قوة إيمان العبيدي

ما الذي هزنا أكثر؟ محنة إيمان العبيدي أم جرأتها؟
يكاد يكون مشهد اقتحام المرأة لفندق مكتظ بالصحافيين وبأمن النظام الليبي ومسؤوليه وصراخها متهمة رجال العقيد معمر القذافي باغتصابها وضربها وإظهارها للكدمات على أجزاء من ساقيها ويديها واحدا من أكثر المشاهد الليبية الراهنة ظلامة.
مسارعة أمن النظام إلى الإمساك بها واقتيادها بل واتهامها علنا بالعته والسكر لم يأت من فراغ، كذلك إجبار أقرباء لها على الظهور على التلفزيون الليبي واتهامها بأنها مجنونة.
إنه وعي عام يستنكر أن تجاهر امرأة ضحية بتعرضها لما تعرضت له إيمان العبيدي فيصبح من السهل إدانتها وتحويلها من ضحية إلى مذنبة ربما، أو إلى إنسانة فاقدة الرشد لأنها جاهرت بما تعرضت له كما فعلت إيمان.
صحيح أن صرخة إيمان لاقت استنكارا، وأن اختيارها فندقا مكتظا بالصحافيين الدوليين للمجاهرة بما عانته ضمن لقصتها تغطية عالمية، لكن ذلك لم يتم من دون تردد وتشكيك مضمر بقصة الشابة الليبية، وهذا يمكن لمسه بالتلكؤ الظاهر في بعض التغطيات العربية للقصة في يومها الأول.

من الضروري السؤال عن هذا الخجل الإعلامي العربي عن متابعة قصة إيمان، وتحديدا في بدايتها، قبل أن ينخرط الجميع في إدانة ما اقترف بحق هذه الليبية وبالتأكيد بحق كثيرات غيرها. صحيح أن قنوات اهتمت بالأمر وأجرت مقابلات مع والديها اللذين دافعا عنها وعن فتيات أخريات واجهن المصير نفسه وهو ما أجبر النظام لاحقا إلى الاعتراف بأنه يحقق في الأمر دون أن يعني ذلك أن هناك تحقيقا فعليا يحدث.
لقد رافق تغطية القصة بعض من التردد في البداية، فالبعض الذي استهول كشف إيمان لنفسها لتظهر ظلامتها رد ذلك إلى جرأة غالبا ما ينظر إليها بكثير من الشك والريبة في مجتمعاتنا. من خالجه هذا الشعور فاته أن إيمان كشفت قسوة وبؤس أنظمة من نوع النظام الليبي. إنها أنظمة غالبا ما تنجح في تغطية ارتكابات من نوع من تعرضت له إيمان ونساء وفتيات كثيرات على امتداد مساحة الدول التي يجسد نظام القذافي نموذجا صارخا لها.
قليلات هن الضحايا اللاتي امتلكن الجرأة على إعلان محنتهن كاشفات الوجه وأمام الإعلام وبهذه القوة. اعتادت الضحايا على الصمت واعتاد الإعلام على عدم الإلحاح في السؤال.
السؤال أخلاقي بامتياز، إذ أن لقطات وصول إيمان إلى الفندق لم تتضمن ما يدعو للريبة إنما ما يدعو للفزع من قسوة هذا النظام. وإذا كنا حيال مشهد إيمان أمام موقف نادر في جرأته لكننا كنا أيضا في تردد صحافتنا أمام مشهد غير نادر في تخاذلنا حيال ظلامة امرأة، وأي امرأة.. إنها واحدة من اللاتي يشعرن الرجال بأن اللحظة ليست لحظتهم وأن «كليشيه» الرجولة الذي يعج به قاموسنا العربي بدأ في التداعي. فالرجل حيال مشهد إيمان إما مغتصب أو خائف.

عذرا لبعض التعميم، ففيه دعوة للتأمل.

السابق
ريفي: رأس الحربة في عملية الخطف هو وائل عباس من مجدل عنجر
التالي
مصادر لـ”الأنباء”: الأستونيون خُطِفوا عن طريق الخطأ