حكاية اكتشاف مغارة النفاخية..

بات في جعبتي شيء جديد، فائق الجمال، ومختلف أرويه لأحفادي في المستقبل. رواية أسرد فيها تفاصيل قصة اكتشافي مغارة النفاخية، إذا ما توفرت الإمكانيات لجعلها معلماً سياحياً هاماً في منطقة الجنوب. كانت تلك زيارتي الأولى لقرية النفاخية ذات الأصل المسيحي في قضاء صور، والذي يبدو ذلك واضحاً من خلال طريقة العمران، إضافة إلى الكنيسة التي تتوسط ساحة البلدة. وصلت وزميلي المهندس عباس أبو طعام إلى القرية قرابة الساعة الرابعة من بعد ظهر الثاني من آذار الجاري، بمساعدة من أحد أبناء القرية في تحديد موقع المغارة، وطريقة الوصول إليها. ذلك بعدما أنكر جميع أبناء القرية، وأصحاب الكسارة التي تقع المغارة ضمنها، وحتى العاملين فيها وجود تلك المغارة. وانطلاقاً من مبدأ كل ما هو محجوب مرغوب، أصبح التحدي وروح المغامرة هاجساي لاكتشاف تلك المغارة، التي حاول الجميع طمس أثرها، لذا قررت تحدي الجميع والتسلل إليها ليلاً.

انتظرنا حتى توقفت الكسارة عن العمل، وتأكدنا من رحيل العاملين فيها، مع إبقاء احتمال وجود ناطور. كانت الساعة تشير إلى العاشرة ليلاً، فتوجّهنا سيراً على الأقدام نقطع طرق الوادي الترابية، ترافقنا أصوات الليل من خرير للمياه إلى نباح الكلاب، تأتينا من بعيد فتزيد من وحشتنا. لم أستطع لثلاثين دقيقة استغرقناها للوصول إلى المغارة، سوى أن أتخيّل طريقة عمل شباب المقاومة، فنحن هنا في وادٍ جنوبي لربما ما يزال يعجّ بالمقاومين.
وفي العتمة، ومع الحرص الشديد على عدم إصدار أي صوت، وجدت نفسي أتسلق تلالاً من البحص والصخور تتفتت تحت قدميّ مهددة بسقوطي من الأعلى. كدهر مرت عليّ تلك الدقائق وأنا أزحف عبر تلك الطاقة الصغيرة التي تشكل باب المغارة. وصلنا، ذهلنا، تلمّسنا مشاهدنا ولقطاتنا، نحارب العتمة بنظراتنا لالتقاط صور أشبه بما نشاهده في مغارة جعيتا.
في اليوم التالي لفضح القضية، في برنامج «للنشر» (على شاشة «قناة الجديد»)، استفاقت بعض وسائل الإعلام على سبق صحافي جديد. والجميع يحاول أن ينسب اكتشاف المغارة إلى نفسه، حيث لم يتم حتى ذكر الجهة التي اكتشفت المكان، معرّضة حياتها للخطر. وقد تحرك النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي سميح الحاج في اليوم التالي للإطلاع على الواقع، حيث تم إغلاق المغارة بالشمع الأحمر مع تعيين حارس عليها.
اليوم، ولحماية المغارة المكتشفة من الوساطات والمحسوبيات والرشى، وكي لا يتم التغاضي عن المسألة وتنسى بعد أن يعمّ الهدوء، أسعى إلى تشكيل لجنة تعمل على متابعة قضية المغارة المكتشفة، وتحرص على الاستمرار في اكتشاف بقية أجزائها وحمايتها، على أمل أن تصبح معلماً سياحياً ينعش المنطقة.

السابق
بلديات صيدا الزهراني: كتاب لبارود.. وحلّ لتشغيل معمل النفايات
التالي
مارك لينش: ما سر الهدوء اللبناني؟