ما بعد 13 آذار

يمكن قول الكثير في المقارنة أو التشبيه بين الحراك السياسي الذي يشهده لبنان هذه الأيام، وبين ما يسمى ربيع العرب الذي يرمز الى ثورة الشباب والشعوب في عدد من الدول العربية، والتي تعبّر عن تراكم عقود من القهر والظلم والقمع والفساد من أنظمة مارست أنواعاً مختلفة من الديكتاتورية وحكم الرأي الواحد.

وإذا كان فريق الأكثرية الجديدة يرى في سقوط الرئيسين حسني مبارك وزين العابدين بن علي وقرب سقوط العقيد معمر القذافي في ليبيا، انتصاراً لنهج المقاومة في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل وتعزيزاً لخطها بالتحالف مع إيران وسورية، وخسارة لخصومه في قوى 14 آذار، فإن الأخيرة ترى في هذا التغيير الكبير ما يدعم خطها ويخدم توجهاتها العامة لأنها ترفع لواء مواجهة القمع والظلم والاغتيال وفق الشعارات التي تطلقها لمناسبة دعوتها الى التجمع الحاشد الأحد المقبل في قلب بيروت.

بإمكان كل من الفريقين توظيف التغييرات العربية الكبرى لمصلحته، على الطريقة اللبنانية، مستفيداً من الغموض الناجم عن تداخل الشعارات والأهداف واختلاطها، وتشابكها مع المصالح الإقليمية المؤثرة في لبنان كساحة للصراعات. لكن المؤكد ان هذه التغييرات لم تسعف قوى 8 آذار ومن ورائها إيران وسورية، لأنها أتاحت لقوى 14 آذار العودة الى تركيز الأنظار على ما تتعرض له من ضغوط ما تسميه «غلبة السلاح»، والدعم الإقليمي لها، لأنها أدت الى خسارتها الأكثرية بانضمام نواب منها الى الفريق الخصم، تحت ضغط إمكان استخدام السلاح من جانب «حزب الله»، سواء تحت شعار مواجهة المحكمة الدولية، أم غيرها من الذرائع. والواقع ايضاً ان حلفاء «حزب الله» الجدد في الأكثرية الجديدة، بدءاً من رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، مروراً برئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط، لم يخفوا أسباب انتقالهم من ضفة الى أخرى، حين اعتبروا أنهم بذلك وفّروا على البلاد «فتنة كبرى» أو «حرباً أهلية»، أو جنّبوا لبنان «انفجاراً كبيراً». كان ذلك ذريعة إضافية للأقلية الجديدة (قوى 14 آذار) كي تقيم نوعاً من التماثل بين ضغط السلاح والقوى الإقليمية التي تقف وراءه، وبين الأنظمة القمعية التي تقوم الثورات ضدها في الفضاء العربي… هل يكفي ان يعتمد «حزب الله» سياسة التجاهل للحملة على استخدامه السلاح بهدف الحؤول دون أي سجال حول الأسباب الفعلية للتحولات الداخلية في لبنان، ولتجنّب اتهامه باتباع سياسة القمع؟

لقد أسقط «حزب الله»، ومن ورائه سورية وإيران، التسوية التي كان يجري التحضير لها بين السعودية وسورية، والتي كانت تشمل مؤتمراً وطنياً للمصالحة الشاملة بين الفرقاء اللبنانيين برعاية عربية حول كل الماضي، فما هو البديل لتلك المصالحة والتسوية، غير إسقاط الحريري ومجيء ميقاتي؟ وما هو برنامج الأكثرية الجديدة التي يفترض ان يتشكّل منها الحكم الجديد غير إنهاء تعاون لبنان الرسمي مع المحكمة الدولية؟ وهل يمكن ان يقتصر برنامج أي حكم على قضية المحكمة فقط؟ وكيف يتصدى هذا البرنامج المفترض لآثار الموقف منها على علاقات لبنان الخارجية وانعكاس ذلك على وضعه الاقتصادي؟ وهل يكفي لتعويض غياب البرنامج المتماسك عند الأكثرية الجديدة بقديمها وجديدها، ما تحضّره من خطوات مبعثرة وتعيينات إدارية واستنادها الى الدعم السوري والإيراني، أم ان كل ذلك سيزيد إمساكها بناصية السلطة صعوبة فتستعين بسطوة السلاح لمواجهتها؟

وبقدر افتقاد الأكثرية البرنامج، فإن السؤال يطرح بالقدر ذاته على الأقلية الجديدة المعارضة. فالوثيقة السياسية التي أصدرتها أمس، تحدد عناوين عامة لا تخلو من النواقص.

وإذا كانت قوى 14 آذار ستنجح الأحد المقبل في حشد الجماهير وإعادة وهجها الشعبي بعد تحررها من قيود الحكم، وهو أمر سيضيف لخصومها صعوباتهم في الحكم ويزيد من إمكان إضعاف ميقاتي ومحاصرته، فإن أمامها تحدي طرح برنامج واضح لشعاراتها. وسواء كان عليها ان تتهيأ لمعارضة طويلة الأمد حتى الانتخابات عام 2013، أم تنجح في إسقاط الحكومة قبلها، فإن هذا لا يعفيها بعد هذا التاريخ من مسؤولية تعبئة جمهورها ومخاطبة الجمهور الآخر باقتراح خطوات عملية تتعلق بسبل إنهاء غلبة السلاح في الداخل وتأثيره في الحياة السياسية، وكيفية ضمان استخدامه لمواجهة إسرائيل واستيعابه بالأطر التي يمكن اعتمادها لتأكيد دور الدولة في هذه المواجهة وبرؤيتها لتوظيف هذا السلاح في سياق الصراع العربي – الإسرائيلي.

فموقع المعارضة لا يغني عن برنامج يتناول قضايا حساسة مثل قانون الانتخاب والعلاقات اللبنانية – السورية واستكمال تطبيق الطائف وإلغاء الطائفية السياسية والنهوض بإدارات رسمية تمر في مأزق، ومحاربة الفساد… الخ

بعد 13 آذار تبدو قوى 14 آذار مطالبة بقول ما يستدرج قول الجمهور لها «نعم» لتنتقل من شعار «لأ» لكذا وكذا.

السابق
عيد المعلم في “المبرات”
التالي
عندما يخالف الحريري… فتوى السعودية في لبنان!