السلاح، والطائفية أيضاً !

إنصافاً للحقيقة وللتاريخ، ليس السلاح وحده ما يكربج الوضع اللبناني ويعطّله، وما يعرّضه بين الحين والآخر لمخاطر الحروب الداخلية والانقسامات، بل الطائفية أيضاً، أو الطوائفية السياسية، وفق رؤية المفكرِّ المميَّز منح الصلح.
وقد يكون هوس الاستئثار بالسلطة، والهيمنة على المقدّرات، هو ما يغري الطائفة بجناحها الحزبي ويستدرجها الى مجاهل عالم السلاح ومطبّاته.
طبعاً، السلاح يتحوّل مشكلة كبرى ومعضلة اذا ما ارتبط حامله وحائزه بايديولوجيا طائفيَّة دينية مذهبيَّة. وخصوصاً اذا كان لبنان هو المسرح. فكيف اذا تدثَّر بغطاء هذه الطائفة أو تلك، شاءت أم أَبَت؟
ما تجدر الاشارة اليه في هذا المقام أنَّ الطائفة الشيعيَّة ليست الوحيدة أو الاولى بين الطوائف التي يحيط بها حزب يحمل اسمها ويضرب بسيفها. سواء بموافقة إجماعية، أم جزئيَّة، أم بشيء بهذا المعنى.
لقد سبق الفضل في هذا المجال وهذه التجربة، الاولويَّة للطائفة السنّية، التي خاضت تجربة السلاح الطوائفي المسيَّس صيف العام 1958. ومن بيروت الى طرابلس شمالا، فصيدا جنوباً، وانعطافاً الى بعض الجبل.
ثم تكرَّرت المحاولة والتجربة مع اتساع نفوذ دويلة ياسر عرفات، واندماج الحزبيّات القديمة والجديدة في تلك المغامرة النارية التي فرَّخت حروباً لا تزال "خيراتها" تتدفَّق حتى اليوم على الوطن الرسالة.
أما الطائفة المارونية، فقد تعمَّدت بدورها في مغطس السلاح وتطييفه، وإن ممّوها بحزبيَّة غطَّت الواجهة الكبرى، فمنحها منح الصلح على الأثر غطاء المارونيَّة السياسيَّة، إنما من غير أن يحجب دورها البارز في التطورات الدراماتيكيَّة التي عاشها اللبنانيون في تلك المرحلة، وانبثقت منها أثقال العواقب والذيول التي لا يزال البلد مكبَّلاً بها.
ولا شكَّ في أن سلاح "حزب الله" الشيعي قد استفاد، على الأقل، من تلك السابقة وما زرعته من سوابق وأساليب…
واذا كان حزب الشيعة قد القى ظهره الى الجبل الايراني، فإن أحزاب السنَّة شكلَّت امتداداً للناصرية وطموحاتها في المنطقة، ثم لاقت دويلة "أبو عمار" في أول الطريق ورشت على مواكبها الأرز والورود.
أما "اضطرار" المارونيَّة السياسيَّة الى الاستعانة بأرييل شارون وخبرته وأجهزته وأسلحته، فلا يحتاج الى إعادة استظهار.
ثورات وتمرّدات كبيرة وصغيرة سابقة، كثير عددها، عرفها لبنان في أزمنة ومراحل مختلفة. وكان "الرديفان" دائماً العصب الأساسي فيها، أي السلاح والطوائفيَّة.
والى حد ان السلاح في لبنان، وعلى امتداد عهود وعقود، بات يحمل هويَّة طائفيَّة. فاذا كانت ثمة رغبة، أو إرادة حقيقية وصادقة في معالجة داء السلاح، فلا بدَّ من الانطلاق من داء الطائفيَّة. فكل منهما مرتبط بالآخر. وكل منهما يستجرُّ الآخر. وكلاهما يستنزف لبنان، ويعطلّه، ويهمّش دوره في محيطه، ويعرّضه للمنزلقات الخطيرة… كلما لاحت بارقة أمل في أُفقه.
مَنْ من السادة النُجب الذين يتبخترون ويجرُّون الذيل تيهاً، في هذا الزمن الرديء، لا يعرف ان الطائفة بل الطائفية هي التي تتخذ القرارات، عبر هذا الحزب أو ذاك التيار أو الطيار.
هذه الثلاث، الكريمة طبعاً، هي التي تستأثر بخيرات لبنان. وهي هي لا سواها مَنْ "يتحارب" ويتقاتل على الوزارات التي تبيض ذهباً ومكاسب ومسالب وغنائم.
وهي ذاتها التي "تجود" على الطوائف الأخرى الصغرى، التي لم تلجأ الى السلاح، بما يجود به اللئام عادة على الأيتام، مسلَّحة كانت أم "سيفيل"…
فكيف تمرُّ العلمنة اذاً، ومن أين؟

السابق
إحتفال لـ”أمل” في ذكرى شهدائها في الحدث
التالي
صور تعتصم ضد “النظام الطائفي الفاسد”