التعامل مع القرار الاتهامي بنموذج الـ 1559 ؟

لم يخرق قواعد الصمت على موضوع المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري التي فرضها "حزب الله" بعد اسقاطه الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري وتسمية الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة الجديدة سوى عاملان الى جانب استمرار تمسك قوى 14 آذار بعمل المحكمة. أحد هذين الامرين كان صدور التقرير السنوي الثاني عن اعمال المحكمة في مطلع الشهر الجاري. والأمر الآخر الذي استقطب الانتباه هو اعلان وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي "ان ايران لا تعير المحكمة الدولية من اولها الى آخرها أي اعتبار" في ما رأته مصادر معنية انه يعبر عن الاسلوب الجديد الذي يعتمده الحزب ازاء المحكمة بعد سيطرته على السلطة عبر التحالف الذي يرأس بدعم سوري. إذ ان الحزب لم يعد مهتما بأي أمر يتعلق بالمحكمة أقله في الظاهر مطمئناً الى انه لن يكون في الحكومة التي تتشكل منه وحلفائه أياً ممن يمكن ان يؤيد المحكمة بمن في ذلك رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي يقول هؤلاء انه يحاول ان يمسك العصا من منتصفها عبر القول انه كان يفضل لو ان المحكمة لم تكن مسيسة على نحو يمهد للطعن بصدقية اي قرار يمكن ان يصدر عنها لاحقا وفقا لما تقول مصادر في قوى 8 آذار.
وتقول مصادر ديبلوماسية ان هذا الانطباع بعدم اهتمام الحزب او عدم تعويله اي اهمية على قرارات المحكمة بعد وضع يده على السلطة هو امر يحاول ان يثبته الحزب لدى رؤساء البعثات الديبلوماسية الذين يلتقون بعض مسؤوليه او عبر اطراف ثالثين. في حين تقول هذه المصادر ان الحزب يحاول ان يخلق انطباعاً بارتياحه لامساكه بمفاصل السلطة ولاستتباب الأمور لمصلحته اضافة الى انه يعول على الرئيس المكلف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي من أجل ان يخلق حالة ثقة واطمئنان في الداخل والخارج بوجود استقرار في لبنان شبيه بالاستقرار الذي كانت ترتاح اليه الدول الغربية إبان وجود القوات السورية في لبنان. وما دام الاستقرار موجودا وفق ما بدأ تأكيد ذلك حتى خلال الشهر ونصف من مسار تأليف الحكومة حتى الان، فان من المهم للحكومة التي يشكل الحزب داعمها الاساسي ان تخلق انطباعا ان الاستقرار في الداخل هو اهم من قرارات المحكمة واكثر ضمانا بحيث ان القرار الاتهامي الذي يتمسك به الجميع ربما سيهدد هذا الاستقرار وفق ما يدأب بعض السياسيين على القول بناء على رد فعل يتوقعه هؤلاء عن الحزب الذي يرفض ان يتهم عناصر منه باغتيال الرئيس رفيق الحريري، على رغم ان الكلام على رد الفعل المتوقع يصب في شكل مباشر او غير مباشر في خانة الشعارات التي ترفعها قوى 14 آذار في احتفالها السنوي بعد يومين بمناسبة ذكرى انتفاضة الاستقلال والمتصلة باستخدام "حزب الله" سلاحه في الداخل. وتاليا فان المهم هو اشعار اللبنانيين ان الاهم بالنسبة اليهم هو التمسك بهذا الاستقرار وعدم ايلاء البحث في اتهامات سبق ان صنفها في الاطار السياسي أهمية ويمكن ان تهز هذا الاستقرار ولو انه سيكون مسؤولا عن هذا العامل الأخير.
إلا ان المصادر نفسها تعطي اهمية كبيرة لما اورده رئيس المحكمة القاضي انطونيو كاسيزي في تقريره عن اعمال المحكمة ولا سيما ما تضمنته الصفحات الخمس الأخيرة من التقرير التي تحدثت عما "لم يتحقق في اثني عشر شهرا وما تم تحقيقه حتى الآن" خصوصاً في منحى تأكيد استمرار المحكمة وعدم انتهاء عملها بفعل الاحداث او التطورات السياسية الأخيرة في لبنان، بمعنى عدم خوفها من ان ينعكس ذلك على عملها كما في معرض ردها على الحملات عليها التي استهدفتها في قوله "اعتقد اعتقاداً راسخاً ان نتائج الاستثمار الذي قام به المجتمع الدولي ولبنان من حيث الموارد المالية وثبات العزم قد بدأت بالظهور ولا يمكن التخلي عنها على رغم ممارسة ضغوط في غير محلها وستتمكن المحكمة من انجاز مهمتها على أكمل وجه وتحقيق العدالة في ظل ادارة واعية وشفافة". كما يرد كاسيزي على "أولئك الذين ما زال يساورهم الكثير من الشكوك والمخاوف في شأن المحكمة" و"منتقديها" بتقديم كل الحجج لاستمرارها واظهار عملها للمجتمعين الدولي واللبناني على حد سواء. وتالياً من الصعب التسليم بأن تجاهل المحكمة او عدم ايلائها اي اعتبار، كما قال وزير الخارجية الايراني، سيطيحها من الوجود او سيلغي قراراتها باعتبار ان الأمر سيكون اشبه بتجاهل ايران العقوبات التي اتخذها مجلس الأمن ضدها واعتبرتها ايران غير ذي قيمة ثم عمدت الى الطلب في اثناء التفاوض مع الدول الخمس زائد واحد اي الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد المانيا الى طلب الغائها كشرط للتفاوض. او ان الأمر قد يكون مماثلاً للقرار 1559 الذي سعى لبنان الى الالتفاف عليه عبر الاجماع اللبناني على ايجاد معالجة داخلية له عبر الحوار حول سلاح "حزب الله" ونجح بفضل علاقاته الدولية في ان يأمن شر الدفع في اتجاه المطالبة بتنفيذه فضلا عن معرفة الدول الغربية ان ملف سلاح الحزب هو مسألة اقليمية ايرانية وسورية لكنها ايرانية اكثر بحيث يصعب على لبنان حل هذا الموضوع وحده او في اطاره الداخلي. ومع ان الحزب يدرج مضمون القرار الاتهامي في اطار سياسي بحيث أعطى تصريح وزير الخارجية الايراني عن المحكمة بعداً اضافياً لما يعتقده الحزب، فإن الأمر يتصل في الدرجة الاولى وفق المصادر المعنية بأمرين أساسيين: الاول ما سيتضمنه القرار الاتهامي من صدقية في الوقائع التي سيوردها ووجود فريق لبناني يمثل نصف اللبنانيين يطالب بالعدالة ويتمسك بالمحكمة وكونه خارج الحكومة يمكن ان يجعل الأمور صعبة بغض النظر عن المواقف الخارجية في هذا الموضوع ولو ان العواصم تؤمن بأن القرار الاتهامي لا يعني ان الاتهام سيصبح واقعاً ما دام المتهم بريئاً حتى إثبات العكس.

السابق
العاصفة الثلجية تستمر اليوم لتنحسر اعتباراً من صباح الغد
التالي
14 آذار تؤسس لمرحلة جديدة تحت عناوين السيادة والعدالة وإنهاء السلاح