لبنان اعتاد التوظيف السياسي لتطورات عربية، على ما حصل بالنسبة الى الثورات التي حصلت في بعض الدول العربية، فان المسألة تغدو اكثر تعقيدا وحساسية بالنسبة الى الوضع في سوريا التي تتحكم بمفاصل عدة من الوضع في لبنان. واستعادة او محاولة استعادة مشهد 2005 في هذا السياق قد تتسبب بازمة جديدة للبنان، علما ان الاخطار اكبر من ان تحصر، وفق ما يستشعر كثر، باعتبار ان سوريا هي حجر شطرنج او دومينو اساسي في المنطقة من شأن تحركه سلبا او ايجابا ان يؤدي الى تداعيات كبيرة ليس اقلها ما يتصل بـ"حزب الله" وايران التي تشكل سوريا حليفها العربي الوحيد في المنطقة. وقد لاحظ المراقبون التزام ايران الصمت الكلي ازاء الاحتجاجات التي شهدتها سوريا على غير ما كان الوضع بالنسبة الى دول عربية اخرى. وفي موضوع تأثر لبنان بما يحصل في سوريا، تقول هذه المصادر ليست سوريا في حاجة الى التدخل من أجل تأليف الحكومة كي تظهر مدى تأثيرها وتحكمها بموعد اعلانها بل ان عدم تدخلها هو الرسالة التي يفهم منها عجز الافرقاء اللبنانيين عن تأليف حكومة من دون ان تتدخل هي او يطلب منها ذلك، و"تبيع" هذا التدخل لمن يطلب منها المساعدة في تأليف الحكومة، أكان صاحب الطلب هو المملكة السعودية ام اي دولة غربية. وموضوع تدخلها يسري على حلفائها علما انه يسري ايضا على خصومها في حال كانت الحكومة ستضمهم ايضا، كما كانت الحال مع حكومة الرئيس سعد الحريري نتيجة تدخلها من أجل حلفائها، لاستعادة قرارها في الداخل اللبناني.

ولا يزال هذا المنطق هو المتحكم في موضوع تأليف الحكومة اي ان الوضع الحكومي في لبنان بات مؤشرا اكثر فاكثر لمنحى الامور في سوريا ولن يكون ممكنا قراءته بمعزل عن هذا التطور مع ان اسقاط الحكومة وتسمية الرئيس نجيب ميقاتي سابق للاحتجاجات السورية. وعلى رغم وجود عقبات داخلية فعلية تقوم، كما تحددها هذه المصادر، بين سلبيتين لا تسمحان لهذه الحكومة بان ترى النور: احداهما هي مطالب العماد ميشال عون الذي يرى في حصوله على الثلث المعطل الى جانب وزارة الداخلية الفرصة الاخيرة امامه للوصول الى رئاسة الجمهورية من خلال التحكم بالاكثرية النيابية المقبلة ايا تكن، ما يعني او يوحي ذلك من وظيفة لهذه الوزارة في امتلاك القدرة على التحكم بمفاتيح الانتخابات او التلاعب بالنتائج ربما او تسخير كل قدرات الدولة من اجل تأمين الفوز بالاكثرية. ولا يزال الاعتقاد كبيرا بان لا رغبة لا سوريا ولا "حزب الله" في التأثير على قرار حليفهما نظرا الى ما يمثله بالنسبة الى كل منهما. والاخرى هي عدم قدرة رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي على التضحية بصلاحياته في التأليف والتسليم بمطالب العماد عون نظرا الى التبعات الخطيرة لدى الطائفة السنية ليس على وضعه شخصيا بل ايضا في إحداثه سابقة المس بهذه الصلاحيات، علما ان الرهان لدى اقطاب في هذه الطائفة هو على اعتذار ميقاتي لاستحالة اقدامه على ما قد يمس بصلاحيات طائفته.

وتخشى هذا المصادر تبعا لذلك من فراغ سياسي لبناني يعمق الازمة على وقع التطورات في سوريا التي يترقب المراقبون جميعهم تحرك اليوم الجمعة بعد خطاب الرئيس السوري لمعرفة الصدى الذي تركه ومفاعيله وفي اي اتجاه ستسلك الامور في المدى القريب.
  

السابق
حوري: من قام بالانقلاب عليه ان يبحث عن حل
التالي
ثورة سرّية